وجهة نظر

عثرة الحكيم

“وقفات مع ماكتبه الشيخ الريسوني حول المنهج السلفي في المملكة”

الحمدُ لله الذي أنزلَ علينا في كتابه الكريم قوله العظيم ( وإذا قُلْتُمْ فَاعْدّلوا ) وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا معلم الناس الهدى والخير الذي قال القرآنُ على لسانِه ( قالَ ربِّ احْكُمْ بالحقِ وربــُّنــا الرحمنُ المُستعانُ على ماتصفون ) اللهم  صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:

فقد كتبَ الأستاذُ  الجليلُ  أ.د. أحمد الريسوني عالمُ مقاصد الشريعةِ المعروف ـــ حفظه الله ــ مقالةً قبل بضعة أسابيع حول ما سمّاه (الإسلام السعودي) !

وقبل أن أدلف في ما أريد قوله هنا ؛ أُذكّرُ نفسي وغيري بأن الشيخ د.الريسوني من العلماء الكبار الذين تخصصوا وتفننوا وأبدعوا في علم (مقاصد الشريعة) وقد قرأنا كتبه العلمية الجادة منذ بداية الطلب وأفدتُ منها  وغيري كثيرا ؛ ثم عرفتُه وجلستُ معه بل وزاملتُه وشاركتُه العمل العلمي الجاد والمُمتع  في آخر سنتين من سنوات عمله في ( معلمة زايد للقواعد الأصولية والمقاصدية والفقهية ) ، فعرفتُ فيه خصلتين يحبُهما كلّ طالب علم وهما: الجدُ والاتزان وثالثة أخرى هي : الذكاء .

وقد مكث معنا وبيننا حيناً من الدهر شهدتُ بعضه ، فكان ــــ يشهدُ الله ويشهدُ هو  ــــ محلّ تقديرٍ وتبجيلٍ بل كان محلّ الفائدة والإفادة ، من مختلف مستويات أهل العلم الشرعي في المملكة ، وكان مشاركاً بعلمه وفكره ،يُدعى ــ بكلّ حبٍ واحترام ــــــ  :  لحلقات النقاش والمؤتمرات والمناقشات العلمية للرسائل الجامعية ومجالس أهل العلم والفضل  ؛وكان يُظهِرُ  كلّ سعادةٍ وراحةٍ من هذا الجو العلمي الذي عاشه في المملكة ، وما زال مُكرّماً مُقدّراً  محفوظ الجانب موفور المكانةِ إلى أن غادر المملكةَ تاركاً ذكرى طيبة وأثراً محموداً ؛ بعد أن أنجز وزملاؤه ذاك المشروع الضخم والمهم (معلمة القواعد) الذي طُبِعَ في 40مجلد ! أثابهم الله وجزاهم كلّ خير .

ثم دار الزمانُ دورته حتى فوجئتُ بل وذُهلتُ ـــ كما هو الحال مع كثيرين جداً ـــ  بذاك المقال العجيب الذي كتبه الشيخ الأستاذ !

والذي لفتَ نظري فيه غير مضمونه العجيب هو: خروج الشيخ خروجاً لافتاً عن طبعه وسَمْتهِ في شخصهِ وقلمهِ وفكرهِ  ! فقد خرج الشيخُ من الاتزان إلى الارتباك  ومن الهدوء إلى الانفعال ومن الانصاف إلى مجاوزة الحد في التعميم وخلط الأوراق !

ومهما كان الحالُ الذي كان  يكتبُ فيه الشيخ ؛ فقد بلغَ من المكانةِ والعُمْرِ والعقلِ والعلمِمبلغاً كان ينبغي أن يَحجزَه عن  كثيرٍ من العجلة وإطلاق القول هكذا  على  عواهنه!! غفر اللهُ لنا وله وأحسن خاتمة الجميع .

لقد ذكر الشيخُ في مقالته أشياء كثيرةٍ جداً استفرغّ وسْــعــَـه في نقدِها ونقضها بل وتشويهها!

ومع كثرة الخلط في هذا المقال وضغط الانفعال الشديد والظاهر  ؛ لم أعد أدري هل هجوم الشيخ منصب على السياسي أو على تصرفاتِ علماء بأعيانهم أو على المنهج السلفي برمته ؟ وهل هو في المقابل  يزكي المناهج الأخرى كالمتصوفة والأشاعرةِ وغيرهم ؟! أم ماذا يريد ؟

عموماً : حديثي هنا سأتناولُ فيه شيئاً من (جنايته ) على المنهج السلفي عموماً وما عليه علماء هذا البلد منذ الخمسين عاماً التي ذكرها الشيخ في بداية مقاله حين قال ( منذ أزيد من نصف قرنٍ تمكنت المملكةُ العربية السعودية بفضل إمكاناتها المالية والنفطية الضخمة وموقعها الجيو/ديني تمكنت من تحقيق نفوذ ثقافي  ودعوي وسياسي  كاسح عبر العالم كله،وشمل العالم الإسلامي بصفةٍ خاصة،وبذلك انتشر وساد هذا الذي أسميته ”  الإسلام السعودي ” )!

ثم أعرضَ الشيخُ الجليلُ  ـــــ عمداً ـــ عن ذكر الحسنات والمميزات ؛ وركّزَ  ــــ قصداً ــــ على مايراه مثالب وسيئات !

وذكرَ أن هذا المنهج تشكّلَ من خلال الإمام المُجدّد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بتحالفه مع الإمام محمد بن سعود رحمهما الله ؛ ثم تشكّل بشكلٍ خاص في ظل (الدولة السعودية الثالثة). وماذا تنقمُ يامولانا الشيخ المقاصدي على هذا المنهج ؟ قال: الشدة والخشونة! حتى( أصبح السلفي أو الوهابي في أعين  عامة الناس رمزاً للشدة والغلظة والتزمت …)

وماذا أيضاً ؟ قال ( التعامل مع المسلمين والحكم عليهم من خلال ثقافة التكفير والتضليل والتبديع ؛شعوباً ومذاهب وطوائف وأفراد …بل وحتى كبار العلماء ــــ القدماء والمعاصرون ـــ لايسلمون من تضليلهم وتبديعهم وقد يصلُ الأمر إلى تكفيرهم ..)

قلتُ : إنا لله وإنا إليه راجعون ! لو غيرك قالها أيها العالم الجليل ! هذا الكم الهائل من التعميم وإطلاق القول والأحكام جزافاً دون تحقيقٍ ولاتمثيل ولا روّيةٍ هل يليق بأسلوب العلماء ورزانتهم ناهيك عن أساليب الأصوليين والمقاصديين ؛ الذين يحسبون للكلمة ما لايحسبه غيرهم ؟

وإني أتسائل : إذا كانت نظرة (عامة الناس )ــــ كما تنقل وتحكي ــــ عن السلفيين  هي ماذكرتَ وحكيتَ  ؛فماهي نظرتُك أنت ؟ وقد لبثتَ فيهم من عُــمُــرِك سِنين  ؛ وزاملتَهم وعرفتَهم؟

وهل وظيفةُ العالم أن يكتبَ ويشيع ما يُشاع حقاً كان أم باطلاً ؟أم أنّ وظيفتَه أن يذكرَ الحق الذي يعتقدُه بكل إنصافٍ وتجرّد دون تعميمٍ أو خلط ؟ وأن يتكلمّ بعدلٍ وإنصاف وأين ذلك كلّه من قوله تعالى ( وإذا قلتم فاعدلوا ) وقوله عزّ وجل{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8].

قال العلامةُ ابنُ جريرٍ الطبري رحمه الله: (يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيامُ لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصِّروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدِّي، واعملوا فيه بأمري … ولا يحملنكم عداوةُ قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة …… )

واستعمال العدل إن كان مأموراً مع المخالفين من أهل الكتاب ومطلوب التزامه في جميع الأحوال؛ فهو ولا شك من باب أولى أن يكون مطلوبا استعماله مع المؤمنين وإن حصل خلاف بينهم.

وهذهالدعوى من الشيخ حفظه الله التي أرسلها ولم يقيدها بدليلٍ ولا بتحرير ولا بمثال ؛

وهي :  أن علماء المنهج السلفي في هذا البلد يتعاملون مع الناس ومع العلماء خاصةً ــــ المتقدمين والمتأخرين ـــــ   بالشدةِ والتبديع والتفسيق بل وبالتكفير أحياناً !  فأقول : سبحانك هذا بهتانٌ عظيم وعثرة من قلم كان متوازناً  فارتبك ومن فكرٍ كان ريًاناً بعلم مقاصد الشرع فلا أدري بعد ذلك ما ذا حدث!

هذا ما قاله ــــ غفرَ اللهُ له ــــ  دون دليل أو حتى تمثيل ؛ ولايُشْبهُ كلامُهُ هذا كلامَ العلماء أبداً ! بل هو شبيهٌ بكلام الصُحُفيين والإعلاميين وأعداء المنهج السلفي الذين يكتبون بحكم العداوة فقط ؟!

وأقول إن الواقع الذي نعيشه فيه أبلغ ردٍ وأجلى جوابٍ على كلام الشيخ الجليل ؛ وسأختار مقامين فقط من الصحيح (علمياً ومنهجياً ) أن تحكمَ من خلالهما على واقع المنهج السلفي وأثره في الناس وبيان سمته وخصائصه وطبيعة تعامله من المذاهب والطوائف والأشخاص !

وهذان المقامان هما مقام (الفتوى والتعليم)

أولاً مقام الفتوى:

لاشك أن لكلّ بلدٍ بلاد المسلمين ؛مذهب  فقهي يكون مرجعاً فقهياً للفتوى ؛ وغالباً ما يكون هناك نوعٌ من التعصّب أو العناية الفائقة بالمذهب حتى لايكادُ يُحتفى بغيره معه !

ولكن الذي أريد أن أقوله : أن الفتوى في بلاد الحرمين الشريفين من جهة المؤسسة الرسمية ومن جهة الأشخاص (العلماء) تُعدُّ أنموذجاً في نفي التعصّب وتقدير المذاهب والفقهاء !

وحتى لا أُبقي هذه الدعوى مُــــرسَــــلةً من الدليل ؛ فإني سأختار الحُقبة الزمنية التي تولى شؤون الإفتاء الرسمي فيها سماحة الإمام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله وأسكنه عالي الجنان، (ولا زالت أثارها إلى يومنا هذا) وهي مدةٌ زمنية يصحُ  اعتمادها في الحكم والخروج بنتائج مُحدّدة .

وباختصارٍ شديدٍ أقول : أن مجيء الشيخ الإمام  بن باز ومعه العَلمُ الآخر الشيخُ العلامةُ الفقيه محمد بن صالح العثيمين كان علامةً فارقة في :  منهج الفتوى وطريقته بشكلٍ عام ؛ فقد أسّسّ سماحة الإمام بن باز ومعه العلاّمة العثيمين في أوساط طلبة العلم الشرعي (فقه الدليل) وتحولا بطلبة العلم من ــــ جهة الفتوى والدرس الفقهي ــــ من العناية فقط بالمذهب ولاغير إلى فضاءٍ أرحبَ وأعم وأعني به : البحث عن القول الصحيح والراجح أياً كان مذهبه أو قائله ، والمعيارُ في الترجيح والفتوى والاختيار هو : صحةُ الدليل من جهة السندِ والدّلالة !

وهذا ما لايحدثُ في الغالب في جهات الفتوى الرسمية ومنها بلاد المغرب التي لا تكاد تعرف إلا المذهب المالكي بل بعض مختصراته ومتونه!

ولو بحث وفتّش الباحثُ في فتاوى الشيخ الإمام المفتي رحمه الله طوال تربعه على سدة الإفتاء والعلم  فإنه لن يجدَ فتوى رسمية مكتوبة أو شفهيةٍ منقولةٍ فيها ترجيج أو اختيار للشيخ ؛وهذا الترجيح مبني على كون هذا القول هو المعتمد  عند الحنابلة ! بل لايُشير للمذهب في كلامه أصلاً !

ولاتجدُ في تقرير فتواه إلا قوله : وهذا أصحُ قوليّ العلماء أو : وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم أو : وهذا الذي دلّ عليه الدليل  وهكذا … ! لذلك تجده يوافقُ أحيــانــاً مــذهــب الحنفية مثلاً في مسألةٍ انفرد بها الحنفيةُ عن بقية المذاهب ومنها المذهب الحنبلي لأنه رأى أن الدليلَ معهم في هذه المسألة ! أو يوافق المذهب المالكي أو قولَ علمٍ من العلماء  وهكذا .

وفتاوى الشيخ رحمه الله كلّها على هذا النحو ، ومن أمثلة ذلك :

مسألة زكاة الحلي المُعدّ للاستعمال ؛ ففي هذه المسألة أخذ الشيخ برأي الحنفية  ولم يأخذ برأي الحنابلة ومعهم المالكيةُ والشافعيةُ لأنّ قول الحنفية هنا أقوى من جهة الدليل!

فقد ورد عليه السؤال التالي :

س /يردُّ بعض الفقهاء وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال بعدم انتشار ذلك بين الصحابة والتابعين، مع أنه مما لا يخلو منه بيت تقريباً فهو كالصلاة في وجوبها وتحديد أوقاتها وكذا الزكاة عموماً بوجوبها وتحديد أنصبتها … ألخ ، وبالرغم من ذلك فقد ثبت عن بعض الصحابة القول بعدم الوجوب كعائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما وغيرهما . فكيف يجاب عن ذلك ؟

فأجاب الشيخ  ـــ  بهذا الجواب  البديع  وبهذا التأصيل الذي هو غايةٌ في الفهم والعدل ـــــ

(هذه المسألة كغيرها من مسائل الخلاف المعوَّل فيها وفي غيرها على الدليل ، فمتى وجد الدليل الذي يفصل النزاع وجب الأخذ به ؛ لقول الله سبحانه) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) ولا يَضرُّ من عرفَ الحكم الشرعي وقال به من خالفه من أهل العلم ، وقد تقرّر في الشريعة أن من أصاب الحكم من المجتهدين المؤهلين فله أجران ، ومن اخطأ فله أجر على اجتهاده ، ويفوته أجر الصواب . وقد صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحاكم إذا اجتهد ، وبقية المجتهدين من أهل العلم بشرع الله حكمهم حكم الحاكم المجتهد في هذا المعنى . وهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء من الصحابة ومن بعدهم كغيرها من مسائل الخلاف ، فالواجب على أهل العلم فيها وفي غيرها بذل الوسع في معرفة الحق بدليله ، ولا يضر من أصاب الحق من خالفه في ذلك ، وعلى كل واحد من أهل العلم أنأن يحسن الظن بأخيه وأن يحمله على أحسن المحامل ، وإن خالفه في الرأي ما لم يتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق . والله ولي التوفيق  ) ثم قال :

(واختلف العلماءُ في الزكاة هل تجب في الحُليّ أم لا ؟ فذهب بعض العلماء إلى أنها لا تجب في الحلي الذي تلبسه المرأة وتعيره ، وقال آخرون إنها تجب ، وهذا هو الصواب أي وجوب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب ، وحال عليه الحول ؛ لعموم الأدلة)

هذا تأصيلٌ نفيس وكلامٌ في غاية الموافقة  لما جاء به الوحي  الشريف ، يُزيّنهُ العدلُ والعلم والإنصاف .

وفي مسألةٍ شهيرة عمّت بها البلوى ؛وهي مسألة طلاق الثلاث بلفظٍ واحد ؛فقد تصّدّى لها الشيخ رحمه الله وأفتى رسمياً  بما يُخالف ماعليه المذاهب الأربعة ووافق في ذلك رأي شيخ الإسلام لأنه رأى أن الدليل مع القول الآخر !

قال رحمه الله (إذا كانت الطلقات وقعت بالثلاث بكلمة واحدة كأن قال لها أنت مطلقة بالثلاث, أو هي طالق بالثلاث، أو نحو ذلك فهذا يحسب واحدة على الراجح الذي عليه المحققون من أهل العلم، يُحسَبُ واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة هذا هو المشروع وهذا هو الصواب لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما- )

وقد كان لهذا الاختيار الفقهي من سماحةِ الشيخِ رحمه الله أكبر الأثر في  تضييق دائرة  إنهاء العلاقة الزوجية ومايترتب عليها من مفاسد اجتماعيةٍ وتربوية لا تخفى !

وفي الاختيارات الفقهية التي هي من مفردات المذهب الحنبلي( كالوضوء من لحوم الإبل ) والتي اختارها الشيخ في الفتوى والعمل ؛ يُشير في تقرير فتواه أنه  يختار هذا القول ليس لأنه المذهب عندنا بل لأنه يوافق الدليل !

قال رحمه الله (هذه المسألةُ ليست خاصةً بأحمد ، بل قاله أحمد وجماعة كبيرة من أهل الحديث، وحجتهم ما ثبت عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام- من حديث جابر بن سمرة أنه سُئل – عليه الصلاة والسلام- قيل يا رسول الله : أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم ، فقيل له : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئت). فخير في لحوم الغنم ولم يخير في لحوم الإبل بل أوجب ذلك….)

ورأي الشيخ رحمه الله في التمذهب وتقدير أهل المذاهب واضح جلي منسجمٌ مع سعة علمهِ وسماحتهِ وإنصافه وعدم تعصبه ؛  وهذا هو منهج السلف .

قال رحمه الله (وقولُ منْ قال ألا مـــذهبية؛   هذا إن أراد ألا يجب التمذهب وليس بلازم فهو صحيح, وإن أراد أنه لا يجوز أن ينتسب فليس بصحيح ،  يجوز أن ينتسب الأنسان إلى الشافعي, أو الحنبلي, أو المالكي, أو الحنفي؛ لأنه نشأ على ذلك, وتعلم على مشائخهم ونحو ذلك لا بأس أن ينتسب, الانتساب لا يضر إنما المهم ألا يقلد أو يتعصب, فمتى ظهر الحق أخذ به ولو في غير مذهبه, فلا يجوز التعصب و التقليد الأعمى, فإن أراد من قال ألا مذهبية وأراد ألا تعصباً ولا تقليد أعمى فهذا صحيح, أما إذا أراد أنه لا يجوز الانتساب إلى هذه المذاهب هذا مخالف لما عليه أهل العلم ولا وجه له, إنما المنكر التعصب لزيد أو عمر, ولو قال خطأً, والتقليد الأعمى الذي ليس معه نظر ولا تفكير في الأدلة هذا هو الممنوع… )

أمّا موقف علماء المنهج السلفي في السعودية من أحاد علماء الأمة ممّن يخالفون المنهج السلفي في بعض مسائل الاعتقاد وينتسبون لمذاهب أخرى كالأشاعرة مثلاً ؛ فهم في هذا الباب: أهلُ عدلٍ وإنصافٍ العبرةُ عندهم في مقدار الحق الذي يحمله صاحبُه ومدى نفعه للأمة ؛ وذكر ما للعالم وماعليه  بكل تقديرٍ وعدل ؛لا كما قاله الأستاذ الريسوني ـــ غفر الله له ـــ!!

والأمثلة من فتاواهم وأقوالهم لا تكاد تًحصى ؛ وحسبُ المُنصف  بعضها ليطمئنّ  ويقف على حقيقة الأمر !

1ـــ    سُئل أعضاء  اللجنة الدائمة للإفتاء :

ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات ، مثل ابن حجر ، والنووي ، وابن الجوزي ، وغيرهم ، هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا ؟ وهل نقول : إنهم أخطأوا في تأويلاتهم ، أم كانوا ضالين في ذلك ؟

فاقرأ ما ذا كان جوابهم رحمهم الله في فتوى رسميةٍ مكتوبة :

( موقفنا من أبي بكر الباقلاني ، والبيهقي ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأبي زكريا النووي ، وابن حجر ، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى ، أو فوَّضوا في أصل معناها : أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم ، فرحمهم الله رحمة واسعة ، وجزاهم عنا خير الجزاء ، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله ، سواء تأولوا الصفات الذاتية ، وصفات الأفعال ، أم بعض ذلك .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..) انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود

“فتاوى اللجنة الدائمة” (3/241) .

2ـــــــ  وسُئِلَ الشيخُ العلاّمةُ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة ، كالأسماء والصفات ، وغيرها ، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة ، فما حكم الترحُّم عليهم ؟ .

الشيخ : مثل مَن ؟ .

السائل : مثل : الزمخشري ، والزركشي ، وغيرهما .

الشيخ : الزركشي في ماذا ؟ .

السائل : في باب الأسماء والصفات .

فأجاب :

( على كل حال ، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة ، كالمعتزلة مثلاً ، ومنهم الزمخشري ، فالزمخشري مُعتزلي ، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم : حَشَوِية ، مُجَسِّمة ، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي ، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه “الكشاف” في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات ، لكنه من حيث البلاغة ، والدلالات البلاغية اللغوية جيد ، يُنْتَفع بكتابه كثيراً ، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً ، لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير ، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع ، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني ، والنووي رحمهما الله ، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه ، حتى قيل لي : إن بعض الناس يقول : يجب أن يُحْرَقَ ” فتح الباري ” ؛ لأن ابن حجر أشعري ، وهذا غير صحيح ، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه ، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته – ولا أَتَأَلَّى على الله – قد قبلها : ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس ، لدى طلبة العلم ، بل حتى عند العامة ، فالآن كتاب ” رياض الصالحين ” يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد ، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً ، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب ، كلٌّ ينتفع به في بيته ، وفي مسجده ، فكيف يقال عن هذين : إنهما مبتِدعان ضالان ، لا يجوز الترحُّم عليهما ، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق ” فتح الباري ” ، و ” شرح صحيح مسلم ” ؟! سبحان الله ! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال ، وبلسان المقال :

أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا

من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان ، إلا أن يشاء الله ، فأنا أقول : غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأمِّنوا على ذلك  ) انتهى .

“لقاءات الباب المفتوح” (43/السؤال رقم 9) .

3- وسُئِلَ معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :

لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع ، فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي ، وعدم الترحم عليهم ؟

فأجاب :

” أولاً: لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع ، وأيضاً هذا يُحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم ، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه ، بل فيه مضرة عليهم ، وعلى غيرهم .

ثانياً: البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) – رواه البخاري – ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً : فإنه يعذر بجهله ، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع ، لكن ما عمله يعتبر بدعة .

ثالثاً: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره ، كابن حجر ، والنووي ، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات : لا يُحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان ، موثوقان عند أهل العلم ” انتهى .

“المنتقى من فتاوى الفوزان” (2/211 ، 212) .

رابعاً : في تصريح موثق بتاريخ 11/1/1438هـ  تحدّث سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عن الأزهر وعلماءه ومكانته وأشار  إلى المكانة التاريخية التي يقوم بها الأزهر الشريف لخدمة العلم والعلماء؛ إذ خرّج آلاف العلماء من مختلف أقطار العالم، مؤكدًا أن السعودية منذ أكثر من سبعين عامًا تتبادل الخبرات مع علماء الأزهر الذين درّسوا في جامعات ومعاهد السعودية، واكتسبوا منهم الكثير من العلوم النافعة؛ كما أشار إلى أن عددًا من علماء السعودية درسوا في الأزهر، ودرّسوا فيه، والعكس كذلك..) صحيفة سبق.

أين هذا كلّه وغيرهُ كثير من إرثّ علماءنا  من قول الكاتب  ــــ غفر الله لي وله ــــــ في وصف سمات علماء المنهج السلفي  في السعودية  :  ( التعامل من المسلمين والحكم عليهم من خلال : ثقافة التكفير والتضليل والتبديع !!!  (التعجّب من عندنا ) شعوباً ومذاهب وطوائف وأفرادا ..بل حتى كبار العلماء ـــ القدماء والمعاصرون ـــــ لايسلمون من تضليلهم وتبديعهم وحملاتهم؛ بل قد يصل الأمر إلى حد تكفيرهم) !!!! سبحانك هذا بهتانٌ عظيم ؛ أعظُك يا أستاذنا أن تعودَ لمثله!

ومن اللطائف في هذا الباب (باب تقدير العلماء ومعرفة فضلهم عند مشائخنا ) ما ذكره سماحة المفتي شيخنا الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ـــــ  حفظه الله ــــ  أنه حجّ عن عددٍ من الأئمة وهم : ابن عبدالبر (المالكي) وابن حزم ( الظاهري ) والنووي والمنذري (الشافعيان) ! وقال: أنهم أصحاب فضلٍ عليه واستفاد من كتبهم كثيراً ومنهم من لم يحج كابن حزم رحم الله الجميع !

هذا هو المقامُ الأول مقامُ الفتوى ، أما الثاني والذي يظهر فيه ما نحن عليه في هذه البلاد المُباركة منذ نشأتها من تسامحٍ علمي وإنصافٍ وتقديرٍ للعلماء كافة ونشرٍ لعلوم وإرث أهل الأسلام من مختلف مذاهب أهلِ السنة ؛ هو مقام ( التعليم والدرس العلمي الرسمي وغير الرسمي ) وأعني بالرسمي التعليم في الجامعات في كليات الشريعة وأصول الدين والأقسام العلمية في جامعاتنا ؛ وغير الرسمي :الدرس العلمي في المساجد.

أقول: إن جامعات المملكة العربية السعودية مُمَثّلةً بكلياتِ الشريعةِ فيها ؛ساهمت ومنذ بدايات النشأة ؛ في أمورٍ عظيمةٍ تحققّ منها مصالح عظيمة للمسلمين ومنها :

1ــ  فتح أبوابها وقلوبها لمئات بل الآف العلماء والأساتذة والباحثين من مختلف أقطار الأمة الإسلامية ؛ للمساهمة مع علماء البلد  في  تدريس أبناءها العلم الشرعي !

والمعيار الوحيد هو : الكفاءة والتأهيل العلمي الجيد   ، لذلك ــــ لمنْ لايعلم أو يتجاهل ــــ فإن كبار رموز أهل الفقه وأصوله  والحديث وعلومه والقرآن وفنونه  مرّوا بهذه البلاد  ودرّسوا في جامعاتها  سنوات وعقودا من الزمان ! وهم من مختلف المذاهب والمشارب ؛ لم يجدوا هنا إلا كلّ احترامٍ وإنصافٍ وتقديرٍ لأشخاصهم وعلومهم ؛ وإلا ما جاءوا أو جاءوا ورحلوا سريعاً !

وهل الذي جاء بهم وجعلهم يساهمون ويعيشون بيننا  حيناً من الدهرِ هو ( نداوة الريال) فقط  كما عبّرالريسوني ـــــ سامحه الله ـــــ   وهل نداوة الريال تجعل هؤلاء الكِبار قدْراً وعلماً يقبلون  معاملة وثقافة التبديع والتفسيقوعدم الاحترام لو وجدوها هنا ؛ كما ادّعى الشيخ غفر الله له؟ وهو بهذا يقدحُ في هؤلاء كلهم قبل أن يقدح في علماءنا !!

2 ـــ  تحقيق وخدمة الثراث العلمي للمسلمين من مختلفِا لمذاهبِ  والمدارسِ من أهل السنة ؛ من خلال الأبحاث والأطروحات العلمية ( الماجستير والدكتوراه )

إن المتأمل والمُنصف يجد أن الذي حُقّق وخُدِمَ خدمةً علميةً جليلةً وطُبع من تراث علماء الحنفية والمالكية والشافعية في جامعاتنا  لا يُمكِنُ أن يُقارن من جهة العدد والكيفية بأي بلدٍ إسلامي آخر ! فمعظم جامعات البلاد العربية والاسلامية لاتعتني إلا بمذاهبها في الغالب الأعم

وفي الأقسام العلمية الشرعية في جامعاتنا يُقبل أي مشروعٍ علمي بحثي لتحقيق مخطوطٍ أو كتابة في عالمٍ أو مذهب ؛ والمعيار  هو : توفر عناصر البحث العلمي في هذا المشروع ومدى جدواه العلمية فقط ! وهذا المعيار هو الذي عليه العمل في كلياتنا الشرعية ؛ وهو بهذا حاسمٌ وقاطع  وطاردٌ لكل تعصّبٍ أو تنكرٍ  لعلماء المسلمين ؛

والناظر في فهارس الرسائل الجامعية في أقسامنا العلمية يجدُ هذا الأمر ظاهراً جداً ؛ بل إنه جاء مع توالي الزمن على حساب العناية بالمذهب الحنبلي عموماَ !وهذا  الجو العلمي الصحي والمتسامح مع تراث وعلوم المذاهب الأخرى لن تجده في الغالب في جامعاتٍ كثيرة في بلدان كثيرة لاتكادُ تعرف فيها إلامذهباً واحداً  ولاتعتني إلا بإمامٍ واحد وبعلماء مذهبٍ واحد كالبلد الذي يعيش فيها الشيخ الريسوني مثلاً ؛  وهذا ليس بالغريب ولا بالمستنكر  فكلُّ أهل بلدٍ يتعصبون أو لايعتنون إلا بنشر علوم مذهبهم فقط ؛ ولكنّه أمرٌ تميزّت به جامعاتنا ومن فيها من علماء وأساتذة  مهدوا وأسّسوا لهذا المنهج العلمي الفريد والنافع والمُبارك .

3ـــ  الكتب التي هي محل التدريس والإفادة :  نشأنا في هذه البلاد المباركة على منهجٍ علمي صحيح (وهو ما سبق الإشارة إليه ) وبالتالي فإنك تجد أن من الكتب والمصنفات العلمية المُعتمدة للتدريس سواء في كليات الشريعة ونحوها أو في المساجد والدورات العلمية  وفي تخصصات مختلفة ( تفسير وفقه وأصول فقه وحديث  إلخ ) مؤلفات علمية من مذاهب أخرى تُدرس كمقررات معتمدة في جامعاتنا !

ومن ذلك : بداية المجتهد للإمام ابن رشد المالكي رحمه الله هو الكتابُ المعتمدُ في الفقه ولايزال في الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ؛ وما أكثر الدراسات العلمية التي قامت على هذا الكتاب ونوقشت في جامعاتنا ( وقد ناقشتُ واحدة منها )

وككتاب نهاية السول في شرح منهاج الأصول للأسنوي الشافعي هو الكتاب الذي درسناه في كلية الشريعة في جامعة أم القرى بمكةَ المكرمة في أصول الفقه ! ولم ندرس طوال تلك السنوات كتاب : روضة الناظر لابن قدامة الحنبلي مثلاً !!

وفي الحديث وعلومه تجد كتباً ومتوناً مشهورة لعلماء كابن حجر والنووي وابن الصلاح والسيوطي والسبكي وغيرهم كثير رحمهم الله .

وفي المساجد والدورات العلمية : لاتكادُ تجدُ درساً علمياً يبداً في أصولِ الفقه مثلاً إلا بمتن الورقات لإمام الحرمين الجويني الشافعي الأشعري رحمه الله ! أو تجد من يدرس جمع الجوامع لابن السبكي رحمه الله ؛ وهكذا في التفسير وغيره من العلوم .

وإن من أعظم بركات هذا المنهج السلفي الذي قامت عليه الدولة ونشره علماؤنا الكبار من الأحياء والأموات واستقرّ عليه العمل والفتوى ؛ هو:  حماية جناب التوحيد ومحاربة البدع الشركية وغيرها ؛ وتطهير الحرمين الشريفين والمسجدين المُقدّسين من كل ما يخالفُ ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ؛ولولا ذلك لرأيتَ البدعَ والخرافات التي لا يُجيزُها شرعٌ ولا يقبلها عقلٌ تنشرُ أعلامها وتسحبُ أذيالها وأرجاسها ! فالحمدُ لله ثم الحمدُّ لله على نعمة المعتقد الصحيح والعقل الصريح .

وبعدُ : فهذا كله غيضٌ من فيض ، كتبته بيانٌ للناس ؛ وإن من منهج السلف الذي درسناه وتلقيناه ووعيناه ونُعلّمه لطلابنا؛ أنّ العالمَ المُخالف في مسألة أو مسائل ؛ نحفظُ له حرمته ومكانته ولا نُضلله أو نَطّرحَه بالكلية ، بل نقبل ماعنده من خيرٍ وحقٍ وعلم ونردُ على ما نراه خالف فيه الصواب بأدبٍ وعلمٍ وعدل .

والشيخ الريسوني له قدمٌ راسخةٌ في العلمِ  والتصنيف لا نغمطُهُ حقَّه ولا يمنعنا خلافنا معه في هذا المقال؛ من أن نستفيد  من مؤلفاته العلمية الرصينة.

واختمُ بهذا القول الجميل للعَلَّامَةُ  الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَاصِرٍ بْنِ سِّعْدِيِّ النجدي الحنبلي  ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى (ثم لو فُرض ـــ يعني أهل العلم ـــــ  أن ما أخطأوا فيه أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر،لم يكن من الحق والإنصاف أن تُهدَر المحاسن، وتُمــحــى  حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير ،كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، فإن هذا ضرره كبير، وفساده مستطير ، أيّ عالم لم يخطئ ؟ وأي حكيم لم يعثر ؟  …) هدانا اللهُ جميعاً للحق وثبّتنا عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *