منتدى العمق

الجشع العقاري

الجشع العقاري أصله محتكر عقاري وهو كائن بشري يعيش بين ظهرانينا، له يدان وعينان، يأكل ويشرب، ينام ويصحو، يكره لكنه لا يحب أبداً، يمتاز بروح جامحة في الجشع، ورغبة كاسحة في التملك والاستحواذ، مثال صارخ للانتهازية والوصولية، يتاجر بالمال والأخلاق وحتى الإنسان، يتواجد في أحيائنا وبيوتنا وحقائب أطفالنا، يتغلغل في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية والإنسانية، ليفسدها ويطفئ دفئها، الكثير من حالات الطلاق والتمزق الأسري على إثر حالات شجار حادة بين زوجين كان خلفها محتكر جشع، ففي ليلة مشؤومة، يشتد النقاش بين زوجين، يعلو صوتهما حتى يكاد الصوت يخترق مساحات شاسعة من الفضاء الواسع من شدة الانفعال، لولا أن هرع أحد الجيران وحال بينهم لا كانت ستحصل كارثة إنسانية بالمنطقة …

وكل ما تبقى من الحوار : « أبي لا تضرب أمي» تستغرب الأم : « تضربني بعد هذا العمر الطويل..؟! » يتراجع الأب، ويجلس على الكرسي بما يشبه الارتطام، يطلق زفرة عميقة: «قاتل الله الظروف، ومن تسبب بهذه الظروف»، تلك لقطة مباشرة وحيَّة لما يجري في كواليسنا، وداخل بيوتنا الغامضة والمغلقة، وعادة ما ينشب هذا الشجار الأسري حول أمور الحياة ومقتنياتها الضرورية، كالملبس والمأكل والمشرب، فغلاء المساكن على سبيل المثال، وارتفاع قيمة الكراء المضطرد، وعدم قدرة الأسرة على مواكبتها والإيفاء بمتطلباتها، جعل الأسرة تجنح إلى التقشف الحاد مما قد يؤثر على احتياجات أفراد الأسرة، فينشب الخلاف بين الأب والابن حول توفير المستلزمات المدرسية، وبين الأب والأم حول مشتريات البيت التموينية، فتنشأ على إثرها العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية العميقة، التي تؤثر تأثيراً بالغاً على المجتمع، بكل شرائحه وأطيافه، وخاصة الطبقة المتوسطة، باعتبارها الطبقة التي تثري المجتمعات والشعوب بالعمال، والكتَّاب، والفنَّانين، والصنائعيين، والمهنيين، والمدرسين، والمهندسين، والباعة، والكادحين، هذه الطبقة هي العمود الفقري والركيزة الأساسية التي تنهض على أكتافها الشعوب، والأمم الحية و المنتجة والفاعلة في رسم المستقبل، والعبور بالمجتمعات نحو آفاق رحبة، فأي هدم لهذه الطبقة هو هدم للمجتمعات، ونكوص خطير في وعيها وتقدمها وتطورها، إن إشباع الغايات والرغبات الموضوعية والمشروعة، من شأنه أن يعزز انتماء الفرد بالمكان، وعندما يتعزز الانتماء، فإن الفرد ينتج بأقصى طاقاته، ويبدع بأقصى ملكاته.

إن القضاء على الاحتكار وغيره من الظواهر الفاسدة المنتجة للفقر وغيره لأمر ضروري لا بد منه لضمان حقوق الإنسان، وهو أيضاً أمر لا بد منه لتحقيق التنمية وإحلال السلام. ولذلك، يتعين الآن على الحكومات اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحويل تلك الوعود إلى واقع ملموس. وفي هذا المسعى تكمن رسالة كل مسؤول .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *