خارج الحدود

البحرين تدعو رعاياها لمغادرة لبنان بعد استقالة الحريري.. فهل اقتربت الحرب؟

“استقالة ملتبسة مرتبكة ومشبوهة في الزمان والمكان والوسيلة والمضمون”غرد النص عبر تويتر.. هكذا وصف وزير العدل اللبناني سليم جريصاتي المحسوب على التيار الوطني الحر استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.

ولأنها كانت “مفاجئة” في حدها الأدنى، فقد أثارت حالة من “الصدمة السياسية” في الأوساط اللبنانية والإقليمية، فرحب بها البعض واستهجنها آخرون، وتساءل فريق ثالث عن دوافعها وسياقاتها، وحذر آخرون من تداعياتها وما تؤشر إليه من تبعات و”مخاطر” متوقعة.

وبغض النظر عن حالة الانقسام التي أحدثتها ردود الفعل المتباينة حولها، فقد دفعت الكثيرين إلى التساؤل هل كانت تمثل قرعا لطبول حرب وشيكة في المنطقة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي أطراف هذه الحرب وأهدافها وميادينها؟.

البحرين دعت جميع مواطنيها الموجودين في لبنان إلى مغادرتها فورًا، وجددت دعوتها بعدم السفر لها نهائيًا، وذلك غداة إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تقديم استقالته.

وقال بيان الخارجية البحرينية، اليوم الأحد، إنه “نظرًا للظروف والتطورات الراهنة التي تمر بها الجمهورية اللبنانية، تطلب وزارة الخارجية من جميع مواطني مملكة البحرين المتواجدين حاليًا هناك المغادرة فورًا مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر”.

وجددت وزارة الخارجية “دعوتها لجميع المواطنين الكرام بعدم السفر نهائيًا إلى الجمهورية اللبنانية، وذلك حرصًا على سلامتهم، وتجنبًا لأي مخاطر قد يتعرضون لها جراء هذه التطورات”.

أسباب وخلفيات

برر رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري استقالته بالخشية على حياته وبشعوره بوجود دولة داخل الدولة، في إشارة إلى حزب الله اللبناني، وهاجم في الوقت ذاته إيران وقال إن لديها “رغبة جامحة في تدمير العالم العربي”، وإنها “أينما حلت يحل الخراب والفتن”.

وخلص الحريري في خطابه -الذي بث من الرياض عبر وسائل إعلام سعودية- إلى أن “أيدي إيران في المنطقة ستقطع”. ولم يطل الانتظار كثيرا حتى أعلن وزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في تغريدة له أن “أيدي الغدر والعدوان يجب أن تبتر”، بصيغة مشابهة لتلك التي استخدمها الحريري في تهديد إيران!

ولأن “قطع” أو “بتر” الأيدي الإيرانية التي “تمددت” كثيرا خلال السنوات الأخيرة في أرجاء المنطقة، يفترض -وفقا للمنطق الطبيعي- “مواجهة مسلحة” في الحد الأدنى، أو حربا مفتوحة وعلى أكثر من جبهة، رأى البعض أن تصريحات الحريري والسبهان تمثل بطريقة ما “إعلانا” أو تهيئة لحرب كثرت نذرها في الآونة الأخيرة.

وسارع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان -تعليقا على استقالة الحريري- إلى التأكيد على استعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة حلف إيران.

أهداف

ومن الواضح أن استقالة الحريري المفاجئة وبعد لقاءات مكثفة وزيارتين متقاربتين للسعودية تهدف إلى أحد أمرين:

إما الضغط على إيران لحملها على التنازل في ملفات أخرى أهم بالنسبة للسعودية، ويتعلق الأمر تحديدا بالملفين اليمني والبحريني، خصوصا بعد تصاعد الخسائر السعودية في حرب اليمن عسكريا وسياسيا وتضخم فاتورة الحرب إنسانيا، وتزايد الضغوط عليها من طرف هيئات حقوقية دولية لوضع حد لها.

وليس التقارب الأخير مع الحكومة العراقية وبعض القادة السياسيين في العراق ببعيد عن مساعي البحث السعودي عن أوراق ضغط على إيران عبر مزاحمتها في ساحات نفوذها وميادين قوتها.

ومع منطقية هذا الاحتمال، يرى البعض أنه كان بإمكان السعودية اختيار وسيلة أخرى للضغط على إيران غير استقالة حليفها الأهم، فسياسة “المقعد الشاغر” تبقى الخيار الأسوأ في عالم السياسة، ولا تلجأ إليه الدول إلا في حالات الضرورات السياسية القصوى، وهو ما يعني أن الاحتمال الآخر المتعلق بالتهيئة لحرب قادمة يبقى واردا.

وإذا استحضرنا التنازلات التي قدمها الحريري في إطار التسوية التي هيأت لاختياره رئيسا للحكومة، مقابل اختيار حليف حزب الله ميشال عون رئيسا للدولة بعد سنوات من الرفض والتمنع، ندرك أن استقالته “المفاجئة” لن تكون إلا بدوافع “قاهرة”، خصوصا أن ما تحدث عنه -سيطرة حزب الله وتمدد إيران- ليس جديدا، وربما تكون السعودية قد همست في أذنه بما جعله يرجح خيار الانسحاب.
وغير مستبعد أن يكون ما أسرت به الرياض لحليفها القديم الجديد سعد الحريري هو ما نطق به أو ببعضه تلميحا أو تصريحا العديد من المغردين السعوديين الذين تحدث

بعضهم عن “عاصفة حزم” جديدة ستستهدف حزب الله.

بل أكثر من ذلك هدد الوزير ثامر السبهان مرارا خلال الأيام الماضية باستخدام القوة ضد حزب الله ومن يتعاون معه، وقال في تغريدة له إنه “للجم حزب المليشيا الإرهابي يجب معاقبة من يعمل ويتعاون معه سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، والعمل الجاد على تقليمه داخليا وخارجيا ومواجهته بالقوة”. وقال في تغريدة أخرى إن “المملكة ستقطع يد من يحاول المساس بها”.

نذر الحرب

وقبل يوم واحد من استقالة الحريري قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن تل أبيب لن تسمح لإيران بالتوسع في منطقة الشرق الأوسط مهما كلف الأمر. وأضاف أن طهران تمثل حاليا تهديدا لا لكونها فقط تسعى للسيطرة على المنطقة، بل هي أيضا عازمة على تطوير أسلحة نووية، في إشارة إلى الاتفاق النووي مع القوى الست الكبرى.

وسبق هذا التهديد تصريحات عديدة إسرائيلية وأميركية تتوعد حزب الله وإيران، في ظل تكثف للمؤشرات الدالة على أن غمامة حرب متعددة الأطراف قد أظلت المنطقة، وربما باتت مسألة وقت حسب تعبير خبراء يتابعون التطورات الجارية في الإقليم.

وتأتي هذه التطورات ضمن سباق إقليمي جيوسياسي بأدوات عسكرية، أدى في الجارة سوريا إلى إضعاف قوى الثورة بشكل غير مسبوق، وتحييدها عن دائرة الفعل المؤثر سياسيا وعسكريا، ووضع حدا لتنظيم الدولة الإسلامية ككيان جيوسياسي على الأقل، بعد سلسلة الخسائر الميدانية المتتالية على المستويين البشري والعسكري وفقدانه غالبية الأراضي التي سيطر عليها في السنوات السابقة، التي كانت تمثل أحد أهم عوامل جذب المريدين له حول العالم.

ويمكن القول إنه بعد إضعاف وتحييد قوى الثورة في سوريا، وهزيمة تنظيم الدولة والمجموعات العسكرية ذات الطابع الجهادي في سوريا، بدأ التركيز الإسرائيلي والأميركي يتوجه نحو إيران و”أذرعها” في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله، بحسبانها تمثل -وفق تصريح ساسة إسرائيليين وأميركيين- أهم تحد يواجه سياستها في المنطقة، وتمثل “عدوا” مزعجا لبعض حلفائها التقليديين في المنطقة وخصوصا السعودية.

ورغم أن قائمة أولويات حزب الله شهدت تغييرا كبيرا في السنوات الماضية بعدما انخرط في الحرب السورية، وباتت بالنسبة له تمثل “واجب اللحظة”، حيث تجاهل أغلب الضربات الإسرائيلية التي استهدفته، فإن تغير موازين القوى في سوريا لصالح حليفه السوري بقدر ما يمثل مكسبا إستراتيجيا له ولحليفته إيران، يغري الإسرائيليين به ويعجل من مواجهة تقول مراكز أبحاث ودراسات إنها أصبحت حتمية ووشيكة أكثر من أي وقت مضى.

ويمثل التقارب الجديد بين السعودية وإسرائيل -وفق ما يتسرب من أنباء ومعطيات- عاملا إضافيا من شأنه أن يسهم في تعجيل المواجهة مع إيران وحلفائها، حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس قوله إن بمقدور إسرائيل أن تقدم للسعودية والخليج شراكة أمنية واستخباراتية للتصدي لإيران وأتباعها، مقابل التطبيع.

ودأب الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة على كشف ما يصفه بالتعاون الأمني غير المسبوق بين إسرائيل والسعودية، بل إن هذا الإعلام ذهب إلى القول إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زار إسرائيل سرا والتقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهو ما نفته السعودية بشدة.

ورغم تضافر المؤشرات المدعومة بتصريحات من مسؤولين إسرائيليين وأميركيين حول المواجهة المرتقبة مع حزب الله وإيران، فإن بعض الخبراء والمحللين السياسيين لا يتوقعون حربا واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، ولكنهم يؤكدون في الوقت ذاته أنه يجب عدم استبعاد هذا الخيار.

الجزيرة + الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *