وجهة نظر

وهبي يكتب: العدالة والتنمية.. بداية النهاية

شعر البعض في البرلمان بالاستفزاز، عندما تحدثت عن استقلالية القرار الحزبي خلال جلسة الاثنين السابق، وعبر بغضب شديد، والغريب في الأمر أنه لم نكن نحتج في الأصالة والمعاصرة حين كنا نتعرض لكل سهام النقد والتجريح من الأصدقاء قبل الأعداء، واتهامنا بفقدان استقلالية قرارنا الحزبي تارة، وتارة أخرى نعتنا بأوصاف سوقية لدرجة اتهامنا بالانتماء إلى العصابات، بل إن السيد عبدالإله بنكيران اتهمنا بالاتجار في المخدرات وهو آنذاك رئيسا للحكومة، فتحملنا كل ذلك قناعة منا، بأن حزب العدالة والتنمية لا يملك أجوبة على القضايا الكبرى للشعب المغربي، وأنه لا يمكن أن يصنع مجده السياسي إلا على أنقاض حزب الأصالة والمعاصرة، لكن هيهات.

وكما يقول المغاربة (إذا قام شخص بإيذائك، فادعوا الله له بطول العمر)، فالزمن كفيل به، فعشنا حتى سمعنا التجريح و الأوصاف القدحية والاتهام بالطعن من الخلف في حق صديقي زعيم “الملائكة”، والغريب في الأمر أن الضربات لم تتم سوى من طرف من كانوا “ملائكة” في نظره، قبل أن يبتلى بظلم دوي القربى، وكلنا نعلم أن ظلم ذوي القرب أشد مرارة.

خرج الزعيم عبدالإله من المؤتمر الأخير لحزبه مطأطئ الرأس هذه المرة بدعوى احترام القانون، وهم كانوا يصنعون نقيض هذا القانون حين كانت الحناجر تصدح بأن الوفاء والإخلاص والصدق أكبر من القانون، بل شرعنوا تمديد سنة للزعيم ثم قالوا أن القانون مقدس ولا يجب خرقه، فسبحان مبدل الأحوال، وبعدها تم حرمان حتى حلفاء الزعيم من مواقع من المفروض أن تكون لهم، بل ما يثير الاستغراب فعلا هو أن السيد الأمين العام الجديد لحزب العدالة والتنمية صرح مباشرة بعد انتخابه قائلا: “سأكون أمينا عاما للجميع وسأنفتح على الجميع”، إلا أنه وبعد دقائق قليلة سيقدم لائحة أخرجها من جيبه لا تضم إلا أسماء حوارييه، فتأكد أن الذي يشعل نور المصباح في حزب المصباح ليس من داخل الحزب ولكن قد يكون من خارجه، ليعش إذا استقلال القرار الحزبي.

فأخذ الجميع يتلمس الطريق في ظلام صنعه الخوف من فقدان السلطة، والتنازل عن المبادئ والمواقف من أجل المواقع “فاللهم لا شماتة”، المهم هو أن الزمن والتاريخ جعل حزب العدالة والتنمية أمام محك المصداقية، ويكفي أن نعود إلى تاريخ المغرب وتاريخ أحزابه لنفهم ما وقع، لأن هذا التاريخ ما فتئ يظهر لنا أن السلطة مغرية، والمواقع ساحرة، والمصالح تعمي البصر قبل البصيرة.

حز في نفسي أن يعود عبدالإله بنكيران إلى بيته يحمل جرحا عميقا، وقد عشت معه ست سنوات من الصراع السياسي كان يصول ويجول فيها، واثقا من نفسه، و ممن حوله، رافعا سيفا وهميا من الجسارة السياسية المبنية على بعض الكلمات، مستفزة وحيوانية تارة، وتارة أخرى ذات صبغة عقائدية، ولكنه نسي أن الأيادي التي كانت تصفق له بالأمس هي التي رمته بالحجارة اليوم، وهي نفسها الأيادي التي رمت ورقة في الصندوق لتصوت على غريمه، بل لتتنازل عن زعيم قادها لسنوات وصنع مجدها، حقا اختلفت مع الرجل كثيرا وما أفسد ذلك الخلاف مودة الصداقة، ولكن المرء يتساءل مع ذاته، إذا كان بنكيران انهزم بتخلي إخوانه عنه، وانهزم الآخرون بتنازلهم على استقلالية القرار الحزبي، فمن المنتصر إذا؟ الجواب للتاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *