وجهة نظر

نقاش حول قرار هيئة التحكيم بحزب العدالة والتنمية

أصدرت هيئة التحكيم الوطنية بحزب العدالة والتنمية قرارا بتاريخ 2017.12.05 حول النزاع المتعلق بتفسير الأمانة العامة لمواد النظام الأساسي للحزب؛ وقد انتصرت الهيئة في قرارها لتفسير الأمانة العامة، وخلصت إلى أن ” هيئة التحكيم الوطنية صرحت وأكدت أن التفسير الذي ذهبت إليه الأمانة العامة تفسير صحيح ومطابق لروح النظامين الأساس والداخلي واللائحة الداخلية، ويحقق إرادة المشرع الحزبي، سواء فيما يتعلق بنتائج دورة المجلس الوطني المنعقدة يومي 25 و26 نوفمبر 2017، أو فيما يتعلق بتقيد المؤتمر الوطني بجدول الأعمال الذي وضعه المجلس.”

وسنحاول في هذه المقالة مناقشة مدى صوابية قرار هيئة التحكيم من الناحية القانونية.

أولا: الخلط في اختصاص التفسير:

لقد بنت هيئة التحكيم قرراها على خلط جوهري، أوقعها في قرار معيب من الناحية القانونية، ويهدم قرارها من الأساس.

ذلك أن الهيئة لم تميز بين اختصاصات الأمانة العامة في التفسير طبقا لأحكام المادة 100 من النظام الداخلي للحزب، وبين اختصاصات التفسير المخولة لمكتب المجلس الوطني طبقا لأحكام المادة 93 من اللائحة الداخلي للمجلس.

فالأمانة العامة لم تمارس صلاحيتها في تفسير النظام الأساسي طبقا للمادة 100 من هذا النظام، ولكنها تجاوزت اختصاصها في التفسير، وتطاولت على اختصاص حصري لمكتب المجلس المخول الوحيد لتفسير اللائحة الداخلية.

ويؤيد هذا ما كتبه الأخ عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة للحزب بتاريخ 05/12/2017 على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بقوله ” للتذكير فإن الأمانة العامة للحزب لم يسبق أن سجلت نقطة في جدول أعمالها للبث في تفسير مادة من مواد القانون الأساسي، أو أصدرت تفسيرا قانونيا لإحدى مواد النظام الأساسي”.

ويؤيد الكلام السابق الجزء الذي اعتمدت عليه الهيئة من محضر اجتماع الأمانة العامة بتاريخ 21/11/2017 والذي ينص على أنه ” أثناء مناقشة موضوع تعديلات النظام الأساسي، طرح أحد أعضاء الأمانة العامة” “تساؤلا حول التعديلات التي سيرفعها المجلس الوطني للمؤتمر هل يتعلق الأمر فقط بالتعديلات” “التي يصادق عليها المجلس أم جميع التعديلات التي يناقشها المجلس، وهنا كان جواب الأخ” “الأمين العام والذي توافق عليه غالبية أعضاء الأمانة العامة والذي مفاده الاكتفاء برفع” “التعديلات التي صادق عليها المجلس الوطني فقط وهو ما جرت به العادة ويتوافق مع أنظمة” “الحزب وقوانينه”.

بل إن الأخ سليمان العمراني نائب الأمين العام أقر بأن الأمانة العامة لم تناقش قط المادة 23 التي تشكل مناط الخلاف، حيث جاء في قرار الهيئة “وأكد الأخ العمراني أن من جملة المقتضيات التي رجعت إليها الأمانة العامة في المناقشة، المواد 27 و28 و100 من النظام الأساس، و23 و24 و27 من النظام الداخلي، و89 و90 من اللائحة الداخلية”.

كما أن الهيئة وقعت في خلط واضح بين اختصاصات الأمين العام والأمانة العامة، حين طرحت عدة أسئلة على نائب الأمين ومن بينها هذا السؤال:

ثالثا: هل جواب الأمين العام هو المعتمد في التفسير؟

وقد أقر نائب الأمين العام بأن جواب الأمن العام هو المعتمد في التفسير، حيث جاء في قرار الهيئة: “و أجاب –أي العمراني- بأنه معتمد في التفسير، وأضاف القول بأن البلاغ الصادر بتاريخ 2017.12.2 تم عرضه على الأخ عبد الإله بنكيران في صيغته الأولى، وقام هو بتعديلها، ولم ينشر البلاغ إلا بالصيغة التي وافق عليها الأمين العام شخصيا”.

وهنا يطرح التساؤل حول أحقية الأمين العام في التفسير، والأساس القانوني الذي اعتمد عليه نائب الأمين العام ليعطي للأمين العام اختصاصا ليس من اختصاصاته؟

فالهيئة هنا وقعت في الخلط بين صلاحيات الأمانة العامة وصلاحيات مكتب المجلس في التفسير، فالنقاش كان منصبا بالأساس حول التعديلات المقدمة من قبل أعضاء المجلس الوطني، والمقدمة استنادا على المادتين 89و90 من لائحته الداخلية؛ كما أن الفقرة التي استشهدت بها هيئة التحكيم ليس فيها أدنى إشارة للمادة 23 من النظام الأساسي، والتي تشكل مناط الخلاف؛ فالأمانة العامة تجاوزت هنا صلاحياتها في التفسير والمقتصرة على النظام الأساسي فقط بموجب المادة 100 من النظام الأساسي، ومارست اختصاصا ليس من اختصاصاتها أصلا.

وبما أن الهيئة قررت بأن “بلاغ الأمانة العامة يفيد أنها مارست صلاحياتها في تفسير النظام الأساس طبقا لما  تنص المادة 100 منه”، وعلى أساس هذا الخلط أصدرت حكمها، فيكون قراراها غير سليم من الناحية القانونية، وبني على أسس قانونية غير سليمة.

وعليه فقد كان على الهيئة الحكم بعدم الاختصاص، والتقرير بأن الأمانة العامة تجاوزت صلاحياتها.

ثانيا: تدرج وترابية القاعدة القانونية:

من أغرب الدفوعات التي استندت عليها هيئة التحكيم في قرارها، هو قولها بأن “مبدأ التراتبية بين مختلف الأنظمة الثلاثة (النظام الأساس – والنظام الداخلي – واللائحة الداخلية) غير مؤثر وغير منتج في النقاش”.

وقد اعتمدت الهيئة في خلاصتها -غير المسبوقة- هذه على مجموعة من والنصوص القانونية، وهي كالتالي:

قانون الأحزاب السياسية:

استندت الهيئة على المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، والتي تنص على أنه:

يتعين على كل حزب سياسي أن يتوفر على برنامج و نظام أساسي و نظام داخلي.

يحدد برنامج الحزب، على الخصوص، الأسس و الأهداف التي يتبناها الحزب في نطاق احترام الدستور و أحكام القانون.

يحدد النظام الأساسي، على الخصوص، القواعد المتعلقة بتسيير الحزب و تنظيمه الإداري و المالي وفق أحكام هذا القانون التنظيمي.

يحدد النظام الداخلي، على الخصوص، كيفيات تسيير كل جهاز من أجهزة الحزب و كذا شروط و كيفيات انعقاد اجتماعات هذه الأجهزة.

لكن، ما يدعو للاستغراب هو تجاهل الهيئة لمواد أخرى من القانون 29.11، كالمادتين 14 و15، واللتين تميزان بشكل واضح بين النظامين الأساسي والداخلي فيما يخض سلطة إقرار أي تغيير يدخل عليهما، فالمادة 14 تنص على أن “كل تغيير يطرأ  على تسمية الحزب أو على نظامه الأساسي أو برنامجه يجب أن تتم المصادقة عليه من طرف المؤتمر الوطني للحزب”؛ في حين تنص المادة 15 على أن “كل تغيير يطرأ على رمز الحزب أو أجهزته المسيرة أو نظامه الداخلي، أو يهم مقر الحزب، يتعين التصريح به لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، من قبل المسؤول الوطني للحزب أو من ينتدبه لهذا الغرض، داخل أجل ثلاثين يوما يبتدئ من تاريخ المصادقة على هذا التغيير من قبل أجهزة الحزب المختصة، مقابل وصل مؤرخ و مختوم يسلم فورا”. فهذا التمييز جد مهم لأنه يوضح السلطة الحصرية لمؤتمر الحزب كأعلى هيئة تقريرية في الحق الحصري في تعديل النظام الأساسي، في حين جعل صلاحية تعديل النظام الداخلي “لأجهزة الحزب المختصة” دون تحديد أي منها بالاسم.

ومن المواد التي تجاهلتها الهيئة ولها علاقة مباشرة بطبيعة النزاع، هي المادة 29 من القانون 29.11 ، والتي تتحدث عن البيانات الواجبة التضمين في النظام الأساسي، ومنها:

اختصاصات وتأليف مختلف الأجهزة.

فإرادة المشرع بتخصيصها المادة 29 للبيانات الواجبة التضمين بالنظام الأساسي للأحزاب، وتفصيلها بشكل واصح، أرادت التأكيد على سمو النظام الأساسي للحزب على بقية أنظمته الأخرى، وبالتالي يكون استناد هيئة التحكيم على المادة23 هذا القانون للقول القول بأن “هذه المواد تشكل عناصر لمنظومة واحدة، ولا يتأتى تفسير أية واحدة منها منفردة ومفصولة عن الأخرى”، هو استناد في غير محله ويخالف إرادة الشارع الذي ألزم النظام الأساسي بتوضيح اختصاصات مختلف أجهزة الحزب بشكل واضح.

أنظمة الحزب:

أشارت هيئة التحكيم إلى عدة نصوص قانونية بالنظامين الأساسي والداخلي واللائحة الداخلية لتلغي تراتبية القوانين وتدرجها.

ونعيد ما كتبناه في نقاش قانوني سابق في الموضوع:

“تنظم المواد 23 ، و24، و26، و100 من النظام الداخلي، علاقة المجلس الوطني بالمؤتمر الوطني، وكيفيات إحالة المشاريع المعدة من قبل المجلس الوطني للمؤتمر الوطني. وهنا لابد من إبداء ملاحظة جوهرية يتغاضى عنها من يطرح مثل هذه المواد للاحتجاج بعدم أحقية المؤتمرين في المطالبة بتعديل القانون الأساسي للحزب؛ فمواد النظام الداخلي يحتج بها في علاقات المجلس البينية، وفي علاقته بالأمانة العامة والهيئات الأدنى للحزب، فالسلطة التقريرية للمجلس -على خلاف ما ذهب إليه البعض– هي سلطة تقريرية في مواجهة الهيئات الأدنى منه، ولا يمكن الاحتجاج بالسلطة التقريرية للمجلس لمصادرة حق السلطة التقريرية الأعلى المتمثلة في المؤتمر الوطني.

ذلك أن المجلس الوطني هو صاحب الاختصاص الأصيل والحصري بنص المادة 27 في المصادقة على النظام الأساسي وتعديله عند الاقتضاء.  وعليه فلا يجوز للنظام الداخلي للحزب تفسير مقتضيات القانون الأساسي بدون إحالة صريحة الدلالة من القانون الأساسي للحزب، وعليه فالاحتجاج بمواد النظام الداخلي لتفسير مقتضيات المادة 23 من النظام الأساسي في غير محله، عملا بقاعدة “تدرج القاعدة القانونية وتراتبيتها”، فلا يمكن للقاعدة القانونية الأدنى أن تخالف القاعدة الأعلى”.

بل إن هيئة التحكيم الوطنية نفسها برئاسة الأستاذ أبو بكر أبو القاسم الهادي، سبق لها أن قررت مبدأ التراتبية وسمو القانون الأعلى على الأدنى؛ ففي قرارها عدد:30/2016 بتاريخ 13 غشت 2016 أكدت الهيئة على أن:

-من المبادئ الحاكمة والموجهة مبدأ “الترتبية”، بين مختلف القوانين والأنظمة، وهذا المبدأ يقتضي سمو النص الأعلى على النص الأدنى،

– مقتضى هذا المبدأ أن النص الأدنى، لا ينبغي أن يتضمن أحكاما مخالفة للنص الأعلى ولا أن يتضمن أحكاما “زائدة” غير منصوص عليها فيه،

– من المعلوم أن النظام الأساسي للحزب يسمو على النظام الداخلي”. انتهى.

فهنا نجد هيئة التحكيم تحت رئاسة نفس الرئيس تنتصر لمبدأ التراتبية، بل إنها أضافت ملاحظة جد مهمة وهي أن النص الأدنى لا يجب أن يتضمن أحكاما زائدة غير منصوص عليها في النص الأعلى.

وانطلاقا من حيثيات القرار السابق فإن النظام الداخلي لا يجب أن يتضمن نصوصا مخالفة لأحكام المادة 23 من النظام الأساسي، والتي تجعل الحق الحصري في تعديل النظام الأساسي بيد المؤتمر الوطني لوحده.

وعلى هذا الأساس تسقط الخلاصة التي وصلت إليها هيئة التحكيم، المتعلقة بإلغاء مبدأ التراتبية، والتعامل مع أنظمة الحزب كمنظومة واحدة متساوية من حيث المرتبة القانونية.

وعليه فلا يجوز للهيئة أن تستنتج أن عدم إشارة المادة 23 من النظام الأساسي لكيفيات ممارسة المؤتمر الوطني لاختصاصاته في تعديل النظام الأساسي، يعطي الحق للنظام الداخلي واللائحة الداخلية لكي يقوما مقام النظام الأساسي، فهذا متروك لاجتهاد المؤتمرين في كيفية التعامل مع الأمر.

ثالثا: علاقة هيئة التحكيم بالمؤتمر الوطني:

من الأسئلة التي تثار بعد قرار هيئة التحكيم –غير المستند على أساس قانوني سليم- ،هي  علاقة هيئة التحكيم بالمؤتمر الوطني، وهل قرار الهيئة ينهي حق المؤتمرين في المطالبة بتعديل النظام الأساسي؟

وجوابنا –دون النظر في مدى صوابية القرار من الناحية القانونية- هو النفي بالتأكيد، وذلك للأسباب التالية:

إن المؤتمر هو أعلى هيئة تقريرية في الحزب، ولا يحق لأي هيئة أدنى منه أن تصادر اختصاصاته الحصرية، التي خوله له المشرع المغربي، من خلال الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب، ووخولها له المشرع الحزبي من خلال النظام الأساسي للحزب.

فالمؤتمر الوطني هو بمثابة السلطة التأسيسية الأصلية، والذي تحول بقوة القانون لسلطة تأسيسية منشأة تعلو جميع السلط الأخرى.

ومما هو معلوم في علم القانون الدستوري، أن أعمال السلطة التأسيسية الأصلية أو المنشأة توصف بأعمال السيادة التي لا يجوز الطعن فيها أمام أي جهة كانت، وحتى أمام المحكمة الدستورية.

وبما أن النظام الأساسي بمثابة دستور الحزب، فلا يجوز لهيئة تشريعية أدنى –المجلس الوطني- أن تقوم مقام السلطة التأسيسية المنشأة –المؤتمر الوطني- وتحدد لها ما يجوز وما لا يجوز تعديله في نصوص النظام الأساسي.

فمقولة المؤتمر سيد نفسه، هي تجسيد لمبدأ السيادة، وهو المبدأ الذي يجسد الحق الحصري للمؤتمر في اتخاذ ما يراه من قرارات، دون مصادرة لذلك الحق من أي جهة أدنى من المؤتمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *