وجهة نظر

(داود) الفلسطيني يستعد لمنازلة (جالوت) الإسرائيلي..

في الوقت الذي نتابع فيه بارتياح حَذِرٍ الجهودَ المبذولة في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية في مسعى لتجاوز حالة الانقسام التي فرضتها ظروف ليس هذا مجال التفصيل فيها، نشعر بالقلق النوعي من مسألة لم يسبق لها ان كانت جزءا من مشهد محاولات المصالحة السابقات على كثرتها. اعني الصمت الإسرائيلي والامريكي المثير للريبة هذه المرة حيال جهود المصالحة. نذكر جميعا كيف كان يخرج علينا نتنياهو وباستمرار معترضا على أية محاولة للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، ومخيرا الرئيس (أبو مازن) بين السلام مع إسرائيل او حماس!  كنا نضحك حينها من سذاجة الرجل الذي صَدَّقَ انه “ساحر!!” سياسي واعلامي يستطيع ب “فذلكته” أن يضع الفلسطينيين قيادة وشعبا في الزاوية متى يشاء، وأن يجند الرأي العام العالمي من ورائه كالخراف!

(1)

لم يكن صعبا كشف زيف ادعاءات نتنياهو حينها، وفضح تلاعبه بمصائر شعوب المنطقة خدمة لأطماعه السياسية ولأيديولوجيته المتطرفة، وكشف الستر عن سعيه الحثيث لإحباط اية محاولة جدية للتقدم على طريق السلام. ففي الوقت الذي كان يتوجه الى زعماء العالم مدعيا انه لا يستطيع ان يتفاوض مع (أبو مازن) أو ان يوقع معه اتفاقات تحدد “مصير اسرائيل!!” بدعوى انه لا يمثل كل الشعب الفلسطيني، كان ينتفض كمن لدغته أفعى في وجه كل محالة للتقارب او الاتفاق مع حماس بهدف توحيد الصف الفلسطيني.

لعبة نتنياهو هذه هدفها واضح. هو غير معني بالوحدة الفلسطينية حتى وإن كانت شرطا من شروطه للانطلاق في اية مفاوضات. على العكس تماما، فهو معني بتكريس الانقسام وتحويله الى حالة مستدامة تسهل عليه تحقيق ثلاثة اهداف في آن واحد. الأول، شطب ملف المفاوضات نهائيا بحجة غياب قيادة فلسطينية موحدة. والثاني، الانفراد بالضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس لفرض السيادة الإسرائيلية عليها وإن بالتدريج. اما الهدف الثالث، فهو اقناع العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية في القطاع، وبحكم ذاتي مُحَسَّن للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس تحت السيادة الإسرائيلية كحل نهائي ودائم للصراع.

هل تنازلت إسرائيل ومن ورائها (أمريكا ترامب!!) عن أهدافها هذه، فلجأت الى الصمت حيال مشروع المصالحة والوحدة الوطنية الذي انطلق قطاره الاثنين الماضي بزيارة حكومة الوفاق الفلسطينية الى غزة وتسلمها مقاليد الحكم هناك بعد ان حلت حركة حماس اللجنة الإدارية مساهمة منها في دفع عربة المصالحة بقوة نحو بلوغ غاياتها الوطنية؟  لا اعتقد! لا يمكن ل “إسرائيل نتنياهو-بينيت” أن تقبل بوحدة فلسطينية تُمهد لانتزاع الضفة والقدس من يد الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، فتصريحاتهما في الفترة الأخيرة وخصوصا في الاحتفال الرسمي بمناسبة مرور خمسين عاما على “مشروع الاستيطان” في فلسطين المحتلة، تدل كلها على انهما ليسا في وارد السماح لإقامة دولة أخرى إلى جانب إسرائيل بين البحر والنهر!

(2)

أذا ما هو التفسير المنطقي للصمت الأمريكو – صهيوني حيال بداية مشروع المصالحة الفلسطيني الجديد؟!

هذا السؤال والاجابات المحتملة عليه هي مصدر قلقي مما يجري. كثير من التقارير تشير الى طبخة يتم الاعداد لها يُشار اليها في وسائل الاعلام ب “صفقة القرن”. ما هي هذه الصفقة وماذا تحمل في طياتها للشعب الفلسطيني من كوارث جديدة، ومن المشاركون المحتملون في صناعتها، وهل ستُفرض على الشعب الفلسطيني فرضا؟!

التوقيت التي يتم فيه تصنيع “المؤامرة” فيه من الإشارات ما فيه. فالواقع العربي بلغ في انحطاطه قاعا سحيقا ما عاد معه للامة العربية ومن ورائها الإسلامية وجود او تأثير في صناعة القرار السياسي لا في القضايا الدولية ولا في قضاياها هي وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية وفي قلبها القدس الرشيف والاقصى المبارك. الخلافات والصراعات العربية – العربية والإسلامية – الإسلامية بلغت مستويات غير مسبوقة حتى في مراحل ما قبل الغزو الصليبي او الغزو المغولي.

غيابمفهومالامةوالذيانتجالدكتاتورياتوالأنظمةالجبريةوالعاضة ( الملكالعضوض ) المستبدة،وفَرَّخَالعصبياتوالصراعاتالمذهبيةوالعشائريةوالطائفيةوالإقليميةداخلالدولةالقطريةالواحدةوبينهاوبينبعضها،غيابالقيموطغيانالغرائز،وظهورالجماعاتالباطنية،وارتماء اغلب الأنظمة العربية في أحضان أعداء الامة طلبا لنصرتها وحمايتها من شعوبها،كلهاأسبابأدتالىنشوءهذاالوضعغيرالطبيعيفيامتنا،فضعفتوذلتوانهزمتوتخلفتوتمزقتونزفت،حتىماعادلهاثقلفيموازينالحضارةوالمدنيةاوموازينالسياسة..

تعتقد بعض دوائر اتخاذ القرار العالمي وحلفائها من أنظمة العرب والمسلمين العميلة، أن هذا هو الوقت المناسب لتصفية القضية الفلسطينية التي نغصت عليهم راحتهم وأقلقت منامهم وكشفت خيانتهم وعمالتهم. لذلك كله وغيره من الأسباب جاء صمت إسرائيل وامريكا حيال قطار المصالحة الفلسطينية الذي انطلق! لا بد انهما تلقيا تطمينات من بعض أنظمة الخليج ومن نظام الانقلاب في مصر، ومن خلال رضى أوروبي ودولي وإن جاء هادئا، تدفع كلها في اتجاه حل يضمن لإسرائيل ان تخرج من ( المولد ) بكل (الحمص) او أغلبه على الأقل!

(3)

كنت أتصور – لسذاجتي ربما – أن الرياح القواصف التي تعصف بالوطن العربي ودوله ستفتح عيون انظمته الرسمية إلى حقيقة الواقع الذي لا بد من التعاطي معه بإيجابية من حيث الانحياز لأشواق الشعوب في الحرية والكرامة الوطنية من جهة، والانحياز الى قضايا الامة وعلى رأسها فلسطين والقدس والاقصى من جهة أخرى. لكن واقع هذه الأنظمة يلطم وجوهنا بعنف شديد حتى تكاد معه تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حَمْلٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ضعفا وخيانة وعمالة وخسة ونذالة!

فأنَّى – والوضع العربي والإسلامي والدولي على هذا النحو – ان نتوقع من إسرائيل “نتنياهو- بينيت”ان تتحرك في اتجاه حل عادل يمنع الانفجار القادم؟! وانى لنا ان نتوقعململةفيأوساطالإسرائيليينبهدفالضغطعلىالحكومةالإسرائيليةمناجلالتحركفياتجاهحليجنبإسرائيلتحدياتوجوديةحقيقيةإذااستمرتسياسةالتنكرللحقوقالفلسطينيةوالعربية.

(4)

الإسرائيليونعلىالمستويينالحكوميوالشعبيومنخلالالقراءةالموضوعيةللمشهدالإسرائيلي،لايريدوناستيعابمنطق التاريخ في ان الضعيف لا يمكن ان يظل ضعيفا الى الابد، وان القوي لا يمكن ان يظل قويا الى الابد،لذلكنراهميصلونإلىالنتائجالخطأ،فيندفعونبقوةأكبرفياتجاهالتصادممعالذاتومعالمحيطبشكلسيهددحتماالأمنوالاستقرارفيالمنطقةوالعالم.. فبدلأنتندفع اسرائيلفياتجاهالمصالحةمعالذاتومعالغير،نراهاتلجأمرةأخرىإلىالاستنتاجالأسوأ،وهوماعبرعنهغيرواحدمنالقياداتالإسرائيليينوعلىرأسهمرئيسالوزراء ( نتنياهو )،والذييتلخصفيأنالأحداثفيالعالمالعربيأكبردليل – علىحدقولهم – علىأنإسرائيليجبأنتعتمدفقطعلىقوتهافيحمايةنفسها،وليسعلىأيةاتفاقاتسلاممعدولقدتتغيرفيلحظة،وهذاهوالتضليلأوالوهمالذييقتلفيالعادةصاحبه !!!..

تجاهلالحكومةالحاليةلمايجريإلىدرجةتثيرالدهشة،واستمرارهافيسياسةالقبضةالحديديةتجاهفلسطينإنساناوأرضاومقدسات،واستمرارالاحتلالبمايحملهمنأعمالبطشوقتلوتنكيلوإرهاب،لايمكنإلاأنتكونلهآثارهالسلبيةالمدمرةعلىالبنيةالتحتيةالإنسانيةللمجتمعالإسرائيلي،كمالايمكنإلاأنتؤديإلىتعميقوتكريسحالةالكراهيةوالحقدبينشعوبالمنطقة،بالرغممنعلمإسرائيلالمسبقأنهالنتستطيعأبداشطبالرقمالفلسطينيمهماتمادتفيعدوانهاومهماأوغلتفيعنادهاومهماغالتفيوحشيتها …

(5)

لنتهزمإسرائيلالشعبالفلسطينيوإننجحتفيحصارهوحرمانهمنأبسطحقوقهالإنسانية… لنتخنقفيهإرادتهالصلبةمهماصَبَّتْعلىرؤوسأبنائهمنألوانالذخائروالقنابل.. فلماذاتمضيإسرائيلفيهذاالنفقالمظلمفيالتنكرللحقوقالفلسطينيةوالعربيةوالتيبدونهالنيكونهنالكاستقرارلدولةإسرائيلولالليهودفيهاوفيالعالم؟؟!!.. أناأعرفأنهذاالسؤاليلمسشبكةالأعصابالمكشوفةللمجتمعالإسرائيلي،فيسببألمايجرمنبعدهصراخاهستيرياوسلوكامنفلتايأتيمرةفيصورةاتهامنابالتطرفوالسباحةفينهرالمتشددين،والخيانةالعظمة (للعيشالمشترك!!!)،ونكران (الجميلالإسرائيلي !!!) ،وأخرىفيصورةاتهامنابممارسة (الإرهاب !!!). إلاأنذلكلنيمنعناأبدامنطرحالأسئلةالصعبةمهماكانرأيالآخرينفيها،لأناهتمامنافيالأساسمنصبفياتجاهحمايةالإنسانكإنسانقبلالحرصعلىالدولالتيتتحولوتتغيركتغيرالأزياءعلىمنصاتالعرض …

باتمنالواضح،وهذامايعترفبهالعقلاءمنالإسرائيليين،أنالحكوماتالإسرائيليةعموماوالحكومةالحاليةخصوصا،لنتعترفبالحقوقالفلسطينيةالكاملةحتىلوتوقفتكلأعمالالمقاومةالفلسطينيةللاحتلال… لديشعوريرتكزإلىوقائعأنغالبيةالإسرائيليينتقودهم (روحخفية) نحوالصداموعدمالقبولبالتعايشالسلميمعالغير،وتفضيلالاستمرارفيالعيشداخل (الغيتو) علىالمستويينالنفسيوالميدانيكضمان – كمايتخيلون – لحمايتهممن (مؤامرة !!!) عالميةضدهميشاركفيهاكلمنليسبيهودي،حتىلوأدىأليهمفروضالولاءوالطاعةكماتفعلالإداراتالأمريكيةالمتعاقبة..

الغربقبلإسرائيلمطالبباستخلاصالعبرممايجريمنأحداثفيالعالمالعربي،فقدباتمنالواضحأنشعوبنابدأتفيكتابةتاريخهامنجديد،وشرعتفيبناءنهضتهاورسمخريطتهاوتحديدمسارهابمايتوافقمعمصالحهاالدينيةوالوطنيةوالقومية بالرغم من الصراع المرير الذي تخوضه الشعوب العربية ضد أنظمة الاستبداد والدكتاتورية والفساد… هذهحتميةلاجدالفيها … وعلىالغربأنيقرر،إماالتعاونمعالشرقالإسلاميعلىقاعدةاحترام حق شعوبه في الحرية والاستقلال الحقيقي ، والنديةالكاملةوالاحترامالمتبادل،وإماالصدامالذيلنيكونفيمصلحةاحد …

اما فلسطينيا فإن (داود) الفلسطيني بدا يستعد لمنازلة (جالوت) الإسرائيلي وهزيمته.. التاريخ يعيد نفسه؟ نعم ، ولكن بصورة عكسية هذه المرة..

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *