وجهة نظر

وانتهى الأمر إلى التطبيع مع الفساد

أقامت الحكومة احتفالية ودعاية لتطبيق “محطتي”، وهو في الحقيقة ” تطبيع” وليس تطبيقا. هو إعلان للنزول من الشعار الكبير بمحاربة الفساد إلى تسليم تام بواقع هيمنة الفساد والاستسلام المطلق له. فعوض أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها بالوفاء بالتزامها بالمقايسة في أسعار المحروقات بعد تسرعها في إلغاء المقاصة دون قدرتها على فرض بديل فعال وناجع، وبدل أن تحمي المواطنين فتلزم شركات الاتجار في المحروقات بعدم المضاربة والتلاعب بالأسعار، قامت الحكومة بتصميم تطبيق إلكتروني لتخيير المواطن بين أصناف البلوى كمن يخير القتيل في شكل وأداة الذبح.

يجري هذا الاستسلام للفساد والمفسدين والعمل على تطويع الشعب لهما في الوقت الذي نتابع في دول أخرى صرامة في مواجهة الفاسدين وفي مقدمتهم الرؤساء، آخرهم رئيس فرنسا السابق ساركوزي والرئيسة السابقة لكوريا الجنوبية بارك غيون هاي والرئيس الأسبق للبرازيل داسيلفا.

وهذا يطرح سؤالا هاما على دول الاستبداد المطلق: فإذا كان أولائك الرؤساء يعلمون جيدا أن ولاياتهم في الحكم محدودة، وأن القضاء مستقل بنسب لا بأس بها، وأمام أعينهم حالات عدة لمحاسبة من سبقوهم، ومع كل هذا يتورطون في الفساد المالي فيخضعون للمحاسبة التي تكون في حالات كثيرة على مبالغ مالية محدودة، وأحيانا على خدمات فاسدة غير مالية واستغلال النفوذ.

فكيف الحال في دول الاستبداد والفساد فيها لا حدود لهما، وحيث لا تداول على الحكم، وفي ظل عدم استقلال القضاء وتبعيته لتعليمات الحاكمين النافذين، وحيث خضوع الجهازين التشريعي والتنفيذي أمام الفسدة، وحيث لا سوابق أمامهم لمحاسبة من سبقهم، فأي حد للإثراء الفاحش واستغلال الثروة العامة واستغلال النفوذ فوق ما نراه من صور فاقعة لفساد مقدس محصن معتبر ركنا من أركان هيبة الدولة؟ وأي مستقبل يرسمونه بإصراهم على الاستبداد والفساد المطلقين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *