وجهة نظر

المادة 16 ومعركة وادي المخازن

في سنة 1578م وبسبب نزاع حول السلطة والتجاء المتوكل الى البرتغال لانتزاع الحكم من عبد الملك السعدي , التقى الجمعان في منطقة القصر الكبير وتوفي ثلاثة ملوك عبد الملك والدون سيبستيان والمتوكل وانتصر المغاربة في اكبر موقعة بعد الزلاقة , ومن نتائج تلك الملحمة ان العرش البرتغالي بقي فارغا من عقب سيبستيان وبقيت لشبونة تتخبط في اضعف تجليات التدبير السياسي واصبحت تابعة وملحقة بالعرش الاسباني , وفي المغرب اعتلى المنصور ذو النسب الشريف وتصدر الحكم ونسبت اليه الكتب كل الفضل في الانتصار طالما انه الناجي الوحيد من معركة المخازن, منطق السياسة كان يقتضي من المنصور حشد القبائل والتوجه رأسا للدخول الى البرتغال الضعيفة ووضع المغرب ضمن قوائم الدول المسيطرة على العالم المتوسطي والخطوط التجارية المتوسطية والاطلسية ولما لا بالتبع وضع المستعمرات البرتغالية الجديدة تحت حكم الاشراف , بل ان اضعف الايمان السياسي كان يحتم علينا استرجاع الاندلس الغربية على الاقل , عوض كل هذا قرر المنصور بايعاز من وزراء الخمول تلطيف الاجواء مع اسبانيا وارسال السفراء لطمأنتهم بأن زمن المغامرات العسكرية قد انتهى , ولما قام علماء فاس وانتفضوا على المنصور باللوم حول غض بصره على الاندلس واحوازها اقنعهم واستخلص منهم فتاوى تجيز غزو بلاد السودان ” المسلم ” بغية جلب الذهب وتقوية الوضع الاقتصادي للمغرب ثم استرجاع الاندلس بعدها , فانطلق الباشا جودر في جيش يجمع كل الاطياف متوجها نحو السودان من اجل مصلحة السلطان واغناء السلطان ولا شيء الا رضى السلطان , فضاعت الاندلس وضاعت الفرصة في استفادة المغرب السعدي من تركة البرتغال من التقدم المادي والاكتشاف الجغرافي والهيبة الدولية والنزوح محو التقدم , وبهذا الصدد يقول جرمان عياش أن لم يثبت في تاريخ الدولة السعدية ان المغاربة استفادو من جلب الذهب اليه فقط السلطان وحاشيته تنعموا به .

دارسو التاريخ مرضى بهوس الاسقاط والتمثل يرون في كل واقع يومي اسنادا من التاريخ وكذلك الامر بخصوص المادة 16 المفترى عليها والتي تتلاقى مألاتها السياسية مع النتيجة السياسية البئيسة لاحجام المنصور عن غزو البرتغال في عقر دارها , لقد استطاع العدالة والتنمية ان يهزم اكبر قوة سياسية في المغرب الا وهي المخزن المتحكم في كل الاحزاب وذاك ما لم يتمكن اي حزب من انجازه اللهم بعض المحاولات التي رسمها الخط الاصلاحي الراديكالي المدفوع بحماس الاستقلال والحشد الشعبي المنبهر ببعض القيادات , لقد اجبر بنكيران الدولة على الاعتراف ولاول مرة في تاريخها على ضرورة الانصات للتعبير الحقيقي للشعب بل وقد رسم بنكيران طريق التعاقد وفق مبدأي الاصلاحية المتمثل في اصلاح الوضع السياسي للبلد ولو بتدرج بطيء والمشروعية القائمة على مساندة الملكية وتقويتها لتقوم بدور يتناسب مع صدى وهم الشعب , انتصار العدالة والتنمية شكل في التاريخ الراهن فرصة تأريخ جديد تماما كانتصار الاشراف في معركة الملوك الثلاثة وهذا اول قياس التشابه .

ثاني نقط الشبه تجلت في وجود ” تيار ” برغماتي مصلحي لا يرى في الناس الا وسيلة للوصول للمصالح الشخصية تيار الباشا جودر الذي اقنع المنصور بعدم المغامرة بالمغرب لاسترجاع الاندلس والتوجه لجلب الذهب من بلد ضعيف كالسودان , فعوض ان يقوم تيار الاستوزار في العدالة والتنمية في نحت سقف جديد في عملية الاصلاح وتجديد الثقة في الرمز الذي اجبر الدولة على القبول بنتائج الانتخابات والذي رغم اخطائه فقد حاز اجماع الشعب بل وفوضه لمواصلة مجابهة الارستقراطية الفاسدة , قلت عوض ذلك نكس تيار الوزراء على عقبيه واستسلم للسلطوية بل اصبح جزءا من الياتها وذلك بوضع كل الوسائل غير المشروعة للسطو على حزب انتصر في وادي المخازن وعوض التوجه للأندلس/ الديمقراطية اكتفوا بالذهب/ المناصب واعتبروا ان بنكيران مغامر على سفينته التوقف كجند المخازن .

ولمواجهة غضب الشعب / القواعد كان لابد من تدخل سلطة الدين والفتوى لاقناع عامة الشعب ان غزو السودان ليس من باب الغزو لكن ضرورة للتمكين فالتجأ المنصور الى فاس واستخلص ازيد من خمسين فتوى من زواياها تقول ان دم السودان حلال وان ذهب السودان قربان يقدمه سود الامة لبيضها لمواجهة العدو المتربص فاستكان الناس وقال جلهم “لا نفقه اكثر من علمائنا ” فكانت 1590م شاهدا على دور الدين والدعوة في تزكية مارب السلطان , وتيار الاستوزار لم يحد عن قاعدة الهوس بالالتجاء الى الدين/الحركة من اجل استخلاص بلاغات وتوافقات لتوجيه السلوك الانتخابي للمنتسبين للحركة في ضرب لمعقولية التقدم التاريخي المفروض للقيام بالاصلاح , كان لهم ذلك وتكلم الريسوني والحمداوي تحت غباء يسلطه الخوف على بيضة الجماعة وعدم وعي باللحظة السياسية كحال جل الفقهاء فاستكانت القواعد وصوتت حسب هوى الدين/ الحركة والمنصور / الاستوزار .

كتب العروي يقول ” لو ان الاشراف فكروا ان امتدادا بسيطا داخل اوربا سيغير معالم المغرب للابد وسيجعلهم من اهل التنوير والاكتشافات الجغرافية وان ذهب السودان يوجد اضعافه في البرتغال والاندلس سياسة ونفوذا …لكن ابى اهل الجنوب الا ان يرسموا خط التخلف….”.

سيكتب التاريخ غدا على كل ذي زيغ وانبطاح من اعضاء العدالة والتنمية انهم تماما كغثاء المنصور اكتفوا بالذهب وتركوا الاندلس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *