وجهة نظر

3 أسباب تدفع واشنطن إلى الرهان على علاقات استراتيجية مع المغرب

سارع السفير الأمريكي بالمغرب، السيد  داويت بوش، مباشرة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء 9 نونبر، إلى إرسال إشارات طمأنة للدولة المغربية، حيث أكد، أن العلاقات بين بلاده و المغرب ستبقى قوية بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية.

صحيح أن علاقات الرباط و واشنطن لم تعطي الانطباع  بتحالف قوي في عهد الديمقراطي أوباما، حيث خفت البعد الإستراتيجي و طغى تباين وجهات الطرفين بخصوص مجال حقوق الإنسان و نزاع الصحراء المغربية.

ورغم القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وحال الضبابية التي ما زالت تبصم العلاقة بين البيت الأبيض و المملكة المغربية.

إلا أنني أستطيع القول، أن هناك 3 أسباب رئيسية  تدفع صانع القرار بالبيت الأبيض إلى التسليم بحتمية الحفاظ على علاقات مغربية أمريكية  قوية  و إستراتيجية :

– 1 –  التفوق المغربي الإستخباراتي و الأمني على الصعيد الدولي

جاء التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في شهر يوليو الماضي، سنة  2017 ، معبرا بجلاء عن تثمين الإدارة الأمريكية الحالية لجهود المغرب و دوره الفاعل في مكافحة الإرهاب، حيث أكد أن المملكة شريك للولايات المتحدة، يتميز باستقراره في شمال إفريقيا، و يعمل على استفادة الدول الصديقة من خبرته و تجربته في المجال الأمني.

وأبرز التقرير أن المملكة المغربية جعلت مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتها، أظهرت على أرض الواقع قدرتها على مواجهة التهديد الإرهابي، حيث نجحت في تفكيك العديد من المجموعات الإرهابية المرتبطة بالشبكات الدولية لتنظيم داعش و القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي و جبهة النصرة.

وشكل الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي انعقد على هامش أشغال الجولة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مناسبة لتأكيد التعاون الوطيد القائم بين واشنطن و الرباط في مجال مكافحة الإرهاب، حيث صادق هذا الاجتماع على إطلاق مبادرة بشأن معاملة المتطرفين العنيفين المحليين بقيادة البلدين.

وتميز هذا الاجتماع بإعادة انتخاب كل من المغرب و هولندا لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب برسم ولاية جديدة من سنتين، و هو ما يمثل شهادة بليغة على الثقة التي يضعها المجتمع الدولي في المقاربة المغربية لمكافحة الإرهاب و مساهمته القيمة و الحاسمة في هذا المجال.

هذا التفوق يجعل من المغرب شريكا استراتيجيا استثنائيا، لأبرز الفاعلين على الساحة السياسية  الدولية، و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

-2 –  بروز المغرب كقوة اقتصادية رائدة و مؤثرة على الصعيد الإفريقي

بفضل الدبلوماسية الاقتصادية الحكيمة التي أنتهجها المغرب اتجاه إفريقيا في السنوات الأخيرة و التي قادها جلالة الملك محمد السادس بعبقرية فذة وحنكة عالية ، أضحى المغرب اليوم فاعلا اقتصاديا رائدا على المستوى الإفريقي. حيث أبرم المغرب أزيد من 590 اتفاقية بينه وبين العديد من البلدان الإفريقية، منتهجا إستراتيجية اقتصادية يمكن وصفها ب “دبلوماسية العقود”، بنجاعة عالية.

كما عرفت المبادلات التجارية بين المغرب و البلدان الإفريقية تطورا ملحوظا، إذ ارتفعت بمعدل سنوي وصل إلى 13%  في المتوسط لينتقل حجم المبادلات خلال 2015 إلى أزيد من 36 مليار درهم، ما يمثل 6,4%  من الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية للمغرب من الخارج، في حين لم تكن هذه النسبة تتجاوز 4,6%  قبل عشر سنوات.

كما عرفت الاستثمارات المغربية في إفريقيا، خاصة في بلدان جنوب الصحراء نموا مهما. حيث تمثل الاستثمارات المغربية في هذه المنطقة 88 % من إجمالي الاستثمارات المغربية بإفريقيا، و حوالي 54,3% من إجمالي الاستثمارات المغربية بالخارج. و وصلت تدفقات الاستثمارات المغربية نحو إفريقيا إلى مليار و 637 مليون درهم، و أصبح المغرب، بفعل استثماراته بإفريقيا خلال السنوات الأخيرة، يشكل المستثمر الثاني بإفريقيا و الأول بدول إفريقيا الغربية.

وعندما نتحدث عن إفريقيا، فإننا نتحدث عن قارة ضخمة بكل المقاييس، بجغرافيتها المترامية الأطراف، بساكنتها المتنوعة الأعراف و اللغات. بمناجمها و ثرواتها الطبيعية الهائلة، بموقعها الجيواستراتيجي الذي يجعل منها معبرا لتيارات السلع و الرساميل و الخدمات، و بسوقها الداخلي الذي تقدره المعطيات الإحصائية بأكثر من ملياري نسمة في أفق العام 2050.

هذه الخصائص الاستثنائية للقارة الإفريقية تشكل جاذبية مغرية للدول الكبرى، و تدفع إلى تسابق دولي كبير إليها، من أجل ضمان موطئ قدم بنقط تمركز هذه الثروات، و فتح الطريق أمام الشركات التجارية الكبرى لتحصيل حصص معتبرة بسوق داخلي يتزايد بوثيرة متسارعة، نتيجة التمدن الكثيف الذي تعرفه القارة، و انبعاث طبقات متوسطة متناهية قلبا و قالبا مع نموذج الاستهلاك الغربي.

هذا ما دفع المغرب إلى إنشاء محطة ” الدار البيضاء فينانس سيتي”، والتي من مهامها استقطاب الاستثمارات العالمية، و تزويدها بالبنية التحتية و بالمعطيات التي تمكنها من تعظيم أرباحها بإفريقيا.

والمغرب هنا يوظف موقعه الجيواستراتيجي المتميز ليكون نقطة عبور الاستثمارات الأوروبية والأمريكية و الخليجية، المتطلعة لتمويل مشاريع استثمارية بقارة إفريقية.

وهكذا أضحى المغرب، بوابة الاستثمار في إفريقيا، تتطلع الدول الكبرى و الصاعدة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لخلق علاقات جيدة معه، لضمان موطئ قدم لشركاته داخل السوق الإفريقية.

-3 –  الموقع الجيواستراتيجي للمغرب:

صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، كغيرها من الدول العظمى. يدركون جيدا أن المغرب يتميز بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، يتموقع من خلاله و بشكل حتمي في قلب التحولات الجيوإستراتيجية القائمة على الصعيد الدولي. حيث تتواجد المملكة المغربية على أبواب جنوب أرويا، 142 كيلومتر فقط تفصله عن أرويا. بالتالي فهو يهيمن على واحد من أهم الممرات المائية العالمية “مضيق جبل طارق”، و الذي يشكل ممرا أطلسيا هاما نحو حوض المتوسط، و كذا ممرا مائيا استراتيجيا بالنسبة لأروبا و الولايات المتحدة الأمريكية.

كما يشكل المدخل الشمالي لإفريقيا، القارة الخام أو قارة المستقبل، و هو أيضا مدخلا غربيا للعالم العربي و الإسلامي، و تطلق عليه الإدارة الأمريكية اسم  (منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ). كما أنه على مشارف بلاد الساحل و الصحراء الكبرى، هذه المنطقة تشهد اضطرابا متناميا قابلا للانفجار، نتيجة تعاظم نشاط الجماعات الإرهابية و الجريمة المنظمة كمافيا المخدرات عبر القارية.

إذن، التموضع الجغرافي الإستراتيجي للمغرب، يهيئه ليكون لاعبا بالغ الأهمية في الترتيبات الجيواستراتيجية القائمة، في أفق بناء النظام العالمي الجديد، على أنقاض النظام العالمي الوحيد القطبية الذي يهيمن على العالم منذ انهيار حلف وارسو.

“نظام عالمي متعدد الأقطاب” محوره وسط المحيط الهادي، “بين شرق آسيا و أمريكا”، عوض المحور الأطلسي “بين أمريكا و أرويا”. بناء النظام العالمي “متعدد الأقطاب” سيرتكز على قوى عالمية كبرى، في مقدمتها ( أمريكا، الصين، روسيا )، بالإضافة إلى قوى جهوية و إقليمية .

وهنا أستحضر قولا شجاعا لجلالة الملك محمد السادس: “المغرب ليس حديقة خلفية لأحد”. و هو ما يلخص السياسية الخارجية الذكية التي ينهجها المغرب في السنوات الأخيرة، سياسة مبنية على الانفتاح  بشكل متوازن على كل القوى الدولية و الجهوية و الإقليمية.

وتبقى “مصلحة المملكة المغربية، في قلب أي معادلة دولية مستقبلية”

ــــــــــ

يوسف القياس / باحث في العلاقات الدولية​ جامعة  Clermont ferrand​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *