وجهة نظر

عندما يغيب الإنسان‎

لقد اختفى دور الأسرة الحقيقي المتمثل في التربية والتوجيه واستبدل هاذين الأخيرين بنهج سياسة التخويف والقمع والضغط والذي في آخر المطاف جلب لنا شبابا لا شخصية ولا طعم ولا لون لهم, همهم البحث عن تفريغ جل ما حرموا منه في مرحلة الطفولة والتعرف على ملامح كل ما قيل عنه أنه منبوذ وغير مقبول دون أن يتلقو أي شروحات حول ذلك وحجج تجعلهم مقتنعين بذلك, ويبقى عالقا في ذهنهم إلى حين وجود فرصة سانحة, فلا يحكهم آنذاك لا ضمير إنساني أخلاقي ولا قانون, المهم لديهم أن يشبعوا تلك الرغبة التي لاحقتهم منذ زمن الطفولة, حينما كانوا يرون من هم أكبر منهم سنا يتحدثون أو يفعلون ذلك دون مراعاة لمشاعرهم أو أخد بعين الاعتبار المرحلة الحرجة التي هم فيها, لا غريب أن نصادف اليوم مراهقا أو شابا يهتك عرض أنثى مختلة عقليا أو يمارس الجنس مع حيوان بشكل شاذ, أو حتى يبيع جسده, سيصبح عادي آنذاك.

أمامنا الآن قضيتين مختلفتن لا يبعد بينهما فارق زمن كبير, الأولى متعلقة بممارسة الجنس مع حيوان والثاني متعلقة بهتك عرض أنثى مختلة عقلية والجناة مراهقين, القضية الأولى شفعت لهم فيها إصابتهم بمرض السعار ولا يوجد قانون يمنع مثل هذه الممارسات لأنه ليس لدينا اهتمام بالحيوان. قبل الشروع في تحديد العقوبات التي يستحقها هؤلاء المغتصبين للفتاة التي تعاني من إعاقة داخل “الطوبيس” مفروض علينا أولا تحديد المسئوليات التي جعلت مثل هذا الفعل وأفعال أخرى ستظهر في المستقبل تخرج للوجود ونعرف كذلك الأطراف التي لا تلعب دورها كما يجب حتى صار المجتمع المغربي يضرب به المثل في الفساد مع الأسف, وحتى نكون منصفين هؤلاء الشباب أو المراهقين لمن هم ضحايا ؟

يحاول الكثير ممن تفاعل مع القضية بربط مسئولية الدولة بأي مشكل كائن في المجتمع, لكن الحقيقة أنه لا وجب علينا أن نراهن كثيرا عليها لحل مشاكلنا لأن دورها تسيير شؤوننا الخاصة عن طريق فرض الأمن والاستقرار وتوفير فرص شغل وجو مناسب للتأطير الشباب من خلال السماح للأحزاب وجمعيات المجتمع المدني بذلك وأشياء أخرى, وليس البحث معنا عن طرق التربية وتقويم الاعوجاج الذي قد يطالها فما علاقتها هي إذا كان المقبل على الزواج غير مؤهلا لتكوين أسرة وقيادتها ؟ لا أجد امتناعا عن قول أن أولياء الأمور بجهلهم وتربية أبناءهم بتربية آباءهم لهم جعلنا ندق ناقوس الخطر مرارا وتكرارا لأنه عند الاطلاع على الشكل التي يربى به المراهق نراه يجوبها مشاكل وأخطاء بالجملة, لأن الوالد بمختلف جنسه عليه أن يحدد الطريق التي على ابنه أن يسلكها قبل أن يستلقي في الفراش ويكون مؤهلا له الجو المناسب لذلك, وان لم يكن قادرا على مواجهة جيل عنيد صعب يحب الاستقلالية يرفض وصاية أحد فالأولى عدم النوم, وها نحن الآن أما مشكل جسيم حله بات من الصعب, ويعود السبب إلى أنه عندما كانت الدورات التكوينية والبرامج الثقافية والتي تعنى بالتربية كانوا إما مشغولين بمسلسلات تافهة ويربطون هؤلاء الأشخاص التوعيويون بأنه ” غير كيخربقوا” أو في نميمة مع الأصدقاء في المقهى والحديث عن صعوبة الحياة وأن هذا الوطن لم يقدم لهم شيئا.

مادام لدينا إعلام نعرف توجه وهدفه من الوجود, والذي يبارك للمغتصب ويجعله بطلا في عيون المشاهدين, ويساهم في الميوعة لدرجة صرت تصادف مسلسلات من ألف حلقة ولا برنامج واحد يهم المواطن, وأغلب البرامج إما تفتك عرض الحشمة ويصبح لزاما علينا تقبل الحقيقة كما هي عن طريق استمرار المشاهدة أو اختيار قناة أخرى, أو يجعل الحب والجنس والعلاقة خارج إطار الشرع عاديا فاعلم أنك أمام إعلام غير عادي, فيصبح أمثال هؤلاء المغتصبين يتخذون من أبطال هذا الإعلام قدوة لهم لأنه في نيتهم المواطن الصالح هو الذي يصفق له الجمهور ويستقبلونه بالأغاني والدف ويتضامنون معه في الصعاب مهما كان المشكل, فعندما يرى هنا من سيضمه إليه من دوي التوجهات كائن فلما لا يقدم على أفعل أشد شراسة من هذه ووحشية. صدق من قال بأن المشكل مركب ومعقد والأطراف عديدة في هذه القضية, لأنه بإمكاننا حتى العودة إلى السؤال عن دور الأحزاب فيما يقع داخل المغرب أم أنها تقتصر فقط على استغلال هؤلاء المراهقين في فترة الانتخابات لتوزيع الأوراق بثمن بخس وعقد مؤتمراتها من أجل ضجة إعلامية فحسب, فاختلاف الإيديولوجيات يمكن أن يلعب دورا مهما في الحد من هذه المشاكل, فالإسلامي يرفض الممارسة الجنسية خارج الزواج والاشتراكي يقننها ويجعلها حرية فردية, فلو اشتغل كل واحد على حسب إيديولوجيته وضمهم إليه وأطرهم جيدا بدون مطامع سياسية لكان خيرا لهم ولهؤلاء المراهقين الآن.

والآن بعد ذلك يمكننا أن نعود إلى التعليم باعتبار تلك الحقنة التي يمكن أن يعالج بها أي مرض كيفما كان نوعه ,حيث انه يعتبر النواة الأساسية لبناء مجتمع سليم, وهو ليس بمعناه الميتافيزيقي أو المجرد من قيمته الحقيقية, وإنما تظهر صلاحيته في مقرراته التي من اللازم أن تمس القضايا الحساسة, والتي تشكل استفهاما لذا المتعلم, بحيث أن تعليم الكتابة والقراءة لم يعد كافيا بتاتا, وان اقتصرت المدارس عليهما فقط فالأمر غير سوي, لان البيت الثاني يعلم كل ما يدور في الحياة, وعليها أن تلعب دورها كي لا يجد الفرصة الشارع ليلقن أبنائه ما يحلوا له ,لأن بدورها تولد لذا المتعلم ثقافة واسعة يمكن مواجهة الحياة دون صعاب, فمثلا حديثنا عن الدعارة والجنس يبقى دائما هو ذاك الشيء الذي من العيب الحديث عنه والموحي بالسخرية, حيث تلمس ذلك في أعين المتعلمين وضحكاتهم إن سمعوا بالكلمة, فالمشكل ليس فيهم ,البعد عن الثقافة الجنسية هي من تولد ذلك, وللأسف لا نجد مقرراتنا تهتم بأمراض المجتمع الحقيقية, همها الوحيد هو معرفة تواريخ البلدان ونشأتهم ودراسة من توفي منذ قرون, فلو تعلم ذلك الإنسان في المدارس ما كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه من انحطاط أخلاقي جسيم وممارسات كهذه التي بين أيدينا والتي تجعل كل واحد منا يقف مذهولا مستغربا, إذن من بين أسباب الأمراض المجتمعية التعليم لغياب جودته, وتلك الفجوة الكائنة بين التعليم النظري والقضايا الواقعية الحساسة في المجتمع وحتى أمراضه.

المهم لدينا ليس السؤال عن دور الآباء و مسؤوليتهم ولا الدولة أو المجتمع أو السياسيين , فمهما بلغت حدة تشاؤمنا اليوم إلا ونبقى نستفسر عن الضمير عند هؤلاء المراهقين, فليس الجميع قادر على التكوين والتعليم لكن أين ضاعت على الأقل قيمنا الإسلامية ؟ عندما كنا أمثال هؤلاء المراهقين كنا نخشى حتى الجلوس بجانب مختل عقليا أو من يعاني من إعاقة, أحقا وصلت درجة وحشيتنا أن جردنا فتاة بريئة لا يحكمها عقل كالباقي ولا شيء من ملابسها, مؤلم حقا وفظيع حتى تخيل الواقعة فكيف بمشاهدة الفيديو, لنكون صرحاء, الحقيقة أنه عندما يغيب الإنسان نسقط في هكذا أفعال, وعلى الأمن أن يفعل دوره في مواجهة هؤلاء لأنه حقا بلغ السيل الزبى.