وجهة نظر

سلسلة “وهم الالحاد” – الجزء الثاني

بسم الله الرحمان الرحيم، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين أما بعد :

بعد الجزء الأول الذي عرضناه من سلسلة ” وهم الإلحاد” الذي كان عبارة عن مقدمة لأهم القوانين العلمية و العقلية و الرياضية المطروحة في الساحة الفكرية و الثقافية لضرب زجاج الإلحاد ، و لعل من بين أهم المغالطات مغالطات الميكانيك الكمية و قانون بقاء المادة و نشأة الحياة و ضرب مثال جزيئ الهيموغلوبين ( المسؤول عن نقل الأوكسجين في الدم) و الإنفجار العظيم و أيضا عن مبدأ الأنتروبي .

نبحر و إياكم في الزمن القديم و الحديث أيضا و تلخيصا للكتب و الأفكار و الأبحاث سواء منها القديمة أو الحديثة . سنعرض اليوم بمشيئة الله أهم الحجج أو الأدلة التي لطالما كتبت في الكتب الفلسفية و الدينية لعقود طويلة من الزمن في الساحة العلمية ، و الإجابة عن ” ما هي الحجج أو أدلة لوجود خالق ؟”
فهذا من بين أهم الأسئلة التي كتبت في تاريخ البشرية و أهمها على الإطلاق كتابة و إبداعا.

عبر التاريخ من اليونان إلى الحضارة الإسلامية و غيرها بكتبها و أبحاثها ، حاولت أن ألخص أهم الأدلة أو الحجج المطروحة ، و هي تقريبا تدور حول خمس أدلة . و هم كالتالي :

1-الحجة الكوسمولوجية Cosmological Argument و هي تعتبر من أهم الحجج التي قدمت بالساحة العلمية لعقود طويلة من الزمن و لازالت ، كتبو عنها اليونان من أرسطو إلى الحضارة الإسلامية المعروفة عند الكندي و كثيرا ما أنتسبت إليه ، و هي ما تعرف بحجة الكندي ، وهي من الحجج التي يعتقدون على أنها تجيب على سؤال ” لماذا نعتقد أن هناك إله ؟” أو ماتعرف أيضا بقانون السببية ، أي المحرك الأول . فعلى سبيل المثال : إذا حركت جسم ما من موضع الذي كان ساكنا، سيتغير بطبيعة الحال موضعه ، إذن من الذي حرك هذا الجسم ؟ الجواب هو أنا . طيب و من الذي حركني لأحرك هذا الجسم ؟ فنعود بسلسلة هكذا ، و قال الفلاسفة أنه يجب أن يكون هناك محرك أول الذي حرك كل هذه الأشياء من حولنا في هذا الكون ، و هو المحرك الأول ، و بنفس المنوال يطلق عليه ” المسبب الأول ” و كما أشرت أن هذه الحجة يطلق عليها أيضا بقانون السببية ، يعني أن كل ظاهرة لها سبب و كل سبب له أسباب و محركاته ، فعندما تبحر في الأسباب ستنتهي بك السلسلة إلى المسبب الأول التي تسبب في كل هذه الأشياء من حولنا .

الحجة الثانية و هي :

2-حجة الصنع
Desingn Argument -عندما نرى كل هذه الأشياء من حولنا و نقول سبحان الله ، أنظرو إلى عظمة الله ، من كواكب و نجوم و مجرات و ثقوب سوداء و مذنبات و سدائم و أجسام حية ، أنظرو إلى حتى الأجسام المجهرية في النانو الدقيقة التي تبدء في بناء كل جسم في هذا الكون البديع ، أنظرو إلى الضبط الدقيق .
هل يعقل على أن كل هذه الأشياء تكون بلا صانع ؟؟

فتعتبر حجة الصنع من بين أهم الحجج التي كتبو عنها الفلاسفة و المفكرون عند أرسطو و الغزالي و غيرهم .

الغزالي كتب كتاب من أهم كتبه و هو ” الحكمة في مخلوقات الله ” فيأتي إلى كل كائن حي من الكائنات الحية الموجودة على سطح الكوكب و يبين من خلالها حجة الصنع و الضبط الدقيق الموجودة في كل الكائنات و أيضا دليل العناية عند إبن رشد الذي يبين من خلاله العناية الإلهية الفائقة لضمان عيش الكائنات الحية على ظهر الكوكب من الغلاف الجوي ، المسافات بين النجم و الكوكب ، من كمية الماء الموجود على سطح الكوكب ، قابلية العيش، ظروف العيش، مجال للتطور و الإبتكار .
لكن سرعان ما تبين على أن هذه الحجة ليست قوية بالشكل المطلوب أو اللازم في الساحة العلمية اليوم . نظرا لآلية الإنتخاب الطبيعي في نظرية التطور و البقاء للأنسب ، و تطور المخلوقات و انقراضهم ، و الصراع من أجل البقاء …إلخ

فتحولت حجة الصنع Design Argument إلى حجة الضبط الدقيق Fine Tuning التي تعتبر هذه الحجة من بين أهم الحجج المطروحة في الساحة العلمية على الإطلاق ، يعني رؤية من منظور الكون كله ، ليس إختصارا في الكائنات فقط و إن كان هذا ايضا دليلا قويا لكن المجال كبر و توسع ، و عن مدى حجم الضبط الدقيق في المسافات و الأزمنة و الأحجام ، ” الذرات ، الإلكترونات ، سرعة الضوء، المسافات بين الأجرام، القوانين، قوانين الكوسموس، و طبيعة الأجسام الأولية .

ومدى أهمية الضبط الدقيق و عن سوء نتائج التغيير البسيط لهذه الأرقام الدقيقة التي بينت نتائجها من خلال نظرية الفوضى و عن كوارث احتمالاتها لسوء اكتظاظ المتتاليات الحسابية المعقدة ، التي تؤدي في الأخير إلى أن لا حياة ، و تضرب ضرب الحائط للعشوائية المتخذة من قبل المادييون . و تعتبر حجة الضبط الدقيق Fine Tuning أيضا من أهم الحجج و تعرف أيضا بمبدأ الأنتربي أي أن العاشوائية لا تؤدي إلا للمزيد من العشوائية طبقا للقانون الثاني للديناميك الحرارية .
ننتقل الآن إلى ثالث الحجج و هي :

3-حجة الأخلاق

Morality Argument و هي أيضا من بين أهم الحجج التي تضرب زجاج المادية بالساحة الثقافية .
فهل الأخلاق عنصر من العناصر الكيميائية الموجودة في الجدول الدوري ؟ أم أنها جزيئ مكون من عناصر كيميائية معقدة ؟
كيف يعرف الإنسان هذا خير و هذا شر؟
لماذا الكذب خطأ؟
فالمادية على سبيل المثال إذا صنعت روبو مكون من الأجزاء الثلاثة المعروفة les capteurs و les microcontrolleur و les actionneurs. و صنعت روبو آخر أيضا من نفس النوع ، فبحادثة بين الإثنين ، نفترض خلفت روبو قتيلا ، فهل ترى الروبو المتبقي أصابه نوع من الحزن و الندم أو الحسرة أم يتذكر ذكريات الزمن الجميل ، وذكريات الطفولة ، فيذهب و يبكي مثلا!!!.

فالروبو أيضا فيه جانب مادي و جانب معرفي ، فيقوم أيضا على المعلومات التي وضعها الصانع المتمثلة في الحجة الكوسمولوجية Cosmological Argument,
وتضرب ضرب الحائط للمادية التي تؤمن فقط بالعناصر المئة و ثمانية عشر الموجودة بالجدول الدوري .

فهل الروح عنصر كيميائي؟
هل العقل عنصر كيميائي؟
هل الرحمة جزيئ ؟
أم الكذب خلية مادية لاغير ؟
و الندم أيضا من مشتقات الحديد؟
على أنها كلها عناصر كيميائية ممكن تعديلها .

فحجة الأخلاق Morality Argument أيضا تعتبر من بين أهم حجج ضرب زجاج المادية الإلحادية و المعروضة بقوة في الساحة الفكرية و الثقافية .هل يمكنك أخي الملحد أن تنكر آيات الله على أن الله خلقنا بمواصفاته ( أسماء الله الحسنى) بتجلياات الرحمة و ….؟؟؟و هل لديك تحليل للرحمة بطريقتك المادية؟؟ وإن كنت ربوبيا و تعتقد على أن الرب ترك هذا الكون هل لديك تحليل لقرار الموت من الذي سيأمر بموتك أو تعريف دقيق للأسباب و لماذا ؟؟ هل لديك تفسير دقيق لثوابت هذا الكون الدقيقة؟؟ هل لديك تفسير للعقل و الروح ؟؟ هل تكذب علماء الرياضيات الإحصائية على إمكانيات نشوء الحياة بالصدفة رقم يظل يؤول إلى الصفر؟؟
فلا يمكن للانسان سوى أن يسبح لملكوت كل شيئ و يحمد الله عز وجل بأنه سهل لنا سبل الحياة على هذا الكوكب .

فهذه كانت مقدمة من البراهين الذي غير رأيه بها أشرس ملحد لعقود طويلة .

هذا هو العلم الذي يسير دائما إلى أفق الأحسن و الأجود إلى البحث عن الحقيقة إلى تغيير التصورات الخرافية و تدبر عظمة الخالق .

فهي فكرة أولية ترجمت إلى ثورة فكرية من الجذور و انتقلت بنا إلى عالم الفكر و المعرفة إلى عالم النور إنها العلوم الحقة التي تسمونها فهي كذلك .
ففعلا أخرج من محيط يتوهج بالتخمين و إنتقل بذاتك إلى عالم الفكر و المعرفة . فكن غيورا لذاتك قبل أن تصل إلى أن تكون عاجزا عن أي شيء .

سنكمل إن شاء الله سلسلتنا مع تغمس أكبر و عن بعض المغالطات التي يرددونها الملاحدة و عن الثوابت الكونية الدقيقة و الترويج الزائف لها دمتم للعلم أوفياء.
عمر أجنابر