وجهة نظر

“ولولة” مجتمع !

عاد المغاربة إلى الاستنكار مرة أخرى بمواقع التواصل الاجتماعي #واش_ماعندكش_أختك.، وهي العبارة التي صرخت بها المسكينة. فبعد حادثة سيدي قاسم والاعتداء بالحافلة على فتاة، ها نحن اليوم أمام واحدة من فظائع مجتمعنا الذي لا نعلم إلى أين يتجه. ولاحول ولاقوة إلا بالله.

فيديو تظهر فيه تلميذة تصرخ، وعشريني يعنفها ويعمل على نزع سروالها، وصديقه يصور المشهد بكل بؤس. ثم تعلن مديرية الأمن مباشرتها تحريات دقيقة لمتابعة الظنين بمحاولة اعتداء جنسي كما جاء ببلاغ الشرطة. بعدها يدخل الملف المحكمة ويعاقب ويسجن كما وقع بحوادث قبلها. وتليها موجة نوم أخرى ومسكن آخر، فقد تحرك “عنترة” من أجل عبلة وانتصر ! ويا له من انتصار عظيم !

ولن يختلف اثنان في إدانة الفعل.

وانظر أيضا بلدنا ينهب ويسلب ويغتصب كل دقيقة على جميع النواحي !

إن فيديو الاعتداء يختصر فشل سياسات عمومية وقطاعية، ويأتي بعد فشل النموذج التنموي أيضا الذي أعلن عنه خطاب الملك بعدما كان ينعت من يقول ذلك بالعدمي والسوداوي، وكذلك هو نتاج منظومة مجتمعية نحن جزء منها جميعا، وكل يتحمل المسؤولية من موقعه، فالأستاذ والأسرة والدولة والمجتمع والإعلام والمدرسة..وكل وسائل التنشئة والتربية والمحيط وما يمكن أن يترك أثرا في نفوس الناشئة له حظ من هاته المسؤولية المجتمعية.

ويمكننا أن نتسائل بعدها، كم هي ميزانية وزارة التعليم وما خبره اليوم؟ وما حال ثقافتنا ومسارحنا ودور شبابنا؟ وأين هي الرياضة اليوم المدرسية والجامعية ؟ وما خبر الأحزاب والجمعيات والمساجد والزوايا كمؤسسات تنشئة مغربية كبر جزء منا فيها وعلى يديها وشكلت شخصيته؟

إن حادثة الاعتداء تلخص واقعا مأزوما، ويعيدنا إلى ما يتلقاه أطفالنا اليوم أمام التلفاز، وعلى الحاسوب، وشاشات الهواتف، وبالفضائيات والإذاعات والمدارس، وبالأحياء وعند العائلات، وبكل وقت وحين.

ولا حل إلا التربية أولا وثانيا وثالثا إلى مالا نهاية.

إن التربية أداة المجتمع لإصلاح أفراده، الذين لا يمكن أن ينبتوا في معزل عن الآخرين، وياتي هذا من خلال خلق بيئة مناسبة للعيش والإنسانية والحدوج الدنيا من القيم المتفق عليها والأخلاق العامة والسلوك المدني.

إن المجتمعات الحديثة فطنت لدور التربية فخصصت لها الخبراء والتقنيات والميزانيات، وركزت جهودها عناية واهتماما، وما وصلته المتطورة منها ليس من فراغ أو من ارتجال واستعجال، بل خطط مدروسة وصبر على المدى المتوسط والبعيد.

إن رهان تقدم وتطور أي حضارة مادية وأي بلد أساسه الإنسان، رقيه ومدى تحضره ووعيه ونضجه، وكل هذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال التربية التي تؤهله وتجعله يحس بالانتماء الاجتماعي، وترفعه إلى إنسانيته وتنتشله من دوابيته وبهيمية الحيوان، وتجعل منه مواطنا صالحا يميز ويفكر ويدبر ويعقل وله قلب.

إن كان لحادثة الاعتداء اليوم من حسنة، فلعلها صفعة توقظ نياما، وتشكل مرآة لمجتمع يجب أن يرى نفسه، وينتقدها ويأخذ المبضع بكل شجاعة وجرأة ويتسم بالصرامة الحانية الرحيمة، فكم من كسر في باطنه جبر ! يصلح أعطابه واعوجاجه وارتجاجه، ويواجه التحديات الحالية والمقبلة، وينبعث ويقوم وينهض لغد أفضل، أما “الولولة” بكل مرة كالعاجز دون فعل جاهز ناجز، فلا يكاد إلا أن يكون تنفسيا آخر، وحلقة من مسلسل توهم الدفاع عن الحقوق الذي أصبح حرفة قوم ينعقون مع كل ناعق بعيدا عن الرجولة المطلوبة وشجاعة الموقف.

إن حاجتنا اليوم إلى تربية خلقية، مهنية، عائلية، مستقبلية، وطنية، قانونية، وصحية ضرورة استراتيجية لكل الشعوب، كحاجتها إلى الأمن القومي، وابحث سيدي عن دورها في الإقلاع الاقتصادي والبشري ودورها في التماسك الاجتماعي وترسيخ القيم، ونتائجها في ريادة أي حضارة وقوتها. ولعل من أقدار هذا الحادث أن يتزامن مع حملة أطلقتها نساء مغربيات سمينها #أسرتي_جنتي تصف بعضا من دواء لأدواء، لا ينبغي أن نكتفي أمامها بالصراخ الغير المجدي أو ما أسميته الولولة !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *