وجهة نظر

هوية حزب العدالة والتنمية.. إلى أين؟

كشفت الأحداث الأخيرة – ابتداء من البلوكاج الحكومي، مرورا بتنصيب الحكومة الحالية، وحراكي الحسيمة-جرادة، انتهاء بمقاطعة بعض المنتوجات – كشفت هذه الاحداث عن اضطراب كبير داخل الحزب بين مناضليه وممن تصدر منهم للمسؤولية سواء التدبيرية أو التنظيمية، وخلقت أيضا هذه الاحداث زعزعة في التوجهات الكبرى للحزب بل وإلى إضعاف هويته.

هوية طالما كانت الرأسمال المربح للحزب في الحصول على ثقة الناخبين وزرع الامل في نفوس المغاربة ومن آمن بمشروعه، نراها اليوم تتبدد وتشوه وتضعف بسبب أخطاء داخلية، وممارسات سياسية تحكمية خارجية تهدف إلى نزع الثقة من الحزب وبيدقته كما حصل لبيقة الأحزاب.

فيما يخص الشأن الداخلي، التصقت هوية الحزب بخوف وتبرم أعضاءه من تحمل المسئولية وتقديم الأصلح والاكفأ وان لا يتم توليتها لمن طلبها، نراها اليوم تتبدد بالحرص عليها وفعل الذي يجوز والذي لا يجوز للحصول عليها شهوة وطموحا. بل تعدى الامر الاكتفاء بواحدة الى تعدادها تنظيميا، تدبيريا، اجتماعيا، نقابيا وغيرها في أكثر من مؤسسة ومنظمة. والنتيجة المأساة أن هذه المسؤوليات لم تعطى حقها وتم التقصير في أداءها بل احتكارها أعدم الخلف لتحملها. فكانت هوية الحزب في أقوى حالاتها وفي أتم صحتها عندما كان الأشخاص والمناصب يدورون في فلك المبادئ، ويقدمونها على ما سواها. لكن هذه الهوية بدأت تمرض وتضعف عندما أصبحت المبادئ تدور لمصلحة الأعضاء أو المناصب. حيث أصبح الانا هو المقدم وحب الرياسة والظهور أمام الناس. وحينما أصبحت المناصب وسيلة للاغتناء وكسب المال والبحث عن المصالح الشخصية.

من جهة أخرى، صبغت الهوية التنظيمية للحزب منذ انطلاقته بتلك الحرارة الأخوية وبمستوى الاحترام والتقدير الذي يجمع أعضاءه. لكن ما فتئت هذه القيم أن تتراجع ويتراجع معها المستوى التربوي العام، فأصبح جليا في انتشار مجموعة من الامراض خصوصا في كيفية تصريف الخلافات والتكلم في الاعراض والتنقيص والاستهزاء. فقيمة الاخوة التي من خلالها بني التنظيم وتميزت بها هويته نراها اليوم في أفول حاد.

أيضا من الأشياء التي شوشت على هوية الحزب هو تذويب هوية الحزب كاملا في شخص واحد واعتباره الشخصية المخلصة. الشيء الذي صرف النظر ودعا الى الاهمال في موضوع الامراض والاخطاء الداخلية، لأنه حينما ننتظر شخصا مخلصا لا نقتنع ان المشكلة في التنظيم وان فيه أخطاء يجب أن تصحح. وهذا الفكر حد من العمل الجماعي ونمى في النفوس روح الفردية وطمس في عقول الاعضاء المسئولية الجماعية ورسخ لديهم عقلية المرشد وآية الله. وعند إضعاف هذه الشخصية. أو إقصاءها أو غيابها أو تغييبها تم إضعاف الحزب لأنه لم يستمد قوته من مجموع أفراده وإنما من شخص واحد.

أما على المستوى الخارجي، فقد تعرض الحزب منذ بدايته لحملات مسعورة للقضاء عليه أو تشويه هويته، لولا الألطاف الالهية واللحمة الداخلية ووضوح الرؤية آنذاك. لكن على ما يبدو أن هذه الهجمات بدأت تؤتي أكلها بداية بزوغ ترهل هوية الحزب، فكان الارغام بقبول حكومة لا طعم ولا لون لها ولا تعكس البتة الإرادة الشعبية ولا من خول الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة. أضف الى هذا المواقف المهزوزة التي ظهر بها الحزب في الازمات الأخيرة. فالدولة الموازية كما لا يخفى على الجميع، تهدف الى جعل الأحزاب كاملة كأسنان المشط وعلى مستوى واحد حتى يتسنى التحكم فيها وتوجيهها لما يخدم مصالحها ومصالح الشركات الكبرى فقط لا غير. فالطريقة التي يجري بها تسيير الحكومة الحالية أعطت للناس صورة عن الحزب كمؤثث للمشهد السياسي فارغا من هويته النضالية وشعارات المعقول والأمانة والدفاع عن الطبقة المسحوقة.

إن انحراف هوية الحزب عن مرجعها الأساس لا شك سيولد تعددية في هويته قد نحصرها في ثلاثة أقسام: الأولى، هوية محافظة يطلق على أصحابها حراس المعبد تجتهد للحفاظ على ما تم الانطلاق منه والسعي للحصول على ما تم الاتفاق عليه. الثانية، هوية تبريرية تتعاطى سلما مع الاحداث الخارجية لا تقدر على المواجهة وتخاف على بيضة الحزب. والأخيرة، هوية مستقطبة مشكلة من أعضاء جدد التحقوا بالحزب قد تسلك مسلكين هما إما محاولة فرض هويتهم ما قد يؤدي الى صراع داخلي أو القبول بالهوية الجاهزة الى حين أقلمتها.

مهما تغنى الحزب بهويته فلن تجد لها صدى لدى الناس وستظل حبيسة السطور، ولا مجال لاستعادتها وتقويتها في هذه الظروف إلا بمزيد من النضال والثبات والوقوف في صف الشعب من أجل رفع السقف وتوسيع الهامش الديمقراطي ليس تنازعا للسلطة وإنما من أجل توفير شروط الممارسة الديمقراطية المسئولة بعيدا عن التميع الذي يشهد المشهد السياسي المغربي. فالهوية التنظيمية بطبيعتها تتأثر بالزمن وتخضع للأحداث التي تمر منها لكن ما يجعلها ثابتة وقوية هي تلك المبادئ الجامعة والتي تظهر حينما تغيب حرية الاختيار.

*عضو حزب العدالة والتنمية/بلجيكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *