سياسة

لغروس يكتب: 3 وثائق تكشف تورط الجزائر في نزاع الصحراء ضد المغرب

لم يعد خافيا على أحد اليوم أو حتى محل جدال كبير، حق المغرب الشرعي والقانوني والتاريخي في كل أراضيه الصحراوية، سواء الغربية أو الشرقية، كما لم يعد خافيا على أحد الدور الذي لعبته وتلعبه الأنظمة الجزائرية المتعاقبة في افتعال هذا النزاع وإذكائه بداية، ثم الاستمرار في تغذيته وتأجيجه ومنحه كل الجرعات لاستمراره وتوسع دائرته، معاكسة بذلك منطق التاريخ والجغرافيا، وهاتكةً لكل شرائع الأرض والسماء، مستثمرة ومكملة في ذلك المسار الاستعماري الذي أبى قبل أن يخرج عسكريا إلا أن يزرع أنوية للتوتر والقلاقل، ليظل متحكما من خلالها في مصائر البلاد والعباد عن بعد.

ونورد بهذا الصدد ثلاث وثائق تؤكد بشكل قاطع السعي الجزائري الحثيث في معاكسة المغرب، والرغبة في تدميره وزعزعة استقراره عبر التشويش بكل الطرق على أي معالم حل قد تبدو في موضوع الصحراء.

رسالة بوتفليقة للإسبان

الوثيقة الأولى تعود إلى العهد الذي كان فيه الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية، إذ بعث برسالة في السبعينات إلى نظيره الإسباني بتاريخ 15 ماي 1973م، وهي مسجلة تحت رقم CABCONP.ES.AP/13، وتبين أن ملف الصحراء كان منذ البداية من الملفات التي تتصدر السياسة الخارجية للجزائر، وقد جاء في الرسالة ما يلي “إن كل سياسة معادية للمصالح الجزائرية في (الصحراء الغربية) ستقود إلى رد فعل من جانبنا لن يكون ضرره بالمصالح الإسبانية قاصرا على المنطقة فحسب … إننا نريد أن ندقق زيادة على ذلك … وإن كل اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظرنا فيما يخص التسوية النهائية لهذا النزاع الاستعماري، سيجرنا إلى إعادة النظر في اتفاقاتنا السابقة، وخاصة الاقتصادية، منها وإلى تحريك كل مقدراتنا من أجل تحطيم الصورة المفضلة لإسبانيا لدى الدول في إفريقيا وأمريكا الجنوبية والعالم العربي”.

شهادة ولد داده الموريتاني

وليتبين أكثر مرامي الجزائر ومطامعها في الصحراء المغربية لكم هذه الشهادة التاريخية الأخرى التي أدلى بها الرئيس الموريتاني السابق في مذكراته التي نشرتها جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية. فقد تلقى الرئيس الموريتاني المختار ولد داده تهديدا صريحا من الرئيس الجزائري آنذاك “هواري بومدين” في لقاء بتاريخ 14 فبراير 1974 جاء فيه ما يلي: “أنذرني الرئيس الجزائري بأن انسحب من المفاوضات الجارية مع إسبانيا – وهي المفاوضات التي أدت إلى اتفاق مدريد بتاريخ 12/11/1975م- وحينما أكدت له أني لن أتخلى عن الصحراء لترضية الجزائر، غير لهجته ووجه لي تهديدا صريحا قال فيه: “إن بلدكم ضعيف وهش وله حدود طويلة يصعب الدفاع عنها، ويمكننا أن نسمح بتجنيد متطوعين جزائريين ما بين 50 و100 ألف شخص يتولون احتلال الصحراء، وسيكون في متناولهم أن يهاجموا حدودكم لتحطيم منشآتكم الاقتصادية، بل وحتى الوصول إلى عاصمتكم”، وبالفعل يقول المختار ولد داده: “ففي أقل من شهر بوغتنا بهجومات جزائرية على موريتانيا في ثلاثة محاور”.

إذن فبالرغم من كل محاولات التملص والحياد التي يحاول النظام الجزائري ادعائها، فإن وصمة العار على جبينه والدم الذي يلطخ يديه، يُعدّ خير شاهد على الأطماع الجزائرية الجيوستراتيجية في المنطقة، من خلال إذكاء الصراع والنزاع الداخلي عبر موضوع الصحراء، وهي التوجهات الخادمة موضوعيا لأجندة المستعمر القديم والجديد، وهي الأطماع والنزوعات السياسية التي تبتدئ بالرغبة في الحصول على منفذ نحو المحيط الأطلسي، كما تعبر أيضا عن نزعة عسكريتارية نحو الهيمنة والقيام بدور الشرطي بالمنطقة، لكنها وقبل كل هذا وذاك، تعبر عن ذلك الخوف الجزائري الكبير من أن يطرح المغرب قضية صحرائه الشرقية، وهذا ما يعبر عنه الساسة الجزائريون بشكل مباشر. فضلا عن الرغبة في الانتقام لهزائم مني بها في حروب لم يختر المغرب وقتها ولا أمكنتها ولا الخوض فيها، بل فرضت عليه وانتصر فيها.

رسالة الحسن الثاني لبومدين

أمام كل هذا أصبح الجميع اليوم يدرك أن للجزائر يدا طولى في موضوع الصحراء، وهو الأمر الذي تؤكده الوثيقة الثالثة، وهي كذلك عبارة عن رسالة وجهها الملك الحسن الثاني نسأل الله له المغفرة والرحمة، إلى الرئيس الجزائري هواري بومدين بتاريخ 15/02/1976، بعد واقعة “مْغَالة” التي قامت فيها الجزائر بنفس ما هددت به المختار ولد داداه، وما ستقوم به من بعد في فندق أسني بمراكش.

وجاء في الرسالة: “لقد سبق لفخامتكم أن أنبأتمونا رسميا ثلاث مرات عبر وسطاء ثقات خلال صيف 1975م بقولكم “أتعهد بألا يرى ملك المغرب جنديا جزائريا أو عتادا عسكريا جزائريا فوق تراب الصحراء لمحاربة المغرب الشقيق” (..) إلا أن ما حدث هو أن القوات المسلحة الملكية وجدت نفسها يوم 29/1/1976م في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في “مغالة” التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء المغربية، وسال الدم بين شعبينا لأنكم لم توفوا بعهدكم (..)، وخلال مدة لا تقل عن عشرة أيام ناقضتم يا سيادة الرئيس تعهداتكم مرتين (…) أناشدكم أن تجنبوا المغرب والجزائر مأساة أخرى، وأطلب منكم كذلك أن تعملوا إما بحرب مكشوفة ومعلنة جهارا وإما بسلام مضمون دوليا”.

هكذا ومن خلال هذه الوثائق التاريخية المعلن عنها، والتي لا يمكن للجزائر أن تنكر ما جاء فيها أو تفنده نعرف ونعلم بشكل واضح أن لها مصالح جيوستراتيجية في الصحراء المغربية ولها أطماع قديمة جديدة، وهذا ما يبطل كلام كل المسؤولين الجزائريين عن الحياد في هذه القضية، ويجعل من كلامهم نكتة لا تدعو إلى الضحك، لأنها كذب لم يعد ينطلي على أحد إلا من أراد. وهذا أيضا جزء آخر يمكننا من فهم وتفسير الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها الأنظمة الجزائرية المتعاقبة في حق المغاربة، بدء بخيانة دماء الشهداء المغاربة، وصولا إلى التنكر للوعود المقدمة للراحل محمد الخامس رحمه الله في موضوع الحدود، وصولا إلى طرد 45 ألف أسرة مغربية سنة 1975 في ما أسماه بومدين بـ “المسيرة الكحلة” ردا على المسيرة الخضراء، صبيحة يوم عيد الأضحى، وهو الذي أقسم بأغلظ الأيمان أمام مبعوثي الملك بأنه لا علم له بما وقع، وانتهاء بكل القلاقل والهجمات التي تحاول زعزعة استقرار المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *