مجتمع، وجهة نظر

إمكوسا .. أو عندما “يتمرد” الأمازيغ على أحكام الإرث بالتعصيب

محمد ألمو*

نظام الإرث في الفقه الإسلامي الذي أخذت عنه مدونة الأسرة جميع أحكامها المنظمة لهذه المسألة، أثار ولا زال يثير العديد من الاشكالات لـ “عدم انسجامه” مع ظروف العصر وخلقه لأوضاع لم تعد البنية الاجتماعية الحالية تستوعبه.

ولعل أكثر ما يثير النقاش حاليا، مسألة الإرث عن طريق التعصيب الذي يقوم على نظام توريث الأقارب الذكور إذا لم يكن للهالك ابن ذكر، وكم من منزل سكني شُتت على رؤوس ساكنيه فقط لأن مالكه السابق لم يترك ابنا ذكرا يحجب الإخوة أو الأعمام ويحول دون استحقاقهم لنصيبهم في الارث.
طبعا، سيقول قائل إن هذا النظام قائم على مبدأ الحماية والاحاطة الذي يجب أن يسود في مجتمعاتنا الاسلامية، لأن الاعمام أو ابنائهم هم السند المفترض للبنات اللواتي يجبرهم رحيل الأب على اليتم مما يكونون معه في حاجة إلى الاستعانة بأقاربهم الذكور لتوفير الحماية، واتمام عملية الإشراف على أمورهن لن يتأتى إلا بتمكينهم من نصيبهم من الإرث.

اشتغلت على هذا الموضوع بعد أن شاركتني جمعية نسائية مشهود لها بمسارها النضالي التقدمي في مجال حقوق المرأة، في الورش الذي فتحته حول موضوع الإرث وما يطرحه من إشكالات مرتبطة بسؤال المساواة بين الرجل والمرأة. حاولت وأنا أعد مساهمة في الموضوع البحث عن صدى نظام الإرث بالتعصيب في الثقافة الأمازيغية للإجابة عن سؤال التضاد أم الانسجام.

في البداية انطلقت من منهجية مفاهيمية عبر البحث عن مقابل بعض الكلمات من قبيل؛ الورثة – الإرث – الوارثين بالتعصيب … لعلي أجد مفاتيح أو مداخيل تمكنني من فهم طبيعة تعاطي الأمازيغ مع نظام للإرث “لا يحقق مبدأ المساواة”.

أثناء اشتغالي تبادر لذهني بيت شعري تغنى به الكثير من نجوم الأغنية الأمازيغية أمثال رويشة محمد وآخرون. وهي قطعة متداولة منذ زمان لدرجة أنه يجهل مصدرها ومبدعها. كثيرون استمتعوا بترانيم ادائها وهي تتحول كطائر من لحن إلى لحن ومن موسيقى إلى موسيقى ومن مبدع إلى آخر، دون البحث حول ما تعكسه من تصورات لموضوع الإرث بالتعصيب، وما تحمله من مفاهيم تشكل نوعا من التضاد وعدم استيعاب الامازيغ لأحكام التعصيب لدرجة اطلاق اسم “إمكوسا / المنتزعين” على الوارثين بهذا النظام وهو جمع لاسم فاعل لفعل “اكاس” بمعنى أزال أو انتزع، إذ نقول مثل إكاس أزرو أي اقتلعه ونزعه بالقوة، كما يطلق أيضا على وصف حالة نزع الحقوق من أصحابها. اكساس تيكمي نس. امساس تزلا نس. اكساس ايدا نس …

وكلها مفاهيم تستعمل للتعبير عن الاوضاع السلبية التي تقوم على النزع واستباحة حقوق الاخرين. اذ اعتبر هذا البيت الشعري الوارثون بالتعصيب أي إمكوسا بمثابة مهاجمين يترصدون بأموال وممتلكات الشخص الذي لا يخلف في ذريته ابنا ذكرا وينتظرون لحظة خروج روحه بفارغ الصبر وهم في وضعية تاهب قصوى للانقضاض على أمواله، لذلك خاطبهم البيت الشعري في شطره الثاني “باعصيبن”، مستعملا مصطلحا معربا للضرورة الشعرية وللإشارة لوضعيتهم الفقهية في نظام الارث، داعيا اياهم الى التريث على الاقل الى حين ان يجف التراب فوق مرقد الهالك.

كان حال لسان الشاعر يتنبأ بمصير بنات الهالك اليتيمات.

وختاما إليكم البيت الشعري مع ترجمته للعربية:

Dand imkkusa qbal ad iffagh ruh amudin

Ayi3sibn gas iwryaz at nissikl wachal

جاء المنتزعين قبل أن تفارق الروح المريض

أيها العصبة دعوا الرجل على الأقل حتى يلتئم التراب فوق مرقده.

* حقوقي ومحامي بهيئة الرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عمي الحاج
    منذ 6 سنوات

    مقال يتحدث عن جزء من الواقع فقط ، ويتغاضى عن بقية الصورة . فالأمازيغ معروف عنهم حرمان النساء من الإرث بصفة عامة ، وهو طبعا أمر مخالف للشريعة ، حيث نجد مثلا أنه حتى الأب يعمد إلى تقسيم أملاكه على أبنائه الذكور دون الإناث وهو على قيد الحياة ، أو يعمد أبناؤه من بعده إلى تقسيم الإرث بينهم دون النساء ، لأنهم يعتبرون منحهم هذا الحق فتحا للباب أمام رجال آخرين (أزواج البنات) للتدخل في أملاك العشيرة . وهذا شيء معروف وكان أساس محاولة الاستعمار الفرنسي إقرار العرف في ظهير 1930 . أفلا يحق القول بعد هذا أن الشريعة أرحم بالمرأة من بعض الأعراف القبلية الظالمة .

  • جمال شمسي
    منذ 6 سنوات

    أنا لم أقرأ المقال لأن عنوانه منكر وبهتان ترمون به الأمازيغ،الأمازيغ هم من اعتنق هذا الدين ،الأمازيغ هم من وطدوا حكم الإسلام في المغرب والأندلس،الأمازيغ في سوس ودادس هم من حافظوا على هذا الدين ليصل إلينا اليوم فلولا فقهاؤهم وأئمتهم ما انتشر الإسلام ،أتظنون ان جامعة القرويين والعباس السبتي هم من حافظوا على هوية المغرب الدينية.أتظنون أن أحمد عصيد ومليكة مزان وبعض الأفراد يمثلون هوية الأمازيغ،هذا بهتان تريدون به قمع حق أغلبية في الحصول على حقوقها اللغوية والثقافة ومحافظة على دينها.خطابات الكراهية بين الفئات التقدمية العلمانية من العرب والأمازيغ ستشعل نار الفتنة في المغرب هذا ما يريده نظام حاكم فتح لكم منابره الإعلامية وقلدكم مناصب سامية وجعلكم أيقونات للضلال.لا حول ولا قوة الا بالله ،نساله ان يرد كيدكم كما بدأتموه ويمحقكم.