تناول اللوز جريمة لا تغتفر، ورفض صرف الطالب منحة دراسية مسألة فيها نظر

تداول “نشطاء” على الفيس بوك في الآونة الأخيرة، فيديو يظهر فيه رئيس جهة درعة تافيلالت السيد لحبيب الشوباني في اجتماع وهو يتناول “اللوز والكركاع”،ويسرد في نقط الدورة التي همت الجهة، والتي صادق على ما يقرب من 80% منمقترحات تقدمت بها الأغلبية في دورة استثنائية. الاجراءات والمقترحات همتدعم المناطق النائية التي تعاني من ندرة في المياه، وكذا دعم التشغيل الذاتي ومقاولات الشباب..
وكان المجلس قد قرر، في سابقة، دعم الطلبة الجامعيين في وضع هش بمنح دراسية جامعية تصل قيمتها 2000 درهم شهريا، لكن المقترح الغي بقرار غير معللمن طرف وزارة الداخلية.
الفيديو الذي ظهر فيه الشوباني خلف استنكارا واستهزاء لبعض المتابعين على التواصل الاجتماعي، بداعي أن الرئيس لم يحترم تقاليد المجلس وأحاسيس الجالسين معه، وكذا “مشاعر” المتابعين عن بعدبما أنه لم يكترث لمشاعرهم وهو يأكل اللوز والكركاع..
لكن لنر المسألة من زاوية المحلل الذي ينأى بنفسه الانحياز لأي جهة، ويحتفظ بوجهة نظر محللة محايدة، فنعددما لهذا الرجلوما عليهمقارنة بغيره في نفس المرتبة والمهمة التسييريةمن خلال هذه الورقة التحليلية:
1:\ عندما اقتنى السيد الشوباني سياراته السبع، ذات الدفع الرباعيكنت شخصيا من أشد الناس تذمرا من هذه الصفقة التي بلغت قيمها 284 مليون سنتيمات آنذاك. يومها عبرت عن غضبي الشديد في تدوينات صريحة، وفي مناقشات داخلية وتنظيمية. وآليت على نفسي أن أصارحه بما شاج في خاطري إذا ما التقيته مرة أخرى( علما أنه كان قد سبق وأن زارني، وهو وزير في العلاقة مع البرلمان رفقة زميله المكلف آنذاك بالميزانية السيد ادريس الأزمي الادريسي في بيتي قبل هذا بسنوات)..
لكن، هل الشوباني وحده من قام بابتياع سيارات جديدة لمصالح الجهةبمجرد أن انتخب رئيسا في زمنه؟
لنر ما تقوله قصاصات الأنباء، مثلا، عن الياس العماري :
في موقع la depeche du nordيذكر أن “أكدت مصادر من مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، أن إلياس العماري اقتنى خمسة سيارات من نوع « داسيا لوكان » وسيارتين من نوع ” داستر “. والمجموع هو نفسه. والجميل أن رئيس جهة الشمالقصد الصناعة المحلية للتزودبما يلزم..
لكن، ما تضيفه la depecheبالقول: اقتناها بهدف وضعها رهن إشارة ملحقات مجلس الجهة، التي ليس لها وجود على أرض الواقع”. يعني تم شراء هذه السيارات لمصالح هي ليست موجودة بعد، بقيمة لم يصرح بها لأحد..بخلاف مجلس الشوباني الذي اطلع فيه الأعضاء على القيمة والصفقة ووافقوا عليها..
وبإمكاننا أن نتخيل مصاريف سيارات موضوعة رهن مصالح الجهة، هي في الأصل غير منجزة .
ثم يضيف الموقع نفسه : “وحتى مقر الجهة الذي تم اكتراءه من صاحبه المحسوب على الأصالة والمعاصرة السيد(ب.)- تجاوزت مصاريفه،ل 17 شهرا،القيمة المرجعية الحقيقية بمرات عديدة..
2:\ حسب ما أكدته مصادر من جهة درعة تافيلالت دخلت السيارات المبتاعات حظيرة الجهة وليس منزل الرئيس. فالسيارات السبع هي الآن رهن اشارة الخدمة، في منطقة هي الأصعب تضاريسيا ومناخيا بالمغرب لما يعرف عنها من صعوبة وقساوة لا تخطئهاالعين المجردة.
واليوم، إن كان الرئيس منحزب العدالة والتنمية فغدا لا نعلم أي حزب سيترأس الجهة. ولكنالذي نعلمه علم اليقين أن السيارات هي الآن في الحظيرة ورهن الخدمة للمجلس وليس لنسوة الأعضاء وأبنائهم..
لكن مع ذلكشددنا بالقول حينها : كان الأجدر بالسيد الرئيس التقشف في الأمر ،والتوجه ناحية الصناعة المغربية المحلية وعلى رأسها سيارات “دوستر- كما فعل السيد الياس العماري – مثلا لتزويد حظيرة الجهة،إن كانت في حاجة إليها،تستلزمها الجهة كوسائل لوجيستيكية ضرورية ..
3:\ لا أحد سمعناه أورأيناه ينشر صورة نجل ابن رئيس جهة الشمال، وهو يتسلم “هدية” ثمينةعبارة عن سيارة فاخرة من “bmw”،قيمتها 50 مليون سنتيما، (أو) مشيرا إلى الوزير المليارديرمولاي احفيظ العلمي (وهو)يمنح “زعيم البام” خلال حضوره هذا الحفل،حفل زفاف نجل العماري، غلافا بداخله مفتاح السيارة من ذات النوع الفاخر. يعني (50 +50=100مليون سنتيما)إضافة إلى ظرف آخر يحوي مبلغا ماليا مهما.” (يعلم الله كم بلغت قيمته )حسب موقع برلمان.كوم. بمعنى أن الأمر تجاوز قيمة السيارات السبع “الشوبانية “.
لا أحد نشر في مواقع التواصل الاجتماعي هذا”الحدث”، ولا أشار اليه ولا علق عنه ساخرا أومستنكرا..كما سخروا واستنكروا من “لوزات وكريكعات”الشوباني..
هنا تحضرني قصة إبل ابن عمر التي اشتراها من ماله الخاص فبعث بها الى البادية للرعي حتى تسمن فيعيد بيعها قصد بعض الربح.
قال الحافظ بن عساكر في “تاريخ دمشق”: عن عبد الله بن عمر قال”اشتريت إبلا وارتجعتها إلى الحمى.فلما سمنت قدمت بها-(يعني المدينة المنورة) قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق، فرأى إبلا سمانا. فقال: لمن هذه؟ قيل: لعبدالله بن عمر. قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر، بخ بخ ابن أمير المؤمنين. قال: فجئته أسعى، فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما هذه الإبل؟ قلت: أنا اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال، فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله بن عمر، اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين .”
“اغد على رأس مالك،واجعل باقيه في بيت مال المسلمين” أي خذ رأس مالك حين تبيع وأجعل الفاضل من الربح في بيت مال المسلمين..مع العلم أن ابن عمر لم يتسلم الأبل هدية، ولااستحوذ عليه بطريقة من الطرق المشبوهة..ومع ذلك أمر أمير المؤمنين باستخلاص رأس ماله الحر وايداع الفاضل منه ربحا في خزينة الدولة ،”لشبهة” انتساب الولد الى رئيس الدولة، وتخصيص عامة الناس لهبخدمة خاصة أثناء الرعي، والسقي لإبله من دون ابل العامة مما حرمه الاستفادة من النفع العائد بعد البيع..
هذافقه عمر بن الخطاب في درءالشبهات،طبقه في الولد قبل الرعية..
فماذا فعل الياس بالهدية الممنوحة له ولابنه من وزير،أخذ قيمتها من مال عام، من ضرائب عامة المواطنين فجعلها “هدية “بغير حق في يد مسؤول؟ ”
قد يقول قائل: لكن هذه هدية،والرسول صلى الله عليه وسلم قبل بالهدية وأوصانا بها : “تهادوا تحابوا”
صحيح، لكن يخرج من هذا الاستحباب الموظفون والعاملون والقضاة والأمراء والولاة وجميع المسؤولين صغرت مهماتهم في الدولة أم عظمت وذلك سداً لذريعة الرشوة، والشاهد على ذلك حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبى حُمَيْد الساعدى رضي الله عنه قال: (استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللُّتْبِيَّة, فلما جاء حاسبه, قال: هذا مالكم, وهذا هدية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلَّا جلستَ في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كُنْتَ صادقا؟! ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله, فيأتي فيقول: هذا مالكم, وهذا هدية أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقِيَ الله يحمله يوم القيامة, فلَأعرِفَنَّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء (صوت)، أو بقرة لها خُوار, أو شاة تيعر (تصيح), ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت) رواه البخاري . وفي رواية مسلم..
هذا هو ديننا وهذه هي سياستنا الشرعية التي بها تقدمنا في زمن العزة.
وهي السياسة التي أصبح اليوم ينتهجها غيرنا في الضفاف الأخرى عند الأمم المتطورة المحترمة لنفسها ..فمعلوم أن أهل الغرب الذين يتصدرون المشهد الكوني الآنويتحكمون فيه،توجيها وتسييرا،جعلوا لأنفسهم قانونا “اخلاقيا” قبل أن يكون تنفيذيا بشأن هذه “الهدايا”الثمينة التي يحصلون عليهامن ساسة ديكتاتوريين بالعالم الثالث تحديدا،والذين يغدقون على حكام البيت الأبيض وعواصم الدول الأوربية النافذة بهدايا نفيسة تقدر بملايير الدولارات يأخذونها غصبا من شعوبهم المحتاجة ويقدمونها لهمك”رشاوى” مقابل شراء صمتهم بازاء جرائمهم المنكرة، حتى يضمنوا مصالحهم الشخصية، وأموال شعوبهم المنهوبة المهربة الى أبناك سويسرا، هؤلاء القوم\الغربجعلوا ضمن بنود دساتيرهمقانونايمنع عليهم الاحتفاظ بمثل هذه الهداياذات القيمة المالية العالية درءا للشبهات، تماما كما فعل عمر بن الخطاب بابنه. لذا يتوجب عليهم تسليمأي هدية ثمينةلخزينة الدولة. ويحق لهم الاحتفاظ بتلكالتي لا قيمة لها إلا رمزا.
3 \ وعودا على بدء لفيديو لوز الشوباني وكركاعاته التي كان يمضغهاخلال دورة المجلس أمام الكاميرات ب”لا حياء”، قال الرجل حين سئل: لم كنت تأكل اللوز والكركاع؟وف جوابه في تواصل مع الناس على الوسيلة ذاتها للوسائط الاجتماعية، قالبأن من عادة المغاربة أكل الكركاع واللوز في المناسبات الاجتماعية. واجتماع مجلس الجهة مناسبة وعمل، و تناول اللوز بشفافية ووضوح،كما باقي أعضاء المجلس أمر عادي، عادة مغربية أصيلة، “جريا على عادة المغاربة أكلنا اللوز..ولكننا لا نأكل أموال الشعب”.
“لا نأكل أموال الشعب ” هذا هو مربط الفرس..
وللحقيقة. الذين تناولوا أمر “اللويزاتو”الكريكعات”في الفيديو سخرية واستهزاء، فأرادوا جعلها قضية\ فضيحة كفضيحة “شكولاطة” الوزير المنتدب عبد العظيم الكروج زمانها،في عهد حكومة عباس الفاسي، هؤلاء “البابارتزي” لم ينتبهوا لمسألة أساسية وللفروق الواضحة وهي أن الوزير “الحركي” كان يبرمج ميزانية هامةلشراء الشوكولاطة خاصته من ميزانية الوزارة ووفق هواه، كما فعل لحبيب المالكي حين كان وزيرا للتربية الوطنية بميزانية الورود، وهو الشيء الذي افتضح أمره حين قام بتسديد فواتيرها،أي الكروج، ساعات قبل تبادل السلط مع محمد مبدع، في زمن رئاسة عبد الإله بنكيران.
ألم ير هولاء “البابارتزي” أعضاء حكومة بني صهيون وهم يجتمعون على مائدة العمل كيف يتناولون حلوياتهم، ويحتسون مشروبات مختلفة مذاقها، من قهوة ساخنة مخزنة في أباريق موضوعة على الطاولة أثناء العمل الى مشروبات أخرى؟..
ليس العيب أن نجعل على طاولات العمل محفزات :مشروبات وأكلات خفيفة ومكسرات لذيذة، لكن العيب أن تنزلق الأمور الى ادراجها كميزانية قارة.. وفي البال قصص غريب البنود غير مبررة في مجالس جماعات من طينة” ميزانية “كفتة” بغل الجماعة، و”سفانج” الفطور و”فاخر” الحفلة التي قدرت بعشرات الملايين من السنتيمات في ثمانينيلت وتسعينيات القرن الماضي”.
الى الذين تناقلوا فيديو “اللوز والكركاع “أهمس في أذنهم:
ليس العيب أن تأكل اللوز بشفافية وأمام الكاميرات المثبتتة في قاعة الاجتماعات ولكن العيب أن تأكل أموال الناس بالحرام.
ليس العيب أن تأكل الكركاعوأنت تعمل ولكن العيب أن تبدد ثروة البلاد وأنت مسؤول وشاهد على المنكر فلا تتصرف بإيجابية.
ليس عيبا أن تأكلهما معا وأنت رئيس مجلس جهة أدرجت بندا في ميزانية الجهة تخصص لفقرائها من الطلبة الجامعيين، الذين لم تسعفهم الظروف للحصول على
المنح الجامعية فقرر المجلس تخصيص ما قيمته12مليون درهم لفائدة 1400 طالب، أي بمنحة 2000 درهم شهريا ، لكن وزارة الدخلية، وفي سابقة خطيرة ،سارعت الى الرفض والتشطيب على هذا البند بدعوى “تبذير المال العام”..
فالمساهمة بمنح لفقراء الوطن هو في نظر وزير الداخلية تبذير للمال العام، وجريمة شنعاء ارتكبها الشوباني بإدراجها في قانون مجلس الجهة يستدعي التشطيب والالغاء من طرف الوزير.
هذه لم يرها “الباباراتزي” ،ولا ألقى لها بالا، ولا استدعى تثبيت موقف.. ولا رسم كاريكاتور أو ابتكار فيديو واحدسخرية واستهزاء بهذا الفعل الشنيع..
لكن تناول اللوزاتوالكركعات كانت في نظر “البابارتزي” أدعى الى السخرية والضحك ممن كان سببا في حرمان فقراء الوطن من حقوقه الانسان الطبيعية وفي مقدمتها في هذا العصر : العلم والمعرفة ..
*كاتب روائي
اترك تعليقاً