وجهة نظر

بنعباد يكتب.. العدالة والتنمية 2007 ـ 2017 ماذا تغير؟

يعيش حزب العدالة والتنمية ايامه هاته مرحلة دقيقة طبعها الكثير من النقاش و الجدال والحدة في تباين وجهات النظر انتج قلقا وخوفا وربما غضبا كبيرا لدى كثير من مناضليه ومتعاطفيه، بل وعموم المراقبين.

كثير من الغضب العام داخل العدالة والتنمية ومحيطه، المنصب على “طريقة” نقاش مصير الحزب ومستقبله، مرده عدم إلمام بالتاريخ القريب لهذا الحزب، سواء تعلق الأمر بـ 2011 أو قبلها سنة 2007ـ 2008، حيث كان الحزب أقرب إلى الانفجار من الداخل، في حالة تشبه ما يعيشه هذه الأيام، ففي سنة 2011 مثلا قرر الرميد وآخرون الاستقالة من الحزب، احتجاجا على بنكيران، كما خرج العثماني وآخرون إلى الشارع للاحتجاج، وكتب آخرون عريضة لإسقاط بنكيران من قيادة الحزب، ووزعت على اعضاء المجلس الوطني للتوقيع عليها. ومع ذلك خرج الحزب “موحدا” بعد فوز بنكيران و”رؤيته” في الانتخابات التشريعية.

غير أن سنة 2007 التي ستتناولها هذه الكلمات، تستحق عناية أكبر لأنها سقطت سهوا أو عمدا من بال كثير من المتحدثين عن الحزب، ولأنها بدرجة أكبر تشبه ما يعيشه المغرب اليوم، من حيث انعدام توازن حزب العدالة والتنمية، وعجز شعارات العهد الجديد عن تحفيز الناس على المشاركة ما أدى إلى انخفاض نسبة التصويت، كما أن عنفوان السلطوية كان في أبهى تجلياته، من خلال خلق حزب سياسي.

العدالة والتنمية في 2007 عاش صخبا كبيرا، وعرف حدة في الخصومة، وتباينا في المواقف، وانقساما في الرؤى، ففيها ظهر الحديث عن التيارات الذي قاده الرميد مثلا، قبل أن يحسمه بنكيران بعد المؤتمر بالاعتراف بوجود “حساسيات” داخل الحزب لا “تيارات”.

الخصومة والخلاف والاختلاف أيضا وجد طريقه الى الصحافة “المستقلة” آنذاك، كما وجد إعلام الحزب والحركة نفسه “مضطرا” إلى احتضان بعض نقاشاتها، والأهم أُجْبِرَت الأمانة العامة للحزب، خوفا ومن انفجار غضب المناضلين على فتح ما سمي “بـ”الحوار الوطني”، سرعان ما أجهض وتم الالتفاف عليه، بذرائع شتى منها قرب مؤتمر 2008.

نقاشات 2007 خلفت نتيجتان مباشرتان، الأولى؛ أنتجت “مقاربات” للخروج من أزمة الحزب، كانت واضحة ومعروفة لجميع المتابعين، أولهن مقاربة العثماني ومن معه “حزب التدبير لا حزب الهوية”، أما الثانية فكان رمزها الرميد؛ وعنوانها “الملكية البرلمانية”؛ وطريقها “تعديل دستوري”؛ أما الثالثة فكانت تقول إن “الأزمة سياسية” و”مواجهة الفساد” طريق إنهائها، لصاحبها عبد الإله ابن كيران ورفيق دربه عبد الله باها.

أما النتيجة الثانية؛ فقد كانت ثمرة لتفاعل هذه المقاربات الثلاث، أي الورقة المذهبية للحزب، التي سميت أطروحة “النضال الديموقراطي” التي نقلت العدالة والتنمية من حزب “أقلية” منبوذة اجتماعيا، إلى حزب يرافع عن الشعب وعن حقه في حكم ديموقراطي وعدالة اجتماعية.

لقد عاش العدالة والتنمية في مرحلة 2007 مرحلته تلك بكل صخبها وجدلها وصراعتها وخلافاتها وخصوماتها، لكنه بقي سالما معافا، بل ازداد قوة وتماسكا، ورغم قساوة مرحلة 2009 ـ 2011، فقد صمد الحزب ضد السلطوية، ورسخ وجوده كحزب مغربي ديموقراطي، ما خوله انتزاع ثقة المغاربة، وتحول إلى القوة السياسية الأولى في البلاد.

الراصد لمرحلتي (2007 ـ 2017)، يسجل أن تفاعل الحزب مع أزمته تبدل، نتيجة ثلاث متغيرات جديدة، إضافة إلى “ثابت” استهداف الدولة الذي كان وسيظل.

فما الذي تغير إذن في 2017؟

أولى هذه المتغيرات؛ تجلى في غياب الوضوح والهروب من الصراحة عبر استدعاء أحداث وتفاصيل لا تجيب عن أسئلة أطروحة الحزب ولا خطه السياسي، والموقف من الأزمة، وتصور الخروج من النفق، وتراهن أطراف الأزمة على الغموض للإقناع.

المتغير الثاني؛ تشرحه الماركسية التي تقول إن “الموقع الطبقي يحدد الموقف السياسي”، فرواد “الملكية البرلمانية”، وكثير ممن كان مع (بنكيران/باها) في مقاربة مواجهة “الفساد والاستبداد” تحولوا إلى متعايشين مع الوضع الجديد، مروجين لشعار “استراحة محارب”.

ثالث المتغيرات، دخول حركة التوحيد والإصلاح على خط الخلاف داخل الحزب، وانخراطها في معركة الضغط على طرف لتغليب كفة الطرف الآخر، من خلال ترويجها لكثير من المعلومات غير الدقيقة عن طريق “رموزها”، وتهيئتها الأجواء لطرح مرشحها كـ”خيار ثالث”.

العودة إلى الماضي درس مفيد في هذا الحاضر، الذي يراد له أن يكون مخيفا ومنذرا بنهاية حزب؛ وفناء أخوة، وانشطار جماعة؛ وتفتيت وحدة، وانقسام بيضة، لأن التذكير بالماضي يبدد المخاوف التي تحولت إلى أسلحة لقتل النقاش ومصادرة الحق في إبداء الرأي، ففي المحصلة هذا النقاش الدائر حاليا داخل الحزب وحوله، صحي وضروري وطبيعي ومثالي، والدليل أنه يتكرر للمرة الثالثة في عشر سنوات فقط.

إن الاختلاف والخلاف لم يكن ولن يكون شرا، غير أن الشر يكمن في غياب الوضوح والسرية والغموض، وتبديل الموقف بالموقع، ودخول طرف ثالث في الخلاف.. وعلى غرار ما أبدع “لطفي بوشناق” في رائعته “أنا المواطن” يمكن القول: “ما الاختلاف أخاف علكيم.. لكن كل خوفي من الضباب”.

كاتب وصحافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ع.الحفيظ
    منذ 6 سنوات

    انت تزج جزافا بالحركة في هذا الاختلاف في وجهات النظر بين قيادات الحزب، الحركة ياسيدي لها مكتب تنفيذي هو الناطق الرسمي باسمها، و لحد الساعة الحركة لا تمارس السرية و لا تمارس التقية، هي لا تتدخل في شؤون الحزب، لكن لها سلطة على أعضائها داخل الحزب من حيث تقويم سلوكهم، و توجيههم للالتزام بمبادئ الحزب، و حثهم على التشبث بالمبادئ التربوية التي يتلقونها في المجالس التربوية، و أي انحراف في هذا الجانب يعرض صاحبه للمسائلة من قبل هيئات الحركة، أما ما أشرت إليه من ضغط الحركة عن طريق رموزها فهو غير صحيح، لأن هؤلاء الرموز، الذين تحدثت عنهم هم أعضاء في الحزب، و هم يدلون بآرائهم بصفتهم الحزبية، و موقفهم لا يلزم الحركة في شيء، لأنه كما قلنا سابقا، الحركة لها مؤسساتها التي تعمل في العلن و لا تحتاج إلى سرية و لا إلى ضباب.

  • الحسين
    منذ 6 سنوات

    ".. ثالث المتغيرات، دخول حركة التوحيد والإصلاح على خط الخلاف داخل الحزب، وانخراطها في معركة الضغط على طرف لتغليب كفة الطرف الآخر، من خلال ترويجها لكثير من المعلومات غير الدقيقة عن طريق “رموزها”، وتهيئتها الأجواء لطرح مرشحها كـ”خيار ثالث ..”?!?!?!?!? وضح أكثر يرحمك الله ............................