وجهة نظر

الخطاب الملكي وشعب المهجر

المتتبعون والسياسيون والاعلاميون وأبناء الشعب يترقبون الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، خصوصا وأنه في الآونة الاخيرة أصبحت الخطب الملكيةتحفل بتيمات تحظى بالأولوية في انتظارات المواطن العادي، بعد ان كانت لفترة سابقة تأسيسية واستراتيجية اكثر منها موضوعاتية …
ومادام لكل مواطن الحق في انتظار موضوع ما …

وبدون مصادرة آمال باقي المواطنين ، فأنا انتظر من جلالة الملك أن يقول كلمة في حق أبناء الجالية بالمهجر … إن لم يكن في هذا المناسبة ففي مناسبة أخرى قريبة إن شاء الله

كلمة ليست للاحتفاء أو الإشادة بجهودهم، فهذا حصل بشكل او آخر من خلال اليوم الوطني للمهاجر ومبادرات اخرى …

بل كلمة تطلق دينامية جديدة للتعاطي مع ملف الجالية ، والجديد القديم هو هاجس الإرهاب ثم قبله الجريمة المنظمة ، وهو شقيقها الأصغر عمريا لكنه الأكبر في السوء والفظاعة والقذارة …

مهاجرينا بالخارج رمز للوفاء للوطن،للذوذ عن القيم والتوابث ، مرت بهم الازمنة الوردية ، أزمنة حقائب الشكلوطة والعطر والشاي وأنواع الهدايا التي تتناثر في كل جانب … أزمنة الابهة وتصدر المجالس …
لكن منذ أكثر من ثلاثة عقود دخلوا مرحلة الازمة والتيه وفقدان البوصلة … مع استثناءات طبعا
هناك في المهجر وبعد أن لم الكثير منهم شمل أسرهم، ومع المواليد الجدد بمنشأ وتربة لا تنشئ على القيم التي حملها الاباء والاجداد الى هناك وأحكموا الاغلاق عليها في صناديقهم السوداء لكي لا تمس ، ومع تعارض القيم وتنازعها ، وغياب المرافقة من طرف الوطن الأم ، فقد الآباء زمام المبادرة وفشل الكثيرين في مواكبة أبناءهم لإتمام الدراسة ، فشل دراسي وازاه فشل تربوي وقيمي ممهد للانخراط في الانحراف ثم بعد ذلك الجريمة المنظمة ، بعد انحسار فرص الشغل وطغيان التمييز السلبي …
وهو وضع شكل محضنا مغريا للجريمة العابرة للقارات التي يعتبر الارهاب المنسوب ظلما للاسلام أحد تجلياتها…

وبالموازاة والتأثير والتأثر- وهنا بالوطن الأم- ورطت بعض السياسات الارتجالية، منها جشع السياسة التسويقية لشركات العقار وغيرها الكثير من أبناء الجالية في حب الجدران والاستثمار في التراب والعقارات بدل الاعتناء بتعليم أبنائهم والاستثمار في ذلك، وهو من الأسباب التي عمقت صراع الأجيال وأوصلت للنتائج التي ذكرناها ، بعد أن قدم الآباء والاجداد الاستقالة تاركين الجمل بما حمل عائدين للوطن الأم في غربة جديدة لا يوازيها في الالم والبؤس سوى الغربة الاولى حينما تركوا كل شيئ خلفهم سعيا نحو جحيم المناجم …

لقد بدأت ظاهرة الارهاب – شيئا فشيئا – تسيئ للصورة الوردية التي رسمها المهاجرون الأولون من المحاربين ورجال الأعمال الشاقة، بل أصبح المهاجر لا يذكر إلا مقترنا بالجريمة والفشل وعدم الاندماج ، وهو واقع يستدعي منا نحن المغاربة أن نكون في طليعة الفعل بالنظر لموقعنا الاستراتيجي والجيوسياسي ، لا أن نبقى متفرجين أو منخرطين في دينامياتتخدمأجندات لا نمسك كل خيوطها …
لقد شهد الجميع للمغرب نجاح مقاربته الأمنية في مواجهة الظاهرة -التجربة – التي تحتاج الى مزيد من التمنيع تفاديا لأية اختراقات ، ولعل أبرز الواجهات والأولويات الاشتغال على تحصين وتأطير وإدماج أبناء جاليتنا بالدول الأوربية خصوصا ، وإمدادهم بعوامل المقاومة والمناعة في وجه الفخاخ المغرية للجريمة المنظمة على المستوى الأمني والفكري ؛
وعلى المستوى التنموي تبرز الحاجة لتغيير أساليب الاستقطاب وضخ مزيد من المحفزات والملائمات التي تراعي طموحات وانتظاراتالجيل الذي ولد وتنشأ في اروبا وغيرها …

وسؤال بسيط أطرحه على إدارة الجمارك ومندوبية الحليمي ونحن في موسم العودة ، هل أجريتم يوما دراسة لتعرفوا من يعود ممن لا يعود وكيف يعود؟ بدل الاكتفاء بالأعداد، وحجم العملة الصعبة الواردة …

وفي انتظار ذلك، لدي بعض المعطيات على عينة معينة فهمت منها أن الكثير من الأطر الناجحة والشباب المتعلمالمندمج ، يقضون عطلهم بتركيا وأمريكا وغيرهما ، والكثير منهم ودع معقل الأجداد لغياب سياسة اندماجية مرنة وفعالة ، والسياسة الاندماجية لن تنجح طول الوقت ان لم تنجح في شهري العودة ، لن تنجح مع الفاشلين ان لم تقنع الناجحين، ولن تنجح كذلك ان لم تكن شاملة عابرة للسياسات والقطاعات والقارات …
الإرهاب فعلا بدأ يرهبنا ويضغط علينا ويؤثر ، والجيل الجديد من العمليات لن تنفع معه المقاربات الأمنية والدفاعية ، إذ لا بد من مقاربة هجومية استراتيجية تستند على القيم والتربية والتنمية في إطار تشاركي مع كل الضحايا دولا وأفرادا ، وفي طليعة الأفراد آباء وأمهات المغرر بهم …