وجهة نظر

الشعب الفلسطيني يواجه منفردا بشاعة العدوان الإسرائيلي

بعد مرور 70 عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( دجنبر 1948) وعلى تأسيس إسرائيل ( ماي 1948 ) في السياقات والظروف العالمية والإقليمية المعروفة للجميع، تعيش القضية الفلسطينية عموما، والشعب الفلسطيني خصوصا، ظروفا دقيقة جدا، زادتها سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتكاسة بدعمه الصريح والمكشوف للسياسات الإسرائيلية العدوانية، وقراره المناهض للشرعية الدولية بنقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة، لينضاف ذلك إلى نجاح إسرائيل وحلفائها في طمس القضية الفلسطينية وتغييبها عن أجندات الأمم المتحدة وأولويات السياسة الدولية، وتجاهل اتفاقات أوسلو ووأد ميلاد الدولة الفلسطينية المستقلة.

وبمناسبة الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية يخوض الشعب الفلسطيني شكلا نضاليا جديدا (“مسيرة العودة”) لإثارة انتباه الضمير العالمي والأمم المتحدة وسائر بلدان المعمور إلى تجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان وللشرعية الدولية في التعاطي مع قضيته والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في الاستقلال والحرية، وإقامة دولته المستقلة طبقا لقرارات مجلس الأمن منذ سنة 1948.

لكن في مواجهة هذا الشكل الاحتجاجي السلمي والحضاري قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة المحتجين بالرصاص الحي، الذي تم إطلاقه على المتظاهرين الفلسطينيين السلميين الذين شاركوا في تلك المسيرات، لإحياء ذكرى “يوم الأرض” (تسمية تُطلق على أحداث جرت في 30 مارس 1976، استشهد فيها 6 فلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، خلال احتجاجات على مصادرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساحات واسعة من تلك الأراضي). وكانت النتيجة في يوم واحد مقتل 18 فلسطينيا وإصابة 1500، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، خلال مسيرة “العودة”. وتحركت الآلة الإعلامية الإسرائيلية لنشر المغالطات التي سايرتها فيها للأسف وسائل إعلام دولية لم تلتزم الحياد والمهنية، وهكذا لم يحرك قتل 18 كائنا بشريا مسالما، برصاص حي، ضمائر الكثيرين، علما أن ما حدث مسٌ خطير بأحد الحقوق الأساسية للإنسان ألا وهو الحق في الحياة، الذي ورد في العديد من الصكوك الدولية. وخرق إسرائيل لهذا الحق ( الذي له سوابق كثيرة) واكبته دائما خروقات للقانون الدولي الإنساني في التعاطي مع الشعب الفلسطيني ونضالاته من أجل التحرر وإقامة دولته المستقلة ولكافة القرارات الصادرة عن مختلف أجهزة منظمة الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية.

وقد رصدت التقارير الدولية للعديد من منظمات حقوق الإنسان حول القضية الفلسطينية بانتظام، نوعية الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته وفئاته، والخروقات التي تمس حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية….. علاوة على السياسات التمييزية التي تضر بالفلسطينيين ومنها قتل مدنيين، بينهم أطفال، بصورة غير مشروعة، واعتقال آلاف الفلسطينيين ممن عارضوا استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي، واحتجاز المئات منهم رهن الاعتقال الإداري، يضاف إلى ذلك ما ترصده بانتظام تقارير منظمات لحقوق الإنسان عن استمرار تفشي التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية و المهينة للمعتقلين، وعدم مساءلة أحد عن ذلك، في خرق واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومواصلة السلطات الإسرائيلية تعزيز المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما يجدر التذكير بمواصلة القوات الإسرائيلية حصارها الأبدي للأراضي الفلسطينية، حيث أخضع سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 1.9 مليون فلسطيني، للعقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، والمحظور بموجب القانون الإنساني الدولي وما ينتج عنه من أزمات إنسانية خطيرة.

إضافة إلى ضرب حرية التنقل التي تقرها الاتفاقيات الدولية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(تحل هذه السنة ذكراه 70)، حيث ينتهك الحق في تنقل الناس والبضائع من خلال حصار منهجي في غزة وقيود مفروضة في الضفة الغربية، دون نسيان ما تفرضه السلطات الإسرائيلية من قيود مشدّدة على تنقل الفلسطينيين على أسس تمييزية مثل منع وصول السكان للأماكن الدينية وخصوصا في القدس.. وهي ممارسات تنتهك مضامين المقتضيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ولاسيما حرية ممارسة الشعائر الدينية.

وها قد عادت إسرائيل إلى إطلاق النار على محتجين سلميين عُزل في خرق صارخ لتقييد القانون الدولي لحقوق الإنسان عبر الاستخدام المتعمد للأسلحة النارية القاتلة ، إطلاق النار بقصد القتل، ولا شيء غير القتل.

وتجدر الإشارة أيضا إلى:

• الإجراءات الإسرائيلية التضييقية والتعسفية التي تطال ناشطي حقوق الإنسان والعاملين في المنظمات الإنسانية، مما يعد انتهاكا صارخا لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان؛

• اعتماد مجلس حقوق الإنسان، في 24 مارس 2016، ستة قرارات 4 منها في إطار البند 7 المتعلق بحالة حقوق الإنسان في فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة، إلى جانب البند المتعلق بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ومعالجة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتأكيد على الحق الدائم وغير القابل للتصرف وغير المشروط للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ومطالبة إسرائيل أن تكف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني ووقف كل ما تتخذه من تدابير تهدف تغيير الطابع المادي أو التكوين الديموغرافي أو الهيكلي أو الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة؛

• اعتماد مجلس حقوق الإنسان للقرار المتعلق بضمان العدالة والمساءلة لجميع انتهاكات القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ومطالبة إسرائيل بأن توقف فورا جميع أنشطتها الاستيطانية، وببحث آثار المستوطنات على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني.

إن ما قامت به إسرائيل من تقتيل عمدي لمدنيين عُزل يوم الجمعة 30 مارس 2018 أمام مرأى ومسمع العالم ( وبمباركة أمريكية عرقلت على صدور بيان عن مجلس الأمن) يُشكل ممارسات تخرق القانون الدولي لحقوق الإنسان وتستلزم المساءلة العاجلة أمام المحافل الدولية المختصة من أجل إنصاف الشعب الفلسطيني وإقرار حقوقه في الوجود والعيش الآمن والكريم ضمن وطن حر ومستقل طبقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وللقرارات الصادرة عن مختلف أجهزة الأمم المتحدة وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن منذ سنة 1948 إلى اليوم والتي خرج الفلسطينيون مسالمين لتذكير العالم أجمع بالنكبة التي حلت بهم وبحقهم في الوجود والاستمرار. ولابد من التذكير بما قاله وزير الخارجية الفلسطيني بعد مذبحة 30 مارس 2018 “إن فلسطين خاطبت المقررين الخاصين لحقوق الانسان والمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار ان ما قام به الجيش الإسرائيلي جريمة حرب”. وهي بالفعل جريمة تتبعها المساءلة وترتيب الآثار القانونية عليها.

فهل يلتزم العالم بالقيم العالمية لحقوق الإنسان، في الذكرى 70 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويسائل بالتالي السلطات الإسرائيلية ومسؤوليها وصناع القرار فيها عن إعطاء تعليمات إطلاق النار على مدنيين عُزل، ويسائل حلفاءها، وموفري الداعم اللامشروط لها، عن الجريمة الجديدة المرتكبة مجددا في حق الشعب الفلسطيني والعالم أجمع يخلد، طيلة سنة 2018، الذكرى 70 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *