أدب وفنون، مجتمع

الحسناوي .. قصة مخرج من الرشيدية بدأ هاويا وحاز جوائز دولية

مخرج مغربي ابن الرشيدية، يؤمن بالفِعل والإسهام في السيرورة المجتمعية عبر الكاميرا، طوع الكاميرا لتكون صوت لإبراز الموروث الثقافي والإنساني للمنطقة، ذاع صيته من خلال أفلام وثائقية قارب فيها مواضيع مجتمعية عديدة، تبحث في واقع الإنسان والمجال بالمنطقة وطرق تحسينه…خاليد الحسناوي.

الرشيدية، مَدينَة العرْضِ السِينمائِي الأَولِ، ذَلك مَا طَبع ذاكِرة السِينما بمَنطَقة تافِيلالْتمُنذ مُنتصَفِ القَرن الماضِي، مع سِينما “الواحة” أو “المْيرْ” كما ألِفَ الرشداويينَ تسْميتهَا، نِسبَة إلى لقَبِ صاحِبها الذِي ذاعَ صَيْته وارْتَبط بقاعَة السِينما الوحِيدة التي حَازت شرَفِ عَرْض أفلامٍ عَديدةٍ لأول مرةٍ بالمَملكة آنذَاك.

سِينمَا “الواحة”، التي أغلقَت أبوابَها إلى غَيْر عَودةٍ منذُ بدايات التسعينات منَ القرن المنصَرم، كانَت لهَا اليَدُ الطولى في انْفتاح أبنَاء المِنطقة على قِيمِ الحَداثة وَالتطَور، ومسْرحاٌ للنقاشِ المُؤَطَر من طرَف أسَاتذةٍ ومُتخصصِين في مَجالاتٍ عَديدةٍ.

رَابِط هذه الرُقعة الجُغرافِية بالسِينمَا، انْقَطَعَت أوصَالُه مُنذ ما يَقْرب الثلاثَة عُقودٍ، إلا مِن بعْض المُحاولات الفِكرية والثقافية للتشْخيص وَوَضْعِ الوَضْعِ مَحَطَ نقاشٍ وتبادل للأفكار، دون أن تجد لها تفعيلا في الواقِع، ولا تَحَرُكا فعليا من طَرف الهيئاتِ المدَنية والثقَافية التي عَاصَرتْ “سينِما المير” وظَلَتْ تَرْثِي هَذهِ الحَالِ في كل مناسَبةٍ ذات صلة.

مُبادراتٍ سِينمائِية منْ نَوعٍ آخر

قليلٌ همُ الذين نذروا مساراتهِم المِهْنية للفِعلِ السينمائي أو ما يَرْتبط به بالجَنوبِ الشرْقي، يَتناقَص العددُ في جُغرافية جِهة دَرعة تافيلالتْ، ويَزيد انْخفاضا بإقليم الرشِيدية؛ هُنا حَيْثُ بَرَزَ اسمخاليد الحسناوي، مُدير شركة للإنتاج السمعي البصري، الذي صَعدَ سُلم النَجَاحاتِ والإنجَازاتِ في مَجَالِ الإخْراجِ السينمائي، في أقلِ من عِقدٍ من الزَمن، وبشَكل عِصامِيٍ.

مَسارُ الإخْراج السِينمائي لم يكن بادِياً منذ أولَى سنوات الحسَناوي الدراسية، أو عَلَى الأقَل، لمْ يظْهر كاخْتيارٍ دراسيٍ، فَلقَد شَغفتِ الكامِيرا ومُعداتُها الحسناوي حُبا، بينَما شقَ طريقَ دِراستِه الجَامعية في إدارة تكنولوجيا المعلومات، بَعد تخصصٍ في العلوم التجريبية؛ وقَرر-في مرْحلة أولى من حيَاته أنْ تكُون -الهواية للأولى والامْتهانَ للثانية-؛ هِي مَجالات لا تقتَربُ حتى مِن دائِرة حُلم الصِبا الذي طَالما ردَدَه الحسناوي في سَنواتِ عُمُره الأولى عند سؤاله عما يوَد أن يَكونَه عِندما يكْبر؛ فيأتِي جَوابَه سريعا؛ العَمل صيدَلاني.

الحسناوي، لم يكنْ يَعْلم أنَ القَدَر يُهيئ لَهُ مَوعدا مع سطوعِ اسْمه ورَبْطه بِمجَال الإخْراج السِينمائي بَدءاً بالهِواية وصُولاً إلى الاحْتراف وَحَصَدَ جَوائِزَ وانجَازات مُختلفةٍ وعَديدَةٍ، وكان لهُ رأي آخر بَخصُوص مَجالٍ سيَتَمَهَرُ فيهِ ويُمسِك بخُيوطِه، ويَجعَل مِن “هواية” تعَلق بها ومارسها في أوقات فَراغِه، التي كانَت مُتوافِرة بكَثرة في مدِينة لا تُحقق –عبر مرافقها-رهانَ اسْتغلالِ البَياضاتِ اليَوميَة بأقْصَى اسْتفادَةٍ مُمكِنة، (يجعل منها) مِهنة إبدَاعِية تُطلق الإرهاصَاتِ الأولى لعمَل سِينمائي مِهني بالإقليمْ.

“أرْكَالْ” و “بَامسْعود” و “المرْأة الحَديدِية” بداياتُ الحَسناوي

قضَاء الحسناوي لأغْلبِ أوقَاتِ فَراغِه داخِل مُختبر للتَصويرِ، وانْغماسِهِ في مَجالِ التَصْويرِ ومَا يَرتبِط بهِ مِن تقنياتٍ، دَفع حَياتهِ لتسْتحيلَ مُفْعمَةٍ بِحُب الهِوايةِ، وأنسَاه حُلم الطُفولةِ وأدارَ طَريقَهُ في التَعلِيم العالِي إلى وِجْهةٍ غيرَ إدارةِ تكنولوجْيا المَعلومَاتِ، وكان بدايةٍ لمسَارٍ سِينمائيٍ سَيتُرجَم لأَعْمالٍ لا تَتَجاوَزُ ثالوثِ التَوعِيةِ والتثْقيفِ وإبْرازِ مَا تَركَ الأجْدادِ.

كانت أولَى بَنَاتِ أفكَارِ الحَسناوي، فِيلمٌ وثائقِي يَحْكِي عن مَاهيةِ القَفلِ الخَشبي القَديمِ ورَمزِيتَه لمِنطَقة تَافيلالت، شَريط رصد مراحل صُنع القَفلِ الخشَبي التقليدي، وَطَرائق استعماله، ثم عَرض سُؤالاتٍ حولَ أهَمَيةِ الحِفاظِ عليهِ كمُكونٍ ثقافِي بالمَنطقَة.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/02/62cfb7c4-9772-41ce-980b-07177f448a960143ff790b7b.jpg
الفيلمُ نالَ ثِقَةَ لجْنة التَحكِيم في المِهرجانِ المَغارِبي للفِيلمِ الوَثائقي العِلمِي بِمدينَة مَدنينَ التُونُسية، وحَازَ المَركزِ الأول، إلى جانب حَصْدِهِ للجَائزة الثانية في الدورة الثالثة للفِيلم القصير والصورة الفوتوغرافية بالرشيدية، كما حَظِي بجائزة مَركزِ الجزيرة الإعْلامي للتَدريبِ والتطْوير فِي الدورة السادسَة للمِهرجانِ الدُولي للفِيلمِ الوثائقِي بمَدينَة خريبْكة.

ثَاني أعمَال خاليد الحسناوي، كانَ فِيلم “بامسعود”، الذِي هُو عِبارة عن بُورتريه لرَئيسفِرقة تُمارس الفنَالكناوي بالرشيدية، يَتطرقُ لحيَاتهِ وبدايَاتِ فنٍالكنَاوة فِي المَنطقة.

“بامسعود” معلم كناوي مدغري، يَعكسُ بكل وضوح عبر سُلوكه وحَركاته وطريقة حَديثه ولبَاسِه، تجلياتِ الامْتدادِ الافْريقي بالمَغربِ، والمادَة السِينمَائِية التِي تدورُ حوْلَه، تَبرُزُ مَكانة المُكونِ الكْناوي في الثقافَةِ الفيلالية بالمَنطقة، ودَورُه في إغْناءِهَا.

ثالثُ إنجازاتِ الحسناوي في صِنفِ الفيلم القصير، يَأتي “المرأة الحديدية”، الذِي يَحكِي قِصَةَ سِيدة في عِقدِها الخامِسِ، وجَدت نَفسَها مُضطَرة لمُمَارَسَةِ حِرفَة هِي في الأصْل تُحتكر من طرف الرجال، حَيثُ انقطَعت خِلال حياتِها الزوجية إلى تَعلُمها من زوجها بين الفينة والأخرى، إلى أن امتهنتها بعد وفاتها رغبة منها في الكسب الحلال للقمة العيش.

الفِيلم صَنَفَته لجْنة تَحْكيم بَرنامَج “قمرة” الذي بَثتهُ القنَاة الفَضَائية MBC 1، فِي رَمضان ما قَبل المُنصرِم، في المَركزِ الثاني خلال الدورِ الأولَ مِن المُسابقَة.

فِيلم بُشرى “أحلام مُرحلة” يسْتمِر في حَصْدِ الجَوائزِ الدَوْلية

بِداية سَنة 2016 سَيكون خَاليد الحسناوي، على موْعِدٍ مع أول تجربة للفيلم الوثَائقي المُطول، حَيثُ انَتقَل إلى مِنطَقة (بني كيل) نَواحي مَدينة بُوعرفة الواقِعة علَى بُعد حَوالي 300كلم من عاصِمة الشَرق، واختارَ أنْ يَنقلَ مُعاناةِ الرُحلِ وأطفالِهم مَعَ حَياة التَنقلِ، وجَعل أطْوارَه تدورُ حول طِفلةٍ في رَبيعها الثامِن، تعيشُ حياةِ الكِبارِ وهي مازالَت في عُمُر الزهورِ، وتًمارسَ مَهام تتكرر يَوميا لا تَتَناسَب مُطلقاً لا مَع بِنيتها الفيزيولوجِية ولا مع عُمرها.

الفيلمُ، حمل مكابدة الطفلة “بشرى” من أجلِ مساعدَة أبوَيها فِي توْفير الكَلأِ والماءِ للماشِيةِ وإعدادِ الطعامِ لأفرادِ عائلتها، ونَقَلَ في غِير ما لقْطَة ابْتسامةَ “بشرى” الخجُولة، ورُوحِها المَرِحةِ ومُحاولاتِها الحَثيثة في اقتِناصِ وقتِ لِلَعِبِ، حيثُ كانت في الفيلم نَموذَجا لواحِدة مِن الأطفال الذِين لمْ يُكتب لهُم أن ينعموا بِبَحْبُوحَةِ العيْش، ولم يَعْرفوا مَعنى لِلْجُلُوسِ في مقاعدِ الدِراسَة أو السَكنِ في مأوىً لائِقٍ.

ناقَشَ الفيلم “بُشرى، أحْلامٌ مُرحلة” سؤالَ التمدرس والحُصول على التطبيبِ والسكن واللعب، لأطفال الرُحلِ، وقَارَبَ الموضوعَ مِن خلالِ حَالة “بُشرى” التي لمْ تُساعِدها ظُروفَ أبويْها في اكتِشافِ حياةِ ساكِنة المُدنِ، لكنَه ظلَ يُظهَر ملامح الفرحِ والسرُورِ، التي لازَمتِ البَطَلة بشرى رغْم بؤسِ الطَبيعَة وشَظفِ العَيشِ.

حاز الفيلمُ الوثائقِي المطول الأول للحسناوي، المركزَ الثانِي لِمِهرَجان “كام” السِينمائي الدولي للأفلام السينمائية التَسجِيلية والقَصيرةِ بمِصر في دورته السادسَة، والجائزة الأولى للمهرجَان المغَاربِي للفيلْم الوثائقي والعِلمِي، فِي دَورته الرَابعة بمدينة “مدنين” التونسية، كما حَصَل على جَائِزة الإخْراج بمِهرجان زَاكورة العربي والافريقي للفِيلم الوثائقي، وحَظِي بِتنويهِ لجْنة التحكيم في المُسابقة الرَسميِة للفيلم الوثائقي بمهرجان تطوان الدولي لسِينما البَحر الأبيض المتوسط في دورته الـ 23.

لَمْ يَقِفْ حَصَادُ الفيلم عندَ هاتهِ المِهرجانات، بلْ امْتدَ إلى الظَفَرِ بجائزةِ أحسَن سِيناريو بمِهرجان تطاوينَ الدولي في دَورته الخامِسة، وجَائزة الإخراجِ بالمِهرجَانِ الوثائِقي لِحُقوقِ الإنسانِ بكلميم، وجائزة الجمهور بالمهرجان الدولِي الوثائِقي لِفيلم المَرأة بالدارِ البيضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *