رمضانيات

“من الوهابية إلى الإسلام” .. لشهب يروي طرائف جماعة الهجرة والتكفير (الحلقة الرابعة)

ضمن هذا الشهر الكريم، نعرض عليكم متابعي جريدة “العمق” سلسلة جديدة مع الكاتب خالد لشهب. يروي فيها تجربته من “اعتناق” مذهب بن عبد الوهاب إلى مخاض الخروج إلى رحابة الإسلام، بما يبشر به من قيم الجمال والتسامح والرحمة …

السلسلة هي في الأصل مشروع كتاب عنونه مؤلفه بـ «من الوهابية إلى الإسلام»، حيث يُحاول من خلال عرض تجربته بأسلوب يزاوج بين السرد والاسترجاع والنقد.

جريدة “العمق” ستعرض طيلة هذا الشهر الفضيل، الكتاب منجما في حلقات، يحاول من خلالها الكاتب نثر الإشارات التي قد تكون دافعا ووازعا لكثير من الشباب للخروج من ظلمة الوهابية إلى رحابة الإسلام عملا وظنا.

الحلقة الرابعة: طرائف جماعة الهجرة والتكفير

… وعلى ذكر جماعة الهجرة والتكفير، فأخشى أن يطول بي الحديث عن الوهابية فلا أعود لذكرها لانتفاء المناسبة. فأغتنم الفرصة لأطلع القارئ الكريم عن بعض من طرائف هذه الجماعة التي ظهرت ثم اختفت مع نهاية القرن العشرين.
تعود الجذور الحديثة لجماعة الهجرة والتكفير إلى مصر، وقد تأسست على يد رجل يدعى مصطفى شكري في بداية سبعينيات القرن الماضي. كانت تسمي نفسها جماعة المسلمين، ولكن الناس عرفوها بجماعة الهجرة والتكفير لمغالاة أتباعها في تكفير المسلمين وهجرهم تأسيا بأبجديات ما كتبه السيد قطب في الحكم على بلاد المسلمين بالجاهلية وتسفيه أحوالها ومعابدها. ومهما حاول الإخوان اليوم وبالأمس تبرئة الشهيد من هذه التهمة فإن المطلع على تآليف الشهيد سيجد تلك الزلات المنثورة في المعالم والظلال.

ومرد هذا من السيد قطب إلى تلك الظروف التي طبعت زمانه من الحماسة والتعذيب والاضطهاد، بالإضافة إلى جهل السيد قطب بأصول الدين وتغلب الأسلوب الأدبي على غاية التقرير والتحقيق، حيث إن كتابات الشهيد كانت مفتوحة على كل التأويلات، وهو ما جعل أتباع الشهيد كثر موزعين بين المعتدلين جدا والمتشددين جدا. فحياة السيد قطب كانت أكبر من كتاباته، وصدقه وثباته على مبادئه هو ما جعل العدو والصديق يحترمه ويغض الطرف عن بعض ما زلت به الأقلام.

وأذكر أنا عندما كنا على مذهب بن عبد الوهاب كنا معجبين جدا بالسيد قطب إلى درجة أننا كنا نفسق من يحلق لحيته، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسيد قطب كنا نتوقف عن تفسيقه بدعوى أنه لا تنبت له لحية حتى يحلقها، كما كنا نختلف في طريقة لباسه الإفرنجي المخالف للسنة حسب زعمنا وزعم الوهابية.

لكن الذي يبحث في حياة السيد قطب بعيدا عن مؤلفاته العامة سيدرك أن الرجل لم يكن تكفيريا بالمعنى الذي كنا نتأوله من كتاباته التي تطبعها الحماسة المشوبة بالاندفاع الثوري الماركسي. فالسيد قطب رغم حكمه على المجتمعات بالجاهلية وعلى مساجدهم بالضرار والدعوة للهجرة والتكفير فإن حياة السيد قطب كما يحكيها المقربون منه كانت طبيعية ولم يكن يكفر العوام تعيينا.

ويستطيع أي شخص أن يعود لما حكاه الشهيد في كتابه: لماذا أعدموني وهو بالمناسبة موجود على اليوتوب بصوتي، سيدرك كثيرا مما لا يدرك في كتاباته العامة، خاصة في علاقاته الاجتماعية وعلاقاته بزعماء الإخوان المسلمين الذين كانوا كما يحكي يمنعونه من الحديث في أمور الدين إلا بمقدار لعلمهم أن السيد قطب غير مؤهل لذلك أو لخوفهم من تحريف مسار الجماعة التنظيري.

ومهما يكن، فليس هذا مقام للخوض بالتفصيل في حياة الشهيد وكتاباته، ولكنه الحديث ذو شجون كما يقال. وربما تحدثت عن هذا بإطناب في ما يتقدم من الزمن إن شاء الله تعالى. فكانت الإشارة هنا لازمة ليفهم القارئ الكريم أن جماعة الهجرة والتكفير أخذت من تنظيرات الشهيد ومن مقولات بن عبد الوهاب وأخذت أيضا من جهل منظريها بأصول الدين خاصة في اتجاهات الأزارقة من الخوارج.

وهذه السمة وهذا الخليط العجيب بين ما هو تنظيمي إخواني وما هو عقائدي وهابي هو ما كان يؤثث لسلوكات هذه الجماعة في تسعينيات القرن الماضي، والتي حين أتذكرها مع أصدقائي من أبناء الحي لا يدرون هل يضحكون أم يبكون.

لقد كانت قضية التكفير والحكم على المجتمع قضية محورية لدى هذه الجماعة، فهم يحكمون على الناس بظاهرهم، فتراهم يكفرون الرجل فقط لارتدائه لباسا عصريا بدعوى أنه لباس الكفار، وبهذا المبدأ الذي تأولوه من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر”، وبهذه القاعدة استطاعوا أن يخرجوا عموم الأمة من دائرة الإسلام، فيتعاملون مع الجميع كأنهم كفار وأن بلادهم بلاد حرب كما يزعمون.

وقد وصل بكثر منهم إلى عدم إلقاء السلام عليهم وعدم ردها بدعوى أن السلام تقال وترد على المسلم وليس للكافر، وهذا أخذوه عن شيوخ الوهابية وعلمائها الذين يحرمون تحية الكافر ولو بغير السلام لما في ذلك من تعظيم لهم على زعمهم. وقد تعدى هذا إلى عدم إلقائها حتى على الوهابية منا. وأذكر أنا في مرات عديدة عندما نحييهم لا يردون علينا السلام بدعوى أننا مبتدعة، وقد ورث منهم هذه السنة المداخلة اليوم في عدم رد السلام والغلو في تجريح المسلمين حتى من الوهابية أمثالهم.

ومن القواعد المعتمدة لديهم قاعدة التبين، وهي قاعدة جسدها من المتأخرين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الحكم بالكفر على من خالف دعوته واعترضها كما سنبين في ما يتقدم. وقاعدة التبين هذه تقول إن العوام من المسلمين يتم التوقف فيهم فلا يحكم بكفرهم ولا بإسلامهم لغياب الحجة، فإذا قامت الحجة ولم يستجيبوا حكم عليهم بالكفر.

وبه هجروا المسلمين ولم يأكلوا ذبائح العامة من الجزارين بدعوى أنها ذبائح الكفار، فكان الرجل منهم يشتري دجاجة فلا يذبحها حتى يطعمها يومين أو ثلاثا بدعوى أن الطعام الذي في جوفها طعام كفار. أما في اللحم فيجتمعون ويشترون عجلا أو خروفا فيوزعونه بينهم لزعمهم أن ذبيحة الكافر ميتة.

وكان منهم من منع أبناءه من التعليم العمومي بدعوى أن المدارس هي مدارس المرتدين لا تعلم إلا الكفر والزندقة، وأن العلم هو علم الآخرة لا علم الدنيا. وإن منهم من منع أقاربه من الدفن في المقابر العامة بدعوى أنها مقابر الكفار، وبه عمل الشيخ بنداود حيث دفن أمه في بيته بدلا من المقابر العامة.

وكانوا يغيرون أسماءهم التي لا تتناسب مع معتقداتهم مثل المصطفى والمختار ونور الدين وعبد النبي… وكانوا يعتمدون في زيجاتهم على الفاتحة بدلا من العقود التي هي حسب زعمهم مما استحدثته المحاكم الوضعية الكافرة. فكانوا إذا تنازعوا لم يحتكموا للقوانين الوضعية وإذا مرضوا لم يتداووا في مستشفيات الدولة بدعوى أنا كافرة.

وقد وصل بهم الوضع إلى محاولة الحديث بالفصيح وهجر العامي والدارج لزعمهم أن العامية بدعة محدثة وتحمل من الشركيات والبدع ما لا يحصى، فلما عجزوا عن المسايرة لجهلهم بالفصيح رضوا بأقل الضرر وهو خلق معجم إسلامي دارج نقي من الشرك. وما تزال الجماعات الإسلامية السلفية اليوم تقلدهم في هذا الطرح بحيث اختلقوا معجما دارجا خاصا بهم. فيسمون السيارة دابة، والزوجة أهلا، والخسارة إنفاقا، وعمارة الدار تأهلا …وهكذا لما يزيد عن مائتي لفظة أحصيتها…

لقد غالوا في التحريم حتى حرموا غالبية ما جادت به الحضارة الغربية، إما بدعوى البدعة والتقليد أو من باب سد الذرائع كما هو الشأن عند الوهابية. لكن الأدهى من ذلك هو ما حكاه لي أحد الإخوة الذي كان وهابيا صديقي وانتقل معهم. وكان سافر إلى مدينة الناظور، وكانت الناظور في بداية الألفية ملاذا للتكفيريين، حتى إن الشيخ بنداود لما هجر المسلمين أقام في جبالها لما يزيد عن العقد من الزمن.

قلت: أخبرني صديقي التكفيري عن أمور عجيبة من أناس هناك. لكن الذي علق بذاكرتي ولم يخطر على بالي هو أنه كان منهم من كفر السيد المسيح، فلما طلبوا منه تبرير ذلك، قال لهم: إنه طاغوت يعبد من دون الله. فانظر أيها القارئ الكريم ماذا يفعل أفيون الجهل بالمتنطعين المتحمسين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • mostafa
    منذ 6 سنوات

    وأنا أزيدك معلومات أخرى حيث كنت حاضرا تلك الفترة في مدينة الناضور.تحريمهم للعمل بالوضائف الحكومية والتعليم يقولون هم طواغيت بحيث غادر أحدهم مهنة التعليم وألتحق بصيادي السمك لبيعه.وكانوا يتلفون البطاقة الوطنية والجواز بحجة أن فيها الصور المحرمة.ولا يريدون التعامل بالاوراق النقدية ويفضلون تبادل السلع.ويهجرون أمهاتهم وأبائهم ولا يرثون منهم لأنهم مبتدعة أو مشركين