وجهة نظر

هل العلمانية حل لتجاوز صراعات الواقع؟‎

الكثير من الكتاب والساسة والمثقفين المحسوبين على المجتمع الإسلامي, يصورون من أنفسهم على  أنهم يستجيبون لومضات التي يبعثها المجتمع فتجدهم كل مرة في صراع ضروس إما مع مختلفي أيديولوجيتهم وبالأساس الإسلاميين أو صراع مع بعضهم البعض لأنهم ببساطة يحتكمون لأهوائهم ولا أحكام قرآن تجمعهم مع الأسف, وتجد أغلبهم تابعين لما يمليه عليهم الغرب من أفكار وعادات وعبث. ظهور العلمانية في الغرب كفكر إن ارتقى لمرتبته أو كأيديولوجية جديدة لم يكن بمحض الصدفة أو عن طريق الخطأ, بل التحضير له كان متقنا من أجل الحد من الاتساع الشاسع لفساد الدين الذي كانت تمثله الكنيسة ومنافسة رجاله للسلطة والتحكم فيها  والذي اعتبر البعض ذلك أنه ستكون قطيعة تامة مع الحريات ويفرض بذلك إتباع منهج غير تحرري عقلاني يحد من قيمتهم, يفرض ولا يأمر وتتغير طبيعة السلطة, لذا من هنا انبثق هذا الفكر المشوه العلماني بهدفه الأسمى هو فصل الدين عن الدولة.

لا يمكن أن ننكر نجاح العلمانية في الدول الغربية عندما أحدثت القطيعة مع المشروع الديني السياسي الفاسد و أحدثت بذلك حرية فكرية فاصلة الدين عن السياسة, تترك لأفراد المجتمع تبني أي معتقد كيفما كان وجعلت واجبها نحوهم هو حمايتهم لتكون بذلك دول ديمقراطية الأكثر احتراما لشعوبها, لكن ألم ينتج لنا هذا الفكر الجديد فسادا أخلاقيا محض ؟ فلو لازم الدين دوره الأساسي الإصلاحي ما كانت ستنبثق لنا هذه المشاكل المجتمعية من قبيل زواج المثليين وممارسة الجنس على الحيوانات والدعارة المقننة وأشياء أخرى ؟ المجتمع العربي اليوم يختلف عن المجتمع الغربي, لا يمكن أن نسقط نفس التجربة لأن التاريخ مختلف, فالمجتمع العربي الإسلامي يحكمه منذ البداية القرآن والسنة, والرسول عليه الصلاة هو أول من أقام دولة إسلامية حقيقية, وعندما نتحدث عن الدولة الإسلامية لا نقصد بها دولة تحدث خصاما مع الغير المسلمين, أو التي تتبنى مواقف العنف والقتل والإجرام, لكن هي التي تحكم بما أنزل الله دستورها الأول القرآن الكريم وبعدها القوانين الوضعية التي تكون مطابقة للتشريعات الإسلامية, و لعل في حكم  الرسول تم إبرام معاهدة مع اليهود بعد هجرته إلى المدينة  وفي أول بدايته, والتي تضمنت عدة بنود والتي توضح بالملموس واليقين على استحضار فكرة التعايش عند الرسول صلى الله عليه السلام, فهل كان علمانيا ؟

الفكر الإسلامي يعيش نوعا من الضعف نتيجة الهجمات المتكررة لا من أبناء الجلدة أو اليهود التي دوما تدسس المكائد من أجل إضعافه أكثر فأكثر, فأبناء الجلدة تشبعوا بفكر دخيل حتى صرت تجد الواحد من الحركة الإسلامية يقول ربي الله وديني الإسلام  يدعوا إلى علمانية الدولة, ويمثله في هذا كبار التحريفيين من أمثال عدنان إبراهيم ومن يشبهه ويتخذ منهم قدوة, فلا غريب في تراجع لمستوى التأثير الإسلامي في المجتمع مادام لدينا من يبارك للباطل وهو يعلم أنه باطل, ويغض بصره عن الخير وهو يعلم أنه خيرا, فكيف اليوم أن لا تكون لأبناء الحركات الإسلامية مواقف مشرفة حول فلسطين والقدس, ولعل الكثير لا يعرف حتى ما يجري هناك ولا يطلع على جديد قد يحدث, وهذا يمثل تيارا من العبث, لأن التغيير الإسلامي التي كانت تدعوا له بعض الحركات في الخارج أي المجتمع صار لزاما عليها أن تدعوه في الداخل مع أبناءها.

الفكر العلماني اليوم أثر كثيرا في المجتمع الإسلامي وكانت بدايته منذ سماح المواطن للقنوات العمومية اقتحام بيته وأسرته وخدش الحياء بين بعضهم البعض, ويدفع على ذلك الدراهم في نهاية كل شهر, حتى تغيرت المفاهيم وأشكال اللباس والأعياد, حيث صرنا نصادف أعياد حب و مرأة وأم أسرة. لقد استطاع أن  يزعزع إيمان الفرد وبذلك تمكن من  أن يجمع شتات تيار اختار أن يتخلص نهائيا من الموروث الديني كما يسميه وطقوس لا يدري ما الهدف منها لأنه لم يستشعر قيمتها بعد فخلق لنفسه اسم الملحد وعاش على وهم أنه ملحد متحرر, وتياره الذي  يؤمن بالدين ويمارس شعائره لكن يرفض اقتحامه للسياسة, فتفاعل مع التيار الأول  وتبنى مواقفه كي يضمن لنفسه الوجود فصار الصراع قائما بين صنف إسلامي وصنف انصهر فيه الملحد مع العلماني, فتدخلت جهات بعلمانيتها وفكرها المشوش ولم تساند مع من تقاسمها المرجعية وقد تكون في بعض الأحيان مختلفة المرجعية, وإنما غيرت المفاهيم لذا من يدعون المرجعية الإسلامية, فأصبح مصطلح الإرهاب قتلا ودمارا بعد أن كان مدلوله في القرآن دالا على الالتزام بكل أوامر الله جل وعلا التي تحض على العدل والإحسان وتنهى عن الفحشاء و المنكر والبغي, وأصبحت ” الصحوبية” انفتاحا وبداية طبيعية للزواج والجنس حرية, فتداخلت الأمور فيما بينها, ونتج لنا هذا صراع بين الإسلاميين أنفسهم فصارت هناك طوائف, كل بشيوخه وكتبه وعوالمه, ويطعن في الأخر, والعلمانية تحقن الإنسان وتزيد وتتوسع.

إذا كانت العلمانية طرفا في الصراع وأحدثت لنا تناقضا مجتمعيا ملموسا, وصراعات طاحنة على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي, فكيف تصور لنفسها أنها ستكون حلا خالصا لتجاوز الأزمة, و ادعاءاتها على أنها منهج جديد في الحياة والمجتمع وطريقة غير تقليدية معاصرة مدنية تسعى إلى القطع مع الماضي وتجاوز صراعاته وتقبل مختلف الأفكار وتضمن حرية المعتقد وتتبنى مفهوم الإنسانية وهدفها من كل هذا تجاوز صراعات الواقع, يطرح السؤال الآن كيف وصلنا إلى هذا الواقع ؟

عندما نتحدث عن واقعنا نكتفي وفقط بالحياة اليومية وهذا هو عين  الصواب, نساؤل أنفسنا اليوم من أي استدمنا فكرة حرية الجسد ؟ فحتى في العصر الجاهلي وقبل مجيء الإسلام التاريخ يقول بأن هذا الأمر لم يكن مطروحا مطلقا وإنما كانت هناك أشكال من التبرج الجاهلي تقل حدة ما نصادفه اليوم في الجامعات والمدارس التعليمية, والتي عقبتها خروج مصطلح الأمهات العازبات وارتفاع معدل الأبناء المتخلى عنهم و الاغتصاب, و ظاهرة المثليين ألم تصلنا شرارته من الدول الغربية حتى بدأت تظهر لنا اليوم أجناسا تتمايل تحسبها رجالا وما هي بالرجال, تفتخر على أنها كذلك, حيث أحدثت لها جمعيات تهتم بشؤونهم وتدافع عنهم أخلاقيا, في انتظار مطالبة بقانون يعترف بهم ويترك لهم حرية الزواج وإنشاء مستشفيات توالد خاصة بهم لما لا. هذا الواقع الذي أسرده أليس مشوها وسيحدث لنا ميوعة وانحلال أخلاقي وصراع مجتمعي, هذا يكفي دون الحديث عن ما هو سياسي وثقافي وما إلى غير ذلك. العلمانية لا ترفضها اليوم فقط النخبة المثقفة أو المنتمين للحركات الإسلامية وإنما حتى الأمي اليوم يرفض بأن يكون له مجتمع منحل أخلاقي يتمثل في جار له يعلن مثليته ويمارس شدوده أو يفطر رمضان بشكل علني, اليوم الذي ستتغير المفاهيم حتى عند الإنسان التقليدي العادي إذا تمكنت العلمانية منه آنذاك يمكن أن تتربع على عرش المجتمع, فأما اليوم ليس بعد, قد تصادف في طريقك سكيرا يفعل جميع المنكرات ويسأل الله التوبة وإذا أراد أن يتزوج أحضر والديه وتزوج على سنة الله ورسوله, وهذا قمة الخير التي تنعم بها المجتمعات العربية وأخص هنا المجتمع المغربي.

ببساطة أقولها اليوم, لتجاوز صراع الواقع وجب تجاوز الفكر العلماني وعدم السماح له باقتحام مبادئ وقيم الفرد, وخوفي من علمانية الإسلاميين أشد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *