منتدى العمق

ثقافة الإغتصاب كلنا متورطون

لم تمر سوى أسابيع قليلة على واقعة اغتصاب “حمارة” سيدي قاسم والتي خلفت موجة من السخرية وصلت إلى حدود الصحافة الدولية حيث تصدرت عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية تحت عنوان الفضيحة، حتى تطفو إلى السطح فضيحة أخرى لمحاولة اغتصاب جماعي لقاصر في حافلة نقل عمومية، وإذا ما ربطنا بين الحادثين نجد أنه لا اختلاف من حيث المبدأ على وحشية الفعل، إلا أن العامل الإنساني يستوقفنا لنتساءل جميعا هل يجدي التعامل مع الوضع مرة أخرى بالسخرية وكثرة البهرجة الإعلامية أم من واجبنا الوقوف لتحمل المسؤولية جميعا كأفراد ومؤسسات ودولة لمعرفة مكامن الخلل والأسباب وراء ثقافة استباحة الجسد النسائي والنظرة الحيوانية إلى المرأة وكأنها مجرد وسيلة لتحقيق نزوات جنسية لا أكثر.

مبدئيا الكل يتحمل مسؤوليته في حادثة محاولة اغتصاب القاصر إيمان و التي لا تعد سوى مثالا تم تسليط الضوء عليه من بين آلاف الأمثلة, و ما خفي كان أعظم و أشد بشاعة, و قبل أن نشرع في محاسبة المتهمين المباشرين في هذا الجرم يجب الرجوع الى المتهمين الغير مباشرين دولة و مؤسسات إعلام ومجتمع لمعرفة حقيقة الصورة الإجتماعية التي تم رسمها للمرأة حتى نفهم أسباب ثقافة التحرش و الإغتصاب و النظرة الغريزية الحيوانية التي اصبح يرى بها الجنس الآخر الأنثى بمفهوم” الفريسة”، ولا عجب من هذا الواقع المرير اللذي ساهم الإعلام في تكريسه حيث نجد أن المرأة لا تعد سوى مادة استهلاكية في شاشات التلفزيون من خلال الإعلانات و المسلسلات و الأغاني المصورة مما يلغي كيانها و يهمش قضاياها ويعتبر أن دورها لا يتعدى جسدا مغريا يثير الغرائز و الشهوات يتم استغلاله لتسويق منتجات أو سيارات فاخرة بل و حتى المجلات النسائية التي من المفترض فيها الإهتمام بقضايا المرأة العميقة تجدها أول من يسيء لها من خلال تقزيم حجم المرأة و تتفيهه و حصره في الموضة و الطبخ و مساحيق التجميل.

كذلك الأمر بالنسبة لبعض المقاهي الشعبية التي أصبح يقوم أصحابها بتشغيل نادلات”جرسونات” جذابات بتنورات قصيرة لجلب زبناء أكثر و الترويج لمشروعهم من خلال المتاجرة بأجساد من لا حول لهن و لاقوة, و بهذا تصبح المرأة حسبهم مجرد سلعة , ليزداد ترسخ هدا الوعي و تتوسع هده الثقافة ونصبح في مجتمع تغتصب فيه النساء في الشارع و داخل البيوت في مكاتب العمل والمؤسسات و الحافلات.

هذه بعض الأسباب التي تقربنا أكثر للصورة لفهم ظاهرة الإغتصاب من جذورها، فكيف لمؤسسات تتساهل مع قضايا العنف ضد المرأة و جمعيات تدعي الدفاع عن حقوق المرأة وتجدها أول من يركب على القضية لتحقيق مصالح شخصية أن تمثل دور المحتج اليوم, و كيف لركاب يلجأون للغة الصمت أثناء مشاهدتهم لإعتداء على الفتاة في حضور السائق دون تحرك مشاعر الإنسانية و مسؤولية اللجوء للتبليغ , ألا يعد الأمر مشاركة في الجرم, لا شك أنه لولا الضجة الإعلامية و الإحتجاجات الغاضبة لعرفت الواقعة مسارا آخرا دون أن تحرك ساكنا كما هو الشأن و مجموعة من الوقائع المماثلة فكم من إيمان تعاني في صمت دون أن يعلم عن وضعها أحد… يبدو أننا كلنا متورطون