وجهة نظر

أحمد الجبلي يكتب: شيء من مناهج التعليم في اليابان

يعتبر التعليم في اليابان لؤلؤة ساطعة جلبت إليها العديد من الدول الغربية على رأسها أمريكا نفسها التي عملت على ترجمة المنظومة التربوية اليابانية في مجلدين حتى يقوم الخبراء بدراستها وأخذ ما يمكن أن يلائم الواقع والظروف والبيئة الأمريكية. لقد ظل التعليم في اليابان محطة تتبع دقيق من خلال دراسات ومراجعات الخبراء اليابانيين، آخرها استقرارهم على دراسة مرحلة الطفولة وانبهارهم بالكيفية العجيبة التي يتعلم بها الطفل سواء أثناء المشي أو أثناء استيعابه للغة وأثناء محاولاته داخل الأسرة وتفاعله مع ثقافتها  والمفاهيم والقيم والأعراف التي تدور فيها.

ولم تتأتى هذه المنهجية لليابانيين إلا عندما زار موموتو ساسوكي أحد المزارع التي تشتغل بتربية الطيور، فانبهر بالطريقة العجيبة التي يتم بها تحفيظ تلك الطيور الصغيرة لمقاطع طويلة من أسطوانات لطيور من نفس الجنس، ولاحظ أن عامل السن كان حاسما في تلك العملية وأن البيئة التي تعيش فيها هذه الطيور عملت على تحقيق التناغم الطبيعي في عملية الحفظ. مما دفع بموموتو إلى دراسة مرحلة الطفولة وتتبع الكيفية التي يتعلم بها الطفل بسرعة فائقة للعديد من المهارات وأصعبها مهارة المشي والأكل واللغة. لقد خلصت هذه الدراسة واستقرت على أن الإنسان الكبير لو تم تعليمه بنفس الطريقة والمنهجية التي يتعلم بها الأطفال في بيئاتهم الطبيعية لنجح الأمر.

ولذلك استقر المنهج على خلاصات أربع وهي:

1- التعليم عن طريق اللعب

2- التعليم عن طريق المتعة

3- التعليم عن طريق الخطإ

4- التعليم بالقرين

يعتبر اللعب هو الفعل الوحيد الذي يقوم به الطفل دون أن يشعر بالتعب أو الملل، ولذلك رأى الخبراء اليابانيون أن تحويل التعليم إلى لعب سيحقق الاستمرارية في التعلم وعدم الملل بل ويحقق أهدافه كاملة خصوصا إذا كان هذا اللعب محققا للمتعة.

إن من أهم أنواع اللعب الذي يمكن اعتماده في التعليم هو اللعب الذي يحقق متعة لدى الطفل، وبالمتعة تتحقق الرغبة والصبر والاستمرارية في التعلم بحب وشوق، وربما سيكون دق الجرس معلنا انتهاء الحصص هو أكبر شيء يزعج الطفل ويتسبب له في الإحباط واليأس.

إن الأطفال عندنا في بلادنا يحبون العطل حبا جما لأنهم يجدون فيها متعة وراحة تنسجم مع رغباتهم في الابتعاد عن معلم يستعمل الضرب والعقاب، وحارس يحرمهم من اللعب في الساحات.إن العلاقة التي تجمع بين التلميذ والمعلم إذا كانت هي الخوف فمن المستحيل أن يتحقق التعلم لأن العقل البشري يكون في أوج استعداده لاستقبال المعلومة في حالة شعوره بالراحة والسعادة والفرح، والأمر ذو علاقة بالموجات الأربع التي تشتغل في العقل، خصوصا منها موجة بيتا التي تمثل حالة النشاط الدماغي القصوى وغاما التي تمثل حالة التركيز العقلي الشديد والتفكير المركز والمنظم.فالشعور بالمتعة والسعادة والحرية في خضم عملية التعلم من شأنه أن يحقق ما لم يحققه العقاب والقمع وتكبيل حركة الطفل.

كم كان الخطأ سببا في عقابنا من طرف المعلمين، تلك أيام خلت، فنرجو ألا تعود مرة أخرى حتى يسمح للتلميذ بالخطإ لأن الخطأ هو طريق الصواب، والتلميذ عندما يخطئ ويبحث ويتساءل لماذا أخطأ ويبحث عن سبب خطئه فيكتشف الصواب بنفسه اعتمادا على قدراته فإن هذا الصواب سيبقى منقوشا في عقله ومن المستحيل نسيانه، وفرق كبير بين هذا الصواب المكتشف والناتج عن جهد مبذول واعتمادا على توظيف قدرات عقلية وتحليلية وبين الصواب عندما يمنحه المعلم مجانا.

في وقت مضى كان المعلم يقوم بجميع الوظائف، وهو دائما معرض للإصابة بسرطان الحبال الصوتية، أما الآن فقد آن الأوان ليسكت المعلم قليلا ويفسح المجال للتلميذ ليتحدث ويبحث ويخطئ ويكتشف ويصل إلى المعلومة بنفسه بمعية رفاقه، التعلم بالقرين يخلق التعاون، والتعاون مطلوب في حين تعتبر المنافسة سلبية لأنها تخلق العداوة والشحناء. التعاون يعمم الاستفادة ويحقق اقتسام الفوز.