وجهة نظر

الثورة السورية بين سوتشي وجنيف

سوتشي أم جنيف؟ السؤال الدائر بين السوريين الآن سواء المتصدرين للساحة السياسية والثورية وغيرهم ممن يتابعون الأحداث عن بعد. وأصبحت المقارنة بين مسار جنيف ومؤتمر سوتشي تشغل السوريين وتشعل مواقع التواصل الاجتماعي وغرف المحادثة التي تجمعهم ويتبادلون من خلالها الآراء والنقاشات. الأسئلة الملحة حاليا هي أيهما أفضل لنا ولحل قضيتنا سوتشي أم جنيف؟ وأيهما القادر على إنفاذ ما يتم الاتفاق عليه هل مسار الجعفري المندوب عن بشار أم مسار بشار الذي يتم تحريكه بالريموت كنترول الروسي؟

من الإنصاف أن يكون هذا السؤال حديث الساعة خاصة بعد أن سلم كثير من السوريين رايتهم للدول التي دعمت وجودهم وبقاءهم في المنصات الدولية فضلا عن المؤسسات الثورية السورية.

في الوقت ذاته لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون النظر في المشهد العام لحال الثورة الآن، ومحاولة طرح السؤال المشروع الذي يجب أن يكون هو الدائر بين السياسين الذين يمثلون الثورة السورية وهو كيف يتم تحقيق النصر المطلوب للثورة؟

المشهد الواضح الآن في الثورة السورية التي كعادتها متفرده ومتميزه عن باقي ثورات الربيع العربي أنها الثورة الوحيدة التي لم تنتظرها الثورة المضادة حتى تحقق نجاح أو إنجاز حتى تنقض عليه، بل تسللت الثورة المضادة إلى كيانات ثورتنا ومؤسساتها بشكل تدريجي حتى أصبح صوت الثورة المضادة جزء أصيل من الثورة بل أصبح في كثير من الأحيان هو المحرك للمؤسسات الثورية حتى غدا أن المحرمات الثورية أصبحت مباحة ومن يتكلم ويتقدم الصفوف الآن للحديث باسم الثورة، لو تم طرح إسمه من عام فسيتم اتهام من طرح اسمه بالخيانة والعمالة.

نتج عن هذا المشهد المشوه حالة من الإرتخاء في المواقف الثورية السياسية والإستسهال للذهاب إلى الأراء الديمستورية السهلة أو الأفكار البوتينية النيرة، وأًصبح الأن الخلاف على أيهما أجدى.

المشهد اللافت أن الأدوات السياسية في يد الثورة تفقد رونقها بشكل تدريجي فضلا عن الهدر الملحوظ في الرصيد الثوري والأدوات التي تمكنهم من الجلوس على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يهدد وجود الكيانات الثورية التي يتم القضاء عليها من قبل الثورة المضادة الساكنة في مكاتبها والجالسة على كراسيها حيث أصبح لها جزء أصيل في التأثير في العقل الجمعي لثورتنا وتملك سيطرة على القرارات العرجاء التي تخرج منها.

من الطبيعي وقتها أن لا تعطيك جنيف شيئا كما عبر عنها ديمستورا حين قال “أن المعارضة لا يوجد لها دعم دولي” ولما يكون للمعارضة دعم دولي إذ هي ذاتها تتحول بشكل تدريجي لتذوب في النظام ومشاريعه وتسير بخطى تغير اللافته مع البقاء على ماهو قائم وكل ثورة والشعب السوري بخير.

بهذه الصورة دعت روسيا إلى سوق سوتشي التي ستدعوا له حسب ما توارد من أخبار ليس أقل من ١٠٠٠ سوري من كافة المشارب والمأرب والأزقة زاعمة بذلك أنها جمعت الفرقاء على طاولة واحدة ووقتها يخرج أهل الطاولة يخططوا ما يريدون لمستقبل سوريا.

المقدمات تدل على النتائج وتشير إليها، كيف لهذا العدد أن يتفق ومتى يتكلم ويعبر عن رأيه؟ ومن يحق له أن يتكلم ومن يجب عليه أن يسمع ؟ ومن الذي سيزن الكلام ويقرر الصواب من الخطأ؟ من المؤكد أن الميزان سيكون في يد الداعي الذي يمثل دور الراعي المحايد وهم الروس.

الجلي الواضح الآن للثورة السورية أن المجتمع الدولي وفي المقدمة من يدعي صداقة الثورة السورية قرروا الموت السريري للثورة على طاولة ديمستور أو التسليم بما تقرره روسيا عبر مسرحية سوتشي.

هذان الخياران هما المختلف عليهما بين معظم السياسين. هذا هو السؤال الحرام على الثورة وثوارها: سوتشي أم جنيف؟ أما السؤال المشروع الغائب فهو ما الذي يجب أن يقوم به الثوار الآن ليحافظوا على ثورتهم؟

الإجابة رغم صعوبتها إلا أنها تشكل الجزء الأكبر من ضمير هذا الشعب الثائر وهي أن يأخذ زمام المبادرة بنفسه عبر مؤتمر سوري ثوري يضع مقررات واضحة لكل من يتفاوض ولا يترك المرجعية لأية جهة أخرى، فالمرجعية هي الشعب الثائر وليس مندوبي الدول في المؤسسات الثورية.

الهدف من هذا المؤتمر ليس إنشاء منصة تفاوض جديدة، وإنما أن يكون المرجعية الحاكمة لكل من يريد أن يتفاوض، وأن تكون مخرجات هذا المؤتمر هي الدستور الحاكم لكل من يمثل الشعب السوري الثائر.

ومن يخرج عن مخرجات المؤتمر الذي اتفق عليه جل الثوار فلا يمثل الثورة ولا ينتمي لها وتكون بوصلته أقرب لمن وضعوه في موضع التفاوض ولا يمثل إلا نفسه.

هذه هي الخطوة العاجلة الأولى. أما الخطوة الثانية فهي تطهير المؤسسات الثورية والتمايز بين الثوار ومدعي الثورية، وبين الثورة والثورة المضادة ، وبين من يعمل لمصلحة الشعب والثورة السورية ومن يجلس على أي طاولة بصفة المندوب عن الدولة صاحبة النعمة عليه وأن الجنسية السورية بالنسبة له هي جواز السفر الذي يتيح له الجلوس على هذه الطاولة وتحقيق أجندات بعيدة كل البعد عن الثورة وأهدافها وإن أظهر عكس ذلك.

أما الخطوة الثالثة فهي أجندة عمل ثورية واضحة لها مسارات متعددة من ثورية وسياسية وعمل جماهير مستمر أما بالدعم أو الضغط من أجل الحصول على الحقوق الثورية.

وقتها لن يطرح سؤال سوتشي أم جنيف فلن يكون عندنا مشكلة في الذهاب إلى سوتشي أو جنيف أو حتى نذهب فيهما معا، وقتها نستطيع أن نملي شروطنا دون تنازلات، ووقتها ستسير عجلة التفاوض بشكل حقيقي على فرض أنه من المنطقي أن تفاوض شخص على أن يعترف بجرائمه ويترك منصبه على طاولة المفاوضات.

نهاية أيها الشعب العظيم إذا أردت أن تحافظ على ثورتك فيجب أن تسهر عليها وترعاها حتى لا تسرق منك بليل وتضيع وقتها تضحياتك من شهداء وتشريد وتعذيب.

ــــــــــــــ

سلوى أكسوي

نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *