وجهة نظر

دجاج الغفران أو الدعوة في خدمة المصلحة؟

خير ما أفتتح به هو هذا الدعاء:” ربنا ولا تجعل مصيبتنا في فقهائنا”.

أنا لا أعمم لكن مع الأسى والأسف أتحدث عما هو سائد ومهيمن. هناك مثل تقول فيه العرب: “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”. وعلى منوال هذا المثل أقول: “يجوع الفقيه ولا يتاجر بالدين”. وأعتذر إن كان أحد قد قال من قبل بهذا القول فلم أسمع به ولم أقرأه. كما استحضر هنا مضمون حكمة لا تحضرني الآن معناها: “قد تصل بالمرء الدناءة والخسة إلى درجة أن يتاجر بالعهر (يعني أن يصبح قوادا) فذلك أهون له من أن يتاجر بالدين”.

هناك خطاب متداول بشكل مكثف في الأوساط السلفية وحتى الحداثية، مفاده أن تاريخ الإسلام والمسلمين لم يعرف ما عرفته أوروبا من سلطة وطغيان الكنيسة والباباوات. نعم لم نشهد هذا النمط بحذافيره لكن شهدنا أشكالا أخرى تصب في نفس الهدف ولا تقل بشاعة وظلما في أشكال عديدة عما مورس من طرف الكنيسة وخدامها. شهدنا تحالف الفقيه مع السلطان وإصداره لفتاوى يبارك فيها كل ما يصدر من أعمال عن السلطان وإن كانت شيطانية، وإن كان ذلك استبدادا وظلما في حق الرعية، شهدنا إقصاء الرأي المخالف سواء كان من نفس الطائفة أو من خارجها، قرأنا عن رمي المخالف واتهامه بالزندقة والكفر الذي أدى بالعديد إلى المقصلة والحرق وتقطيع الأعضاء حتى التناسلية منها وكذلك تعليق الرؤوس المقطوعة أمام الملأ، شهدنا إحراق الكتب والتضييق على الفقهاء والفلاسفة المخالفين حتى في أداء الصلاة، بل الحفر على القبور والرمي بالرفات خارج مقابر أهل السنة والجماعة بدعوى الزندقة، شهدنا احتكار فهم الدين واستغلال جهل العامة وعدم معرفتها بأمور دينها، شهدنا تحريف الفهم وتأويل النصوص على هوى ومصلحة الفقيه أو السلطان، شهدنا تكفير الفلاسفة ومن تمنطق تزندق. بخلاصة إن سلطة الفقهاء بتحالفهم مع السلطان عبر التاريخ الإسلامي لم تكن تقل عن سلطة الكنيسة بتحالفها مع الإقطاع.

وفي عهدنا نشاهد فقهاء المنع والتحريم يحرمون التظاهر ضد الظلم والقهر والفساد والإستبداد.

ونشاهد حاليا المتاجرة بالدين بشكل مكثف وفظيع والاغتناء به ومنه، لقد أصبحنا نرى فقهاء نجوم أثرياء يملكون الفيلات والكاط كاطات مع اللباس الفاخر آخر موضة والعطور الفرنسية والسويسرية، كما أصبح الحج والعمرة في متناولهم كأنهم يتنقلون بين الدار البيضاء والرباط، هذه الثروة لم تكتسب ولم تنمى بالتجارة في أمور الدنيا بل باستغلال الدين وبيع “صكوك الغفران” والأوهام للبسطاء من الناس. فقهاء، يحدثون الناس على أن رسول الله عليه السلام منع على الرجال التزين بالذهب، وهم يملكون ما هو أثمن من الذهب والفضة، إنه: الأورو والدولار والحسابات البنكية داخل وخارج الوطن.

فقهاء راحوا يقولون: “إن العلم أثبت أن الذهب إن تزين به الرجال فإنه ينقص من فحولتهم وقدراتهم الجنسية” في جهل تام وتحريف مقصود غليظ لمغزى ومقصد الحديث النبوي. أنظروا الحضيض الذي أصبح الفقه الإسلامي غاطسا فيه. فقهاء، يأمرون ويحثون الناس على عدم ارتداء الألبسة الحريرية لأن رسول الله عليه السلام منعه على الرجال، وتراهم يشترون أجود الأقمشة والألبسة التي صنعت عند الغرب الكافر والتي أثمنتها تضاعف ثمن الحرير، ولا بأس إن هم زاروا باريس أو لندن أو حتى نيويورك قصد التبضع والتنزه والترفيه عن النفس أو حتى التداوي عند الأطباء الكفرة، فهم ملقحون ضد الحضارة الغربية الكافرة.

فقهاء، في الوقت الذي يوصون ويحثون الشباب الفقير والعاطل على الصبر والصوم لعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية الزواج، هم يثلثون ويربعون بدعوى إنقاذ بنات المسلمين من العنوسة والفساد ومن أجل فعل الخير في إماء الله – كأن الزواج مؤسسة خيرية- لكن دون أن ينسوا حسن الإختيار والحرص على الزواج بالشابات اليافعات الجميلات العازبات التي تتراوح أعمارهن ما بين السادسة عشر وفي أقصى الصبر الخامسة والعشرين. (فالله جميل ويحب الجمال) أو (ربما هي دروس عملية كي يتدربوا في الدنيا على الحور العين الذي ينتظرهم في الجنة، هم دون سواهم) ولا يهم الجنسية قد تكون من الجزائر كما فعل شيخنا الجليل القرضاوي أو من إندونيسيا أو من المغرب كما فعل أحد صحافيي الجزيرة الذي يقطر ورعا وتقوى أو حتى من فلسطين كي ننقذ الشعب الفلسطيني من براثين الإستعمار اليهودي الصهيوني، أو من جميلات اللاجئين السوريين حتى لا يقعن فرائس في يد الشبكات العالمية المتاجرة بالبشر.

وما المانع إن أتوا بها من بلاد النصارى؟ فالشيخ سيدخل بها، عفوا أريد أن أقول سيدخلها إلى الإسلام وهكذا سيزيد أجرا على أجر ولا بأس إنه يكمل دينه الناقص ويقوي إيمانه الضعيف كما يقوي شوكة المسلمين بإضافة نصرانية إلى الأمة الإسلامية-على كثرتها-وينقذ أمة من إماء الله من جهنم ويضعف من شوكة النصارى الكفرة. لا يهم مادامت الدعوة في خدمة الزواج والشهوة، عفوا مادام الزواج في خدمة الدعوة ودين الله الذي هو الإسلام ولا دين غيره. فالرسول عليه السلام عدد لكي يوحد القبائل العربية من أجل بناء الأمة، وشيوخنا يعددون لكي يوحدوا الوطن العربي ولما لا الأمة الإسلامية جمعاء، كي نواجه الغرب الإستعماري الصليبي ونسترد الأجداد والأمجاد؟. إن من بين الأخطار التي تهدد الأمة هذا النوع من الفقه السائل والمائع والذي أصبح عملة صعبة devise في يد البعض من شيوخنا وفقهائنا ووعاظنا ودعاتنا تشترى بها كل ما اشتهت نفوسهم وحسب أهوائهم.

شخصيا لم أتفاجئ بما قاله: الداعية، الواعظ، الشيخ، الفقيه، الكوتش والعالم العلامة الموسوعي عمرو خالد الذي يعلم ويفهم في كل شيء: من نواقض الوضوء إلى العطب الذي قد يصيب المركبة الفضائية التي تستغلها “الناسا” la NASAفي رحلاتها الفضائية. إنه حبيب الجماهير بالملايين (28 مليون متتبع لقناته) اللهم لا حسد اللهم زده بشرا على بشر ولو من الصين. فمادام هذا النوع من الدجالين المتحايلين الذين يتلاعبون بعقول ومشاعر الناس ويستغلون جهلهم يستقطبون الملايين إليهم وإلى ترهاتهم وتخاريفهم، فاعلم أن الأمة مازالت في سبات ونوم عميق وأنها تناولت جرعة زائدة من الأقراص المنومة أو لسعتها ذبابة التسي تسي la Glossina. إن العولمة عولمت كل شيء، فهي لا تفرق بين القبح والجمال بين الرداءة والجودة وإن كانت الغلبة والسيطرة في مجتمعاتنا وعصرنا للضحالة والرداءة بجميع أشكالها على حساب كل ما هو جميل ومفيد.

مع العولمة وتعطل السرديات الكبرى التي وعدتنا بالأفق الجميل، مع سيادة الرأسمال المتوحش وهيمنة منطق الربح السريع دون أن تهم الطرق والوسائل، وظهور ما يسمى بالصحوة الإسلامية، أصبحنا نسمع ونقرأ عن أسلمة المعرفة والعلوم، عن الاقتصاد الإسلامي، عن الأبناك الإسلامية، عن الطب الإسلامي، عن علم النفس الإسلامي وها نحن وصلنا إلى الدجاج الإسلامي الذي يدخل مباشرة إلى الجنة كل من تناوله، ومن يعلم ولا نستغرب فربما غدا نسمع عن الحليب الذي يقي من الذنوب وعذاب النار أو النفط الإسلامي وعن “البيت الأبيض الإسلامي” وعن فايسبوك حلال وغوغل مؤمن وتويتر متقي الله و أصيل واللائحة تطول سوف لن يحد منها إلا اندثار البشر من هذا الكوكب.

وخير ما أختم به هو هذا الدعاء: “ربنا ولا تجعل مصائبنا في جهلنا” فمن جهلنا تقتات وتتغذى الطفيليات والفطريات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *