مجتمع

رغم الإعاقة وتقدم العمر.. أمينة المغربية تمحو أميتها حتى الجامعة

رحلة كفاح المغربية “أمينة أوحمو”، حيث بدأت محو أميتها وهي في سن الرابعة والعشرين، وتدرس حالياً، وهي في الـ42 عاماً، للحصول على الشهادة الجامعية، وبموازاة ذلك تحارب آلام تطاردها منذ 30 عاماً.

في سن الرابعة والعشرين، قررت “أمينة أوحمو” بدء مسار جديد في حياتها المثخنة بآلام إعاقة جسدية، فالتحقت بفصول محو الأمية في مدينة الدار البيضاء لتتعلم القراءة والكتابة، وبعد 16 سنة من الكفاح والمثابرة التحقت بالجامعة.

اليوم تبلغ أمينة من العمر 42 سنة، وتتابع بإصرار دراستها في السنة الثانية بشعبة الدراسات الإسلامية في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، وتسعى إلى إشعال شموع الأمل في حياة أخريات انقطعن عن الدراسة.

بعد سنتين في دروس محو الأمية، حصلت أمينة على الشهاة الابتدائية، سنة 2009، والشهادة الإعدادية، عام 2011، ثم شهادة في الإعلاميات (برامج الحاسب الآلي)، سنة 2014، وبعدها الباكلوريا، عام 2016، ثم صارت طالبة جامعية تكافح للحصول على شهاد الإجازة.

عوائق عديدة

كانت الدراسة حلم لطفلة صغيرة ولدت في إحدى قرى قبائل “حاحا” نواحي مدينة الصويرة، سنة 1972، لكن ظروفاً أسرية وإعاقة جسدية، تلازمها منذ كانت في الثانية عشر من عمرها، حالت دون تحقيق حلمها.

لم تكن الطريق إلى الجامعة مفروشاً بالورود، بل بأشواك وعقبات لا تحصى، تمكنت أمينة من تجاوزها بفضل مثابرتها وإصرارها على النجاح، مسلحة بالاجتهاد.

كانت الشابة مثابرة لفهم مواد دراسية تبدو صعبة لغير المتدرج في التعليم النظامي، وصبورة على إعاقة برجلها اليسرى تضطرها بين الفينة والأخرى إلى التوقف لملازمة الفراش، وأحياناً إجراء عملية جراحية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تجنبا لبتر الرجل، وهو ما حاولت تجنبه طيلة 30 عاماً من المتابعة الطبية.

متذكرة أيام طفولتها تقول أمينة المولودة لأبوين أمازيغيين للأناضول: “انتقلت أسرتي من القرية إلى مدينة الصويرة وأنا في سن الثامنة، أراد والدي إلحاقي بالمدرسة مع إخوتي الصغار، لكنهم أخبروه أنني تجاوزت السن القانوني (سن السابعة).. شعرت حينها بغصة وحرقة”.

كانت أمينة تأخذ إخوتها يومياً إلى المدرسة، تقف أمام الباب وتتخيل العالم خلف أسوار المدرية، وتستمع لأصوات الصغار وهم يقرأون بأصوات مرتفعة: “كنت أتمنى أن أكون بينهم، لكنني كنت قد كبرت، لم يكن أمامي خيار سوى عيش الحياة كما رسمت لي”.

في سن الثانية عشر حولت سقطة على الأرض حياة أمينة إلى قصة درامية، فاقمها تدخل طبي خاطئ أفقد رجلها اليسرى القدرة على الحركة، وتسبب في آلام رهيبة تتحملها بصبر منذ طفولتها.

مضت أيام طفولتها وشبابها بين أسرة المستشفيات وغرف العمليات وعيادات الأطباء، إلى أن نصحها طبيب في الدار البيضاء بتعلم القراءة والكتابة.

بامتنان كبير تتحدث أمينة عن هذا الطبيب: “قال لي مرضك مزمن، وليس عليك أن توقفي حياتك تنتظرين التعافي نهائياً، ضعي لك أهدافاً أخرى بالموازاة مع حربك ضد المرض”.

لم تتوقف أمينة عن البحث والسؤال: “قصدت الجميع من إدارات تعليمية وسلطات محلية دون جدوى، حتى اهتديت إلى جمعية تُخصص حصصا دراسية لدعم الراغبين في نيل الشهادة الابتدائية، فالتحقت بها ودرست بجد إلى أن حصلت على أول شهادة في مساري الدراسي”.

طاقة إيجابية

تتحدث أمينة عن رحلتها في التعليم بتواضع شديد، وتعتبر أنها لم تقم سوى بملاحقة حلمها وعدم الاستسلام للإعاقة الجسدية.

كانت لحظات الضعف وكلمات الإحباط التي تسمعها من البعض شحنة قوية وطاقة إيجابية تدفعها للمضي قدما في مسارها التعليمي، كما تقول.

وتتابع أمينة: “مرضي وعاهتي شجعاني أكثر على الاستمرار، كنت أتذكر دائما تلك اللحظات التي يأخذني فيها والدي إلى المستشفى للعلاج وأنا طفلة، وكان وهو الأمازيغي الذي لا يتقن العربية ولا يتكلم الفرنسية، يبحث دائماً عن شخص متعلم يصحبه معه، ليسهل تواصله مع الأطباء وإدارة المستشفى”.

وتضيف: “كنت أشعر بمرارة وأنا أشاهد والدي يعاني بسبب أميته وبسبب مرضي الذي لم يجد له علاج، لذلك أصريت على التعلم وكان والدي يشجعني كثيراً”.

أما اليوم، تضيف: “تغيرت شخصيتي إلى الأفضل بفضل التعليم، صرت أكثر قوة وأكثر ثقة بنفسي، فتح لي التعليم أبواب كثيرة كانت مجهولة وغامضة وغير مفهومة بالنسبة لي”.

ولا تكتف أمينة بمواصلة مشوارها الدراسي، بل تعمل على تشجيع الفتيات والنساء على التعلم، وخاصة الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وصارت قصتها ملهمة لكثير من الشابات اللواتي قررن المضي في طريقها.

عن هؤلاء تقول أمنية للأناضول: “أقول لهن إن التعليم أقوى سلاح يمكن أن تمتلكه الفتيات، لتكون لهن استقلالية مادية ومعرفة أفضل بما يحدث حولهن”.

وتتابع: “خلال هذا المسار لم يعد المرض هماً كبيراً، لم أعد أفكر في الإهمال الطبي الذي تعرضت له، لم أعد أفكر في الماضي، أفكر فقط في المستقبل، وأسعى إلى الاعتماد على نفسي مادياً ومعنوياً”.

وتختم أمنية بقولها: “أؤمن بأن المرض والإعاقة والزواج وإنجاب الأطفال قدر ونصيب من الله، أما العلم فهو اجتهاد وعزيمة وإصرار”. –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *