وجهة نظر

عين على مشفق “السهام” القسبيجي”جيل جلالة” والعربي “الغيوان”

واسفاه…لم يسعفني الحظ ولا الزمان من أجل لقاء العربي المختلف وعلى غير منوال..لن أبكي على فراقه قبل أن يكون وصل و يلزمني القول انه منذ أن ارتبطت مسامعي في سنون الصبا بصيحات العربي ومواويله وكلماته الأخادة إلى عالم الإبداع وتعريف بالفن بالفن، و أنا أبكيه من خلال ما ترك لنا جميعا من أغاني تختزل معاناة شعب وألمه وهمومه…

أجدني محظوظا حين اللقاء بالقادام من النواس الحمراء بمراكش-عبد الكريم القسبيجي- إلى جيل جلالة الإبداع والإمتاع، و عبد المجيد مشفق الذاكرة الحية التي تختزل نشأة المجموعات الغيوانية والضابط لإيقاعاتها وتحولاتها..اللقاء بعبد الكريم قصبيجي يقارب أن يكون درسا سوسيولوجيا تلقيته بجامعة ابن زهر أو بجامعة محمد الخامس حيث رؤيته العميقة للفن والإبداع ودوره في مقاربة الظواهر الاجتماعية..

مشفق، الصوت الملهم والطربي في المجموعة لا يبخل حين البوح بتفاصيل التاريخ وماضي المجموعات وكل النكسات والنجاحات، التي اعترت طريق المجموعات الغنائية المندرجة ضمن مجموعات الظاهرة الغيوانية و التي نذرت نفسها للحديث باسم الناس وغنت للوطن وفلسطين والعالم..

لماذا إذن العربي، و مشفق، وقصبيجي؟ سؤال لا سوف أعود إليه ولو بعد حين، وهو يحكي – مشفق- الفصيح اللسان الهادئ وصاحب الذاكرة القوية والعميقة والغزارة الفكرية والاستشهادات الأكاديمية، تقف أمامه وأنت شارد هائم، يعجز اللسان عن ترتيب دقيق لعبارات السؤال وأنا أحاوره فكيف بي لا أصفه مثقف من بين كثيرين جادة بهم الظاهرة الغيوانية.

العربي… الزمن متكبر متعجرف غدار لا يرحم اختطف من بيننا العربي باطما، ونحن مازلنا في أمس الحاجة إليه، لكن ما تركه من في كتاباته المتعددة، كما يحكي ، أحد أساتذة جامعة محمد الخامس بالرباط، أن العربي ترك زخما فكريا ومعرفيا لم يخلفه حتى أساتذة قضوا حياتهم بين أسوار الجامعة وبحوث الطلبة.

فالعربي خلف خزانة مليئة بالكتب والقصائد، فمن حوض النعناع، والرحيل والألم وقصيدة حسام الهمام وغيرهما كثير، وهي كتب تسافر بك كما تسافر بنا جميعا صيحات العربي وكلماته وتعابيره.

القسبيجي…الشجرة الوارفة الظلال تشد الناظر إليها من بعيد، صاحب الابتسامة الدائمة والمتيم بالفرجة والنكتة كما هي عادة المراكشيين، لا تجده عبوسا كلما التقينا إلا وهو يمازح رفاقه ويضحك رفقة الصغير والكبير، وفي لحظات الحوار والنقاش الجاد والمسؤول تجده يتحدث بمعطيات دقيقة وواضحة ويؤكد على أهمية التاريخ والتأريخ للأحداث ويطلب كتابة المعطيات بدقة وتفاصيل لامتناهية…

سررت كثيرا لما كتب الزميل والصديق العربي رياض، حول عبد الكريم قسبيجي، كتابا عنونه ب” عبد الكريم القسبيجي…حكاية صوت بصم مسار جيل جلالة”، وقبله كتب كتابا حول مولاي الطاهر الأصبهاني، عنونه بـ”عندما غنى المغرب”، تميزت أصوات الظاهرة منذ بدايتها بالتميز والإبداع والتفرد بصفات تختلف من صوت إلى أخر، لكن تبقى الطبقات الصوتية لـ”القسبيجي” متميزة في أداء أغاني الملحون التي أكسبها صوته معنى أخر منذ قدومه إلى مجموعة جيل جلالة.

إن اختيار الكتابة عن عبد الكريم القسبيجي، والعربي باطما، وعبد المجيد مشفق، لا يعني المفاضلة غير أن اللحظة تستوجب الكتابة وكلا سينال حظه من الكتابة في الوقت المناسب، وهذا لايمكن أن ينسينا صوت مولاي عبد العزيز الطاهري، ومحمد باطما، محمد الدرهم، وعمر السيد وعلال يعلى، وحسن مفتاح،مولاي الطاهر الاصبهاني ، وغيرهم كثير من الشخوص التي بصمت تاريخ الظاهرة الغيوانية بكل تجلياتها.

إن اختيار الظاهرة الغيوانية موضوعا للكتابة ليس إملاء بقدر ما هي رغبة صريحة في تقاسم المعارف والتأملات التي رافقتنا منذ انشغالنا بالاهتمام بقضايا الفن عند المجموعات الغنائية التي ندرة نفسها للحديث باسم الناس والتعبير عن همومهم وحاجاتهم الاجتماعية.