وجهة نظر

المرابط ورفيقي.. والفهم المأمول

وجهت رسالة مفتوحة إلى الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي نشرت على صفحات هذا المنبر المنير يومه 03 أبريل الجاري وضمنت الرسالة ما غاب عنه وعن كل المختصين من السلف الصالح والخلف الغافل وقلت أنه إن استجاب ورد وأبدى رأيا حول ما ورد والمتعلق بضلالة زواج الصغيرة أطلعته وأهديته ما يدفع به عن نفسه وعن زملائه ممن يرون ما يرى وينادون بما ينادي وأعني مراجعة قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، ولن أنتظر إلى أن يتجاوب الشيخ أبا حفص وذاك مستبعد عندي لأن الفكرة بلغته ووعد بالنظر غير أنه لم يفعل ولن يفعل لأني لست ممن يعتبر رأيه وخلافه وحتى وإن وجهت رسالة مفتوحة لجنابه الكريم فسيكون كأنه لم يسمع ولم أقل وكل مغمور يسفه رأيه ويقلل من شأنه عند أمة ” إقرأ ” ونحن أمة لها ساسة وقادة ملهمون ولنا علماء ربانيون عاملون والصراحة أقول أنني أسمع جعجعة الكبراء غير أني لا أكاد أرى لهم طحنا، وقد كانت الأستاذة أسماء لمرابط قد استقالت من الرابطة المحمدية للعلماء بسبب موقفها من مسألة المواريث وكنت في سالف الأيام وأيام كانت الأستاذة أسماء تنشط داخل الرابطة قد أرسلت مواد علمية مضامينها مرغوبة ومأمولة وغائبة عن أطر الرابطة وشيوخها وكانت قضية المواريث والفهم المفقود والمأمول من بين ما بلغهم بدل المرة مرات وعوض المتابعات الهاتفية مخاصمات ومشادات كلامية ولو كانت الاستاذة أسماء تطلب بعض بريد المواطنين لتعالج ما مس نشاطها أو بعض نشاطها فلربما كانت وقعت على ضالتها وحين تحدثت كانت ستقول قال الله والمعنى كذا وكذا وقال الرسول والمعنى كذا وكذا وبالتالي يكون الأمر كذا وكذا.. فلن انتظر إذا إلى أن ينظر الشيخ المجتهد في مقالي لأن ذلك مستبعد وغير وارد ولن يبدل قراءة عمود في السياسة أو تعليقات المريدين على منشوراته وتغريداته ب ” خزعبلاتي ” بل أوجه إليه وإلى الدكتورة أسماء وإلى كل صاحب منبر وقلم ما جادت به القريحة بفضل من الله ورحمة حول الموضوع بل أزيدهم بيان مسألة تعدد الزوجات وما خفي منها وقولا فصلا فيما صار متجاوزا بسلطة ولي الأمر الذي رخص له رب المنبر أن يقيد المباح وليجبني الشيخ وكل شيخ ولتجبني الدكتورة أسماء وكل دكتورة ودكتور هل ما سيرد علم أم لغو وتهريج و إن كان فهل يخرج للناس حتى تعم الفائدة أم لا بد لصاحبه أن يكون صاحب شهادة ويلزم أن تكون له صفة ولا بد أن يكون مربوطا في رابطة ولو صح الزعم لكان ورقة بن نوفل رضي الله عنه أولى بالرسالة من سيد الخلق والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه إذ أن ورقة أكاديمي مطلع و قدوتنا المصطفى أمي لا يخط بقلم ولا يفهم رموز الكتبة والقراء.. ما سيأتي يثبت بالقطع أن الرجال ولا أقول الذكور ملزمون بالتنازل في أحايين كثيرة إن أسعفتهم الظروف الإقتصادية وكثيرا ما تسعف عن شيء من حقوقهم حتى تتعادل الحظوظ وتتساوى الأنصبة وتعدد الزوجات في حدود زوجتين ثنتين وليس أربع كما الفهم السائد.. اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد،

للذكر مثل حظ الأنثيين.. القوامة والدرجة

يقول الحق سبحانه في الآية 11 من سورة النساء ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) كثير من المختصين والمراجع يرون أن قاعدة ” للذكر مثل حظ الأنثيين” منصفة للجنسين وعادلة في كل الأحوال والظروف، ومنهم وهم قلة وبعد أن تغيرت الأحوال الإقتصادية والظروف الإجتماعية من صار يفسح المجال ويدعو إلى تكاثف جهود أهل العلم والبناء على بعض ما حفظ لنا، وقد أخذت بقول من يفسح المجال ويلتمس الدليل أو الإشارة وفتشت عن نصوص تندب الرجال إلى التنازل عن شيء من أنصبتهم للنساء فوجدت فيما صح عن سيد الخلق والمرسلين ضالتي كما وقفت على إشارة قرآنية في آية القوامة تلزم الرجل القوام بأن يتنازل عن شيء من حقه حتى تتعادل الحظوظ و تتساوى الأنصبة، ولو فعل الرجل وتنازل وآثر الأنثى على نفسه عند مصيبة الموت وفقدان العزيز لخفف من أثر الفاجعة عند المكلومة وبأسمى طريقة و لا شك أن الأخت ستستشعر أنها عوضت بأخ سمح معطاء حل محل الفقيد وهو لها أخ وأب، وستستشعر الزوجة أن زوجها سخي ودود وأن ابنها من أبيه وأبوه لها ابن وحبيب فتشتد الصلة وتتقوى الرابطة وتكون الرحمة والمودة والسكينة، وأي دعم نفسي أو مواكبة نفسية أو مساعدة إجتماعية أكبر مما في شرعنا القويم؟ ! كيف لا وقد أتاح الشرع للرجل القوام بل احتال له ليمكنه من التودد لمن يقوم عليه ويرعاه ويهمه أمره ويتوخى راحة باله وسكينة نفسه..

يقول المولى عز وجل في الآية 34 من سورة النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ) يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره للآية الكريمة: ( اعلم أنه تعالى قال ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ” وقد ذكرنا أن سبب نزول هذه الآية أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منهما بالآخر، أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهر، ويدروا عليهن النفقة فصارت الزيادة من أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر، فكأنه لا فضل البتة، فهذا هو بيان كيفية النظم. وفي الآية مسائل، المسألة الأولى، القوام اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها ). انتهى كلام الإمام الفخر،

نسجل إضافة مولانا الإمام ولا نقف بل نعمم فنقول أن المولى عز وجل قال ” بما فضل الله بعضهم على بعض” أي بكل ما يفضل به بعضنا البعض الآخر، كل ما نفضل به بعضنا البعض وقد ذكر هذا فضيلة الشيخ المهندس الدكتور محمد شحرور حفظه الله وجمع الأفضليات المتنوعة في ثلاث أساسية وسماها شروطا مؤهلة لدرجة القوامة وصفة الرجولة، أولها مادي والثاني إداري وأما الثالث فهو معنوي وقال فضيلة المهندس أن الرجل هو ذاك المخلوق المتمكن الحائز على الشروط المؤهلة.. وفعلا يمكن القول أن هناك ثلاث وزارات سيادية تقوم بشؤون الأسرة، الأولى وزارة الإقتصاد والمالية والثانية وزارة الحكامة والشؤون العامة والثالثة وزارة الود و الحماية، ومتى تمكن الرجل أو تمكنت المرأة من مقومات النهوض بالأعباء الوزارية كان قائما عليها أو كانت قائمة أو قيمة عليه وعند المبالغة والإكثار من القيام بشأن معين سواء تعلق بالبذل والإنفاق أو التسيير والتدبير أو التودد والحماية والصون صار الرجل قواما عليها في ذلك الشأن فوق قيم لأنه أكثر وبالغ أو صارت المرأة قوامة على الرجل لأنها اجتهدت وتفانت في القيام بشأن من الشؤون، ولكن عند التوسع في المعنى وعند القول أن الرجال قوامون على النساء ليس فقط بإنفاق ما زيد لهم في حظوظهم من الميراث ، بل قوامون عليهن بكل ما فضل الله به بعضهم على بعض تشتم رائحة تكرار – تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا – إذ البذل والإنفاق مشمول بقوله تعالى” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض” لأن القيام والقوامة معناها البذل والإنفاق فالرجل يكون قيما أو قواما في ناحية الإنفاق حين ينفق ويغدق، أي عندما يطال الآخر نفع من مال القائم أو القوام وليس فقط برصيده ذو الرقم الفلكي في بنك من الأبناك أو بوثائق إثبات الملكيات، ولما كان الإنفاق مشمولا بقوله ” بما فضل الله بعضهم على بعض ” يبدو للدارس أن المعنى تكرر في قول العلي المبين بعد ذلك ” وبما أنفقوا من أموالهم ” وقد تأملت وتدبرت ولم أجد إلا تصريفا واحدا لقول الحق سبحانه ” وبما أنفقوا من أموالهم” نخرج به من دائرة التكرار إلى خانة البيان، من الركاكة إلى البيان إذا لاحظنا أن هناك وجوها للإنفاق متاحة للرجل وغير متاحة للمرأة، والمعنى كما أسلفت يكون أن الرجال قيمون وقوامون على النساء والنساء قيمات وقوامات على الرجال بما فضل الله بعضهم على بعض أو بما فضل الله بعضهن على بعض، غير أن هناك موقفين يتيحان للرجل دون المرأة أن يكون قواما عليها، الموقف الأول عند إصداق العروس والموقف الثاني عند قسمة التركات وواضح أن الفرصتين متاحتين للرجل دون المرأة لأن المرأة تأخذ الصداق وليست تعطيه والمرأة هي من يقبل نصيبها الزيادة حتى تسوى الحظوظ، والمرأة كما الرجل يمكنها أن تنفق بل وتغدق بأن تهدي الرجل هدية أو تهبه هبة فتكون قوامة عليه في جانب الإنفاق ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ) الآية 228 من سورة البقرة، جاء في لسان العرب أن العُرف والمَعروف هو الجود وقيل هو اسم ما تبذله وتسديه، والمعنى أن الرجل معصوب بجبينه وفرض عليه أن ينفق ويعول ويمون وأما المرأة فجود منها وتفضل، الرجال قوامون على النساء والنساء كذلك قوامات على الرجال لكن هناك درجة تكليفية للرجال دون النساء ” وللرجال عليهن درجة ” وهي ما ذكرت عن فرصتي الإنفاق المتاحتين للرجال دون النساء، يتوجب على الرجل القوام إكرام العروس عند إصداقها حسب استطاعته وإن لم يتوفر سوى خاتم من حديد لا حرج عليه وهو القوام السخي كما يتوجب عليه التنازل والإيثار عند قسمة المواريث في حالة ما إذا كان غنيا ميسور الحال ومن تشركه في الميراث معدمة فقيرة وحظها إن استوفته ثروة بالنسبة إليها وبها تحل كثير من مشاكلها أما الذكر أو الرجل فقد تكون التركة كلها مهملة قياسا إلى ثروته التي جمعها بسعيه وكده..
أمر الآن إلى ما يؤنس في المقام من قول أشرف الخلق والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة “( رواه ابن ماجة وأحمد )

ورد في لسان العرب:
الحِرْجُ والحَرَجُ: الإِثمُ.
والحارجُ: الآثم؛ قال ابن سيده: أُراه على النسب، لأَنه لا فعل له.
والحَرَجُ والحَرِجُ والمُتَحَرِّجُ: الكافُّ عن الإِثم.
وقولهم: رجل مُتَحَرِّجٌ، كقولهم: رجلٌ مُتَأَثِّمٌ ومُتَحَوِّبٌ ومُتَحَنِّثٌ، يُلْقِي الحَرَجَ والحِنْثَ والحُوبَ والإِثم عن نفسه.
ورجلٌ مُتَلَوِّمٌ إِذا تربص بالأَمر يريد القاء الملامة عن نفسه؛ قال الأَزهري: وهذه حروف جاءَت معانيها مخالفة لأَلفاظها؛ وقال: قال ذلك أَحمد بن يحيى.
وأَحْرَجَه أَي آثمه.
وتَحَرَّجَ تأَثَّم.
والتحريج: التضييق.
وقيل: الحَرَجُ أَضْيَقُ الضِّيقِ.
وتَحَرَّجَ فلانٌ إِذا فعل فعلاً يَتحَرَّجُ به، مِن الحَرَج، الإِثم والضيق؛ ومنه الحديث: اللَّهم إِني أُحَرِّجُ حَقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأَة أَي أُضيقه وأُحرمه على مَن ظلمهما؛ وفي حديث ابن عباس في صلاة الجمعة: كَرِهَ أَن يُحْرِجَهم أَي يوقعهم في الحَرَج. قال ابن الأَثير: وورد الحَرَجُ في أَحاديث كثيرة وكلها راجعة إِلى هذا المعنى.

مقصود الحديث ليس البتة تأثيم وتحريم هضم حق اليتيم والمرأة وإلا فهل لا حرج في هضم حق الراشد والصنديد! انتهاك حقوق الآخرين كل الآخرين وهضم حق اليتيم والمرأة محرم في كل الشرائع والقوانين ومبغوض ويتحرج منه في كل المجتمعات، لكن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بلفظه ” اللهم إني أحرج… ” كأنه يؤكد ويشهد الحق سبحانه وتعالى أنه صلوات الله وسلامه عليه قد نهانا تصريحا وتلميحا عن أمور يُمس فيها حق اليتيم والمرأة أباحها الشرع بضوابط كأن يأكل الوصي من مال يتيمه ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰحَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ) الآية 6 من سورة النساء، أو أن تمتد يد الزوج إلى صداق امرأته ليس عن إضطرارولضرورة وإنما تطاولا وطمعا وسطوا ولو عن طيب خاطر ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) الآية 4 من سورة النساء ،أو أن يعود الرجل فيأخذ نصف ما فرض لإمرأته إن هو طلقها قبل أن يتماسا ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )الآية 237 من سورة البقرة ، ومثل ذلك أن يعمل أحدنا بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيضاعف لنفسه رغم أنه بوسعه أن يتنازل فتنتفع المكلومة ويكون لتنازله وقع حسن في نفسيتها خصوصا إذا كانت أو كن أحوج ما يكون إلى ما زيد لهن في حقوقهن ، ففي هاته الحالات وجب على الرجل أن يسوي الحظوظ على الأقل وذاك هو حق المرأة الذي يحرجه الحديث الشريف، أما إذا كان العكس وكانت شريكته غنية ميسورة بفضل كدها ونشاطها أو بفضل زوج غني سخي حق للرجل المحتاج ساعتها أن يضاعف لنفسه ولا حرج، والخلاصة أنه رغم أن الخالق الحكيم قد أذن للوصي أن يأكل من مال يتيمه وأذن للزوج أن ينفق من صداق امرأته وجعل له نصف ما فرض إذا طلق قبل المسيس وجعل القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن الحق سبحانه قال ( وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) وذاك حق بين واضح و مفروض لكن من استعفف ولم يقرب مال يتيمه فليتطوع وليتفضل وليترفع على أن ينفق على اليتيم من مال اليتيم نفسه بل ينفق عليه من ماله كما ينفق على عياله، قال الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا ) رواه البخاري، وذاك هو حق اليتيم الذي يحرجه رسولنا الكريم، بل وجب على الوصي إذا كان صاحب تجارة وأعمال أن يستثمر لليتيم ماله وينميه، وأما حق المرأة المحرج في الحديث فهو حقها في صداق معتبر حسب قدرة العريس الملزم إن استطاع أن يبلغ بها أعلى السنة والمحرج أيضا أن تطال يده فلسا واحدا مما كان فرض إذا تم الطلاق قبل المتعة ( وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ومحرج حقها أيضا في تسوية الحظوظ من المواريث إذا توفرت الظروف وفرضت الأوضاع .

من بين الأحاديث النبوية التي لها مضمون يفيد ويسند في المقام الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم والذي يقول فيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ( استوصوا بالنساء خيرا) أَوْصى الرجلَ ووَصَّاه: عَهِدَ إِليه، وتَواصي القومُ أَي أَوْصى بعضهم بعضاً فيكون المعنى بعد الإسقاط أنه من الواجب أن يوصي بعضنا بعضا عند مصيبة الموت وفاجعة فقدان العزيز بالتنازل للقوارير والرفق بهن و إكرامهن..

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي وصححه الألباني، وتنازل الرجل عن شيء من الميراث لأخته أو زوجته له وقع حسن في نفسية المكروبة وهو من الإكثار والمبالغة في الإهتمام والعناية واللطف بالمرأة وبها تتحقق وتتجسد قوامة الرجل في باب الإنفاق فيصير قواما فوق قائم وقيم وتكون له عليها درجة.. وجاء فيما رواه ابن عساكر أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ) وواهم من يعتقد أن الأنثى خصوصا إذا كانت معدمة محتاجة أنها ستستقبل قسمة للذكر مثل حظ الأنثيين بقبول وبصدر رحب وأنها لن تستشعر شيئا من المهانة والحيف ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الآية 16 من سورة الفجر، تلك طبيعة النفس البشرية وحتما ستستشعر أن القسمة غير منصفة وإن كانت قبل أن تطالها القاعدة وتطبق عليها تعتقد وتقول أن قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين قسمة ربانية وتتلو قول المولى عز وجل ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الآية 65 من سورة النساء.
بقي أن أشير إلى أن اللفظ القرآني جاء كما نعرف ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” حتى يعلم الذكر ويفهم الرجل أن حقوق الإناث والنساء مصونة محفوظة أيام كانت المرأة هي نفسها تورث وليس فقط لا ترث، هي نفسها ضمن المتاع إذا مات زوجها تصرف فيها الورثة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ) الآية 19 من سورة النساء ، لم يقل الرب المبين للأنثى نصف حظ الذكر وتكون وحدة القياس نصيب الذكر بل قال ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” وحدة القياس نصيب الأنثى ودلالة ذلك ومرماه أن حقوق الإناث محفوظة مصونة و حتى لا يأتي أحدنا فيقول ويعتقد أن لا حرج إذا احتاز نصيب من تشاركه أو تشاركنه بناء على أنه يعولها ويرعاها وماله مالها، وأنه قد ينفق عليها إذا لزم الأمر واستوجبت الظروف مالَه ومالَه – أي مالها في الثانية – بل ويضحي بقوت عياله ليعالجها من حالة زكام.. وحتى لو كان كما يقول وكان مثاليا وصادقا وأنجز وينجز ما يقول فبنص الآية لا يحق له بأي حال من الأحوال أن يضم إلى حقه ويحتاز نصيب الشريكة أو الشريكات، أو قد يقول مثلا كيف يكون لأختي نصيب تتصرف فيه كما شاءت وزوجها مبذر ومسرف بل وسفيه سكير وسيسطو على نصيبها يوم تسلمها له، أو قد يسفه أخته ذاتها ويقول هو الحجر.. ولسد الباب وغلق المنافذ جاء اللفظ كما هو! بل المعنى كذلك أنه حتى لو تنازلت له عن نصيبها برضاها بل وأصرت وألحت فلا يجوز له أن يقبل عرضها وتنازلها ويكون بموقفه قد أكرمها ولم يهنها.. نعم، لا يجوز بأي حال من الأحوال طوعا ولا كرها أو خداعا كما يحصل حين يمتزج الطوع والكره والمكر والخداع، عندما تتنازل الأخت لأخيها عن نصيبها قانونيا وبلا رجعة مخافة أن يتحدث الناس عن أخ تفلتت منه أخته وخرجت عن طوعه وعن النظام، أو عن أخت شذت عن العادة وحوطت ما كان من المفروض أن تتنازل عنه لأخيها أو إخوتها..أو ربما قالوا أخذت ما لإخوتها ووضعته في جيب زوجها ذاك الذي يتوجب عليه هو أن ينفق عليها وينعمها، لست أدري كيف ينظر للموضوع عند بعض أفراد المجتمع الأردني ومجتمعات أخرى، غير أني شاهدت حالة في برنامج بث على قناة فضائية، سيدة أردنية تنازلت لأخيها أو إخوتها عن نصيبها قانونيا بعد أن أفهمها أو أفهموها وعاهدوها على أن يعيدوا لها تحت الطاولة ما صار ملكا لهم بالقانون وأن المسألة فقط صورية لسد الأفواه وحفاظا على الصورة والنمط، وبعد أن استجابت المسكينة الضحية لما أملاه أو أملوه عليها ” قُلبت عليها الطاولة ” وعوض أن تتسلم عشرين ألف دينار وهو قيمة نصيبها حسب قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين تبرع الأخ الكريم أو الإخوة الأسخياء بعشر المبلغ فقط، وإن لم تخني الذاكرة الضحية أرملة أو مطلقة والأكيد أنها أم عيال.. ولو صح ما أسلفت عند ساداتنا العلماء ومشايخنا الأخيار وقبلوه وراقهم الفهم وتبنوه وزكوه ونقلوه إلى المريدين والعامة من الناس فلا شك أنه بعد فترة من الزمن سينقلب الوضع ويعكس الأمر وتصير قاعدة ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” إذا طبقها وعمل بها من يسمح له وضعه بالتنازل وإيثار الأنثى على نفسه مسبة في حقه ومنقصة من قدره وتلازمه كوصمة عار، حينها لن نحتاج إلى مراجعة الأنصبة ولا إلى قوانين مرغمة تخضع لها الرقاب بعد أن نعي أن القرآن الكريم قد راعى وضع الرجل المحتاج المحدود الدخل والملزم بالإنفاق فمكنه من بعض ما هو لأخته أو زوجه في حال قدر الله عليه رزقه وندبه إلى التنازل والكرم إذا نعمه الرب المنعم الكريم وأغناه وضعه المالي عما جعله الخالق الحكيم حقا لسواه..

زوجتين اثنتين وليس أربع

سألت سؤالا فقلت لم جاء اللفظ القرآني ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع” لم لم يأت حصر العدد في أربع زوجات بصيغة بسيطة وفريدة كما هي الألفاظ القرآنية نفهم منها أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع نساء، وتساءلت قبل أن أسمع و حين سمعت أن أحد الشيوخ المزواجين قد تزوج من اثنتين وعشرين فتاة كلهن أبكار وقلت لا بد أن يكون الشرع الحكيم قد ألجم هذا الظلوم وأمثاله وكبلهم حين طغت الشهوانية وحل الظلم وتحول الميثاق الغليظ إلى خيط رفيع سرعان ما ينقطع وينفصم، وواضح أن صاحب الأربع نساء لا بد له من أن يطلق إحداهن حتى يأتي بالخامسة وبعدها لا بد له من تسريح أخرى حتى يتزوج السادسة ثم لا بد له من ظلم أخرى حتى يحظى بالسابعة وهكذا دواليك، ويكون صاحب الثنتين والعشرين بكرا قد طلق ثمان عشرة شابة إذا جعلناه مبقيا على أربع وفرضنا أنه ما من أمة لقت ربها من فرط الأسى والحسرة والحرمان.. طرحت السؤالين ووجدت أن جواب الثاني في الأول، كيف؟ أجيب: يقول المولى عز وجل ( فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ ) لو قال الحق سبحانه ” فلا تميلوا فتذروها كالمعلقة ” لما كان بالإمكان ما سيلوح لأن المعنى سيكون أن الرجل قد يميل إلى ثلاث زوجات من زوجاته الأربع بدرجات متفاوتة ويذر الرابعة كالمعلقة، أو أنه يميل إلى زوجتين من زوجاته الثلاث ويذر الثالثة كالمعلقة أو أن الرجل قد يميل إلى إحدى زوجتيه ويذر الثانية كالمعلقة، أما وأن الرب المبين قال ( َلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ ) يفهم من اللفظ المطلق أن الحديث عمن يميل إلى زوجة واحدة ويذر الأخرى كالمعلقة ويميل عن زوجة واحدة فيكون للأخرى، هو لها ولها فقط والثانية كالمعلقة، والمعنى لا يستقيم إلا في حالة زوجتين فقط ولو شاء لنا الخالق الحكيم أن نفهم ما هو سائد لجاء اللفظ القرآني كالتالي ” فلا تميلوا كل الميل فتذروهن كالمعلقات ” قد يقول قائل: لو جاء اللفظ كما ذكرت لألزم الرجل إن أراد أن يعدد بأن تكون له أربع زوجات أما أن يكن زوجتين أو ثلاث فلا يجوز بنص الآية ! وذاك لا يكون ولأجل ذلك جاء اللفظ كما نعرف.. أقول إن الإستدلال واه لأن الحق سبحانه يخاطب جمعا من الرجال ” فلا تميلوا ” ولو كان الخطاب للفرد ” فلا تملْ… ” لصح القول، ولو شاء لنا الخالق الحكيم أن نبقي على فهم أربع نساء لكان اللفظ كما ذكرت ” فلا تميلوا كل الميل فتذروهن كالمعلقات ” والمعنى يكون جامعا فهذا رجل متزوج من اثنتين يميل كل الميل إلى واحدة ويعلق واحدة وذاك آخر له ثلاث زوجات يميل كل الميل إلى واحدة ويعلق اثنتين وذاك ثالث أتم الأربع يعلق ثلاثا ويكتفي بواحدة، لكن لما شاء لنا الحق سبحانه أن نحصر العدد في اثنتين فقط جاء اللفظ كما نعرف.

نعود اللحظة إلى قول العزيز الحكيم ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) لعلنا نتجاوز الفهم السائد و نؤكد الفهم الجديد، أفهم من الآية والله تعالى ورسوله أعلم أن العدد يكون مثنى مثنى مثنى! أو على الأصح يكون مثنى ثم يكون مثنى وثلاث ثم يكون مثنى و ثلاث ورباع !! كيف؟ الأصل زوجة واحدة والمرغوب والمطلوب زوجة واحدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) ( وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ )، وللرجل أن ينكح ما طاب له من النساء فيتزوج من الثانية، الآن ” مثنى ” ثم إذا حصل الطلاق أو انتقلت إحدى زوجتيه إلى جوار ربها مباح للرجل أن يتزوج من الثالثة وليس قبل أن يفارق إحداهما، الآن ” ثلاث ” وبعدها إذا تكرر المصاب أو “جاءت البشرى” وفقد إحداهما بطلاق أو وفاة له أن ينكح الرابعة ” ورباع ” فيتم رخصه الثلاث في تعدي الزوجة الواحدة، وبعد ذلك يحرم عليه أن يعدد وليس له إلا أصل المسألة أي الزوجة الواحدة !! ولو طرق مقالي مسامع من قالوا أن الآية الكريمة تبيح للرجل الجمع بين تسع نسوة وهو العدد الذي جمعه الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه لتبنوا ما أطرح إذا كان الباعث على القول هو واو الجمع وبما ذكرت يكون” مثنى ” ثم ” مثنى وثلاث ” ثم ” مثنى وثلاث ورباع ” وبعد ذلك يرجع إلى الأصل سواء خاف ألا يعدل أو ضمن العدل والقيام بالواجب، زوجة واحدة فقط بعد الرخص الثلاث، هذا والله تعالى ورسوله أعلم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *