خارج الحدود

احتجاجات الأردن وتدخل الملك وإسقاط الحكومة.. القصة الكاملة

حتى نفهم خلفيات وتطورات أزمة الاحتجاجات في الأردن على تقديم مشروع قانون ضريبة الدخل إلى البرلمان، والتي توسعت في الجغرافيا الأردنية وتعمقت سياسيا بين النقابات المهنية الداعية للإضراب والحكومة، والتفاعل الشعبي الواسع مع الإضراب والاحتجاج، وأدت في النهاية إلى تقديم الحكومة استقالتها، نحاول تقديم القصة الكاملة للأزمة بالإجابة عن أهم أسئلتها المتداولة.

ما طبيعة القانون الذي فجّر الاحتجاجات ومن يقف وراءه؟

تقوم خطط الإصلاح المالي للحكومة الأردنية -استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي- على تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة 1.5 مليار دينار (ملياري دولار) خلال 2017-2019 من جيوب الأردنيين.

وكان رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي أشار إلى إنجاز 70% من البرنامج الإصلاحي، وأنه في حال إقرار القانون المعدل نكون أنهينا البرنامج تمهيدا للعبور إلى بر الأمان منتصف العام المقبل.

ويقضي القانون المعدل بفرض ضريبة بنسبة 5% على كل من يتجاوز دخله عتبة ثمانية آلاف دينار للفرد (11.2 ألف دولار) أو 16 ألف دينار للعائلة (22.5 ألف دولار)، والتي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25% مع تصاعد شرائح الدخل.

كما يزيد مشروع القانون الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات الماليّة وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20% و40%. وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار (141 مليون دولار).

أوساط سياسية تتحدث عن جانب آخر للأزمة في الأردن، يتعلق بما يرى هؤلاء أنه “تخلي دول إقليمية عن دعم الأردن”، في إشارة لتوقف المساعدات السعودية والإماراتية التي كانت تصل لدعم الموازنة سنويا، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسا بـ”صفقة القرن” وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية.

وكانت الحكومة رفعت مطلع العام الحالي أسعار الخبز، وفرضت ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد بهدف خفض الدين العام الذي يبلغ 35 مليار دولار.

لماذا جمع المتظاهرون بين مطلب إقالة الحكومة وحل البرلمان؟

تجاوزت الحكومة الأردنية مطلع العام الحالي كافة “الخطوط الحمراء” التي حسبت لها الحكومات السابقة ألف حساب، وذلك بعدما رفعت خلال العامين 2017 و2018 أسعار أكثر من 1730 مادة غذائية، 30% منها مواد أساسية أبرزها الخبز، بنسب وصلت إلى 100%، فضلا عن الكهرباء والمحروقات.

وتخضع معظم السلع والبضائع بشكل عام في الأردن لضريبة مبيعات قيمتها 16%، إضافة إلى رسوم جمركية وضرائب أخرى تفوق أحيانا ثلاثة أضعاف القيمة السعرية الأصلية للسلعة. وتبشر الحكومة الأردنيين بحزمة جديدة من الضرائب وارتفاع في الأسعار للعام القادم 2019، لتحصيل 750 مليون دولار.

ورغم وجود أصوات برلمانية منحازة لمطالب المحتجين في الشارع والنقابات المهنية، وإعلان تسعين عضوا في مجلس النواب رفضهم مشروع قانون ضريبة الدخل ووصفه بأنه “غير صالح شكلا ومضمونا”.

ومن جانبه أكد رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أن المجلس سيكون مع الشعب لتجنب الوصول إلى جيوب الطبقتين الوسطى والفقراء، موضحا أن المجلس لن يبخل بأي جهد وطني يقرب وجهات النظر لخدمة الأردن.

إلا أن الغضب الشعبي على الحكومة بات يشمل مجلس النواب الذي تحمّله شرائح واسعة من الأردنيين مسؤولية إقرار الموازنة مطلع العام الجاري، والتي برأيهم منحت الحكومة تفويضا لرفع الأسعار وفرض الضرائب بصورة غير مسبوقة.

ما الحل الذي طرحه الملك للأزمة وهل سيكون مخرجا منها؟

أكد ملك الأردن عبد الله الثاني خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس السياسات الوطني، أنه ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية، وأنه لا تهاون مع التقصير في الأداء، خصوصا في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من تعليم وصحة ونقل.

وأضاف أن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب، مشيرا إلى أن الظروف والخيارات أمام الأردن اليوم ليست نفس الظروف قبل خمس سنوات أو عشر. وشدد على أن الدولة بكل مؤسساتها مطالبة بضبط وترشيد حقيقي للنفقات، وأهمية أن يكون هناك توازن بين مستوى الضرائب ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، مؤكدا على أهمية مشاركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الحوار بصورة فاعلة.

ودعا الملك الحكومة ومجلس الأمة إلى أن يقودا حوارا وطنيا شاملا وعقلانيا للوصول إلى صيغة توافقية بشأن مشروع قانون ضريبة الدخل، وذلك بعد أن أخفق اجتماع رؤساء النقابات المهنية برئيس الحكومة الأردنية في سحب القانون الذي أثار غضب الأردنيين.

وقدم رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي استقالته من منصبه، بعد ظهر اليوم الاثنين، على وقع الاحتجاجات الساخنة التي شهدتها البلاد، وذلك في أعقاب لقاء قصير مع الملك في قصره. حيث كشفت وسائل إعلام دولية أن “الإرادة الملكية صدرت بتكليف وزير التربية والتعليم عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة”، والرزاز هو خبير اقتصادي سابق في البنك الدولي، وكان وزيرا للتعليم في الحكومة المستقيلة.

انتشرت الاحتجاجات في أكثر من محافظة، هل هنالك إمكانية لمزيد من التصعيد؟

تفاعل الشارع الأردني بشكل واسع مع دعوة النقابات المهنية إلى الإضراب يوم 30 ماي 2018 احتجاجا على مشروع قانون ضريبة الدخل، وشهدت محافظات عدة وقفات ومسيرات تطالب برحيل الحكومة والبرلمان، منها العاصمة عمان التي شهدت أكبر التجمعات على الدوار الرابع حيث يقع مقر رئاسة الوزراء، ونفذت مسيرات في إربد (شمال) والكرك (جنوب) والرمثا (شمال) والسلط (وسط) والزرقاء والمفرق (وسط)، وتم إغلاق طرق رئيسية بين المدن مثل العاصمة ومدينة جرش (شمال) وطريق السلط باتجاه الغور، وطريق البحر الميت باتجاه ناعور، وطريق المطار باتجاه عمّان.

ودعت النقابات المهنية إلى تجديد المظاهرات والاحتجاجات الأربعاء القادم 6 يونيو، والإصرار على المطالب الشعبية بإسقاط الحكومة وحل البرلمان.

وفي مساع لاحتواء الأزمة، قرر مجلس الأعيان الأردني الأحد رفع توصيتين إلى الملك الأردني بشأن مشروع قانون الضريبة لنزع فتيل الأزمة في الشارع.

وتضمنت التوصيتان خيارين يختار الملك أنسبهما: تقضي الأولى بالطلب من الحكومة سحب القانون الحالي للضريبة وتشكيل لجنة حوار وطني بعدها لتدارس المنهج الاقتصادي برمته، وتوصي الثانية بإصدار إرادة ملكية بعقد دورة استثنائية لمجلس الأمة.

وقد دعا الملك عبد الله الثاني رئيس الوزراء هاني الملقي إلى لقائه في قصر الحسينية اليوم الاثنين، حيث أعلن رئيس الوزراء تقديم استقالته بعد هذا اللقاء.

ما علاقة السعودية والإمارات ومصر بالاحتجاجات؟

بالمقابل، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة كان لها دور في تصاعد الأحداث والاحتجاجات التي تعم الأردن حاليا بسبب مشروع قانون ضريبة الدخل.

وأضافت الصحيفة أن أمرين حصلا في الأردن أخيرا: أولهما استثناء عمّان من الاتفاق الذي تم بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومصر بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وثانيهما تظاهر الأردنيين ضد رفع الأسعار.

وتشير الصحيفة إلى أنه ربما لا يوجد رابط بين الأمرين في الظاهر، لكن ما يربطهما هو أن الأردن -الذي يتصرف كدولة غنية- يعيش عمليا على الدعم والمساعدات الأجنبية، بحسب تعبيرها.

وتحدثت الصحيفة عن تفجر غضب الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية من مشاركة الملك الأردني في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في مدينة إسطنبول التركية الشهر الماضي، لبحث الوضع في فلسطين عقب نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

كما قالت إن الضغط الإسرائيلي على واشنطن لحماية الأردن آخذ في الانخفاض، وبالتالي على المملكة أن تقف على قدميها وتهتم بشؤونها بنفسها.

وعلى مدى الأيام الماضية، تحدثت وسائل إعلام عن ضغوط يتعرض لها الأردن خصوصا فيما يتعلق بقضية القدس، حيث أوقفت السعودية في وقت سابق من العام الجاري أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات التي وعدت الأردن بها.

ما السيناريوهات المطروحة للخروج من الأزمة؟

تقف أزمة الاحتجاجات في الأردن أمام خيارات عدة، من أبرزها ما يأتي:

تراجع الحكومة:
ويتمثل بأن يعلن رئيس الوزراء سحب مشروع قانون ضريبة الدخل من مجلس النواب، والإعلان عن صيغة توافقية بشأن قانون الخدمة المدنية.

ويتوقع مراقبون أن يؤدي هذا الخيار للتخفيف من الاحتجاجات ولا سيما في العاصمة عمّان، فيما يرى آخرون أن مطالب المتظاهرين في المحافظات باتت تتجاوز الدعوة لإسقاط قانون ضريبة الدخل إلى المطالبة برحيل الحكومة والتراجع عن رفع أسعار الخبز.

تعهدات البرلمان:
وهذا الخيار يقضي بأن يعلن البرلمان عن صيغة تقبل بها النقابات وتقنع الشارع الغاضب، على أن تطبق بعد انعقاد مجلس النواب في دورة استثنائية كان مخططا لها أن تلتئم نهاية يوليو/تموز القادم، وسط دعوات بتعجيل الدعوة لها لتبدأ خلال أيام.

وهذا الخيار -برأي مراقبين- قد لا يرضي قطاعات مهمة من المحتجين الذين يرفضون مغادرة الشارع إلا بإسقاط قانون ضريبة الدخل، باعتباره يمثل الحد الأدنى لوقف الاحتجاجات.

فشل الحوار:
وهذا الخيار يجعل الكثير من المراقبين يحبسون أنفاسهم، ولا سيما أنه لا يعني فقط استمرار الاحتجاجات، بل ربما توسعها واتخاذها أشكالا جديدة تعمق الأزمة المتنامية بين الحكومة والشارع الغاضب.

تدخل الملك:
حيث تراهن قطاعات واسعة من الشارع وقيادات النقابات على تدخل الملك لسحب مشروع القانون.

وبرأي مصادر مطلعة، فإن هناك خلافا داخل مؤسسة القرار بين فريق يرى ضرورة سحب القانون لإطفاء غضب الشارع المتصاعد، وآخر يحذر من الكلفة السياسية والاقتصادية الباهظة لسحب مشروع القانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *