وجهة نظر

هل يشهد العالم الإسلامي “صحوة إسلامية”؟

من دكار إلى جاكرتا. هل يشهد العالم الإسلامي “صحوة إسلامية” ؟

– في تجليات ومظاهر الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي

“…وهذه الصحوة – أو البعث، أو اليقظة – التي نعيشها اليوم، هي صحوة عقل وفكر، وصحوة عاطفة وقلب، وصحوة إرادة وعزم وصحوة عمل ودعاوة .فهي صحوة شاملة، وهذا من خصائصها “.الفقيه يوسف القرضاوي كتاب: “الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي” صفحة 6 .

إقبال الشباب على القراءة بنهم – إنتشار الكتاب الإسلامي بين الشباب –الإقبال على العلماء والمفكرين من دعاة الإسلام – ترجمة الكتب الإسلامية إلى جميع اللغات – الكتاب الإسلامي يضرب الرقم القياسي في سوق التوزيع – حماس دافق لدى الشباب إذا ذكر اسم الله ورسوله – مشاعر الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ومشاعر البغض للطاغوت وأوليائه والشيطان وحزبه – صعود تيارات تنادي بضرورة العودة إلى تحكيم وتطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة – أداء الفرائض واتقاء المحارم، المساجد عامرة، مواسم الحج والعمرة مملوءة – ابتعاد الشباب المنتمون إلى الصحوة عن تناول المسكرات والمخدرات وألوان الهو والحرام – إظهار السنن: إعفاء اللحى، إلتزام الحجاب، الإعتكاف في رمضان وصلاة العيد في الخلاء – إنتشار العمل الخيري- الصحوة عالمية شملت بلاد العرب والعجم.
باختصار شديد هذه مظاهر الصحوة الإسلامية التي يعيشها العالم الإسلامي كما وردت في الكتاب المذكور أعلاه لأحد منظري “الإسلام المعاصر” العالم العلامة الشيخ والفقيه والداعية الكبير يوسف القرضاوي.

– هل في هذه التجليات والمظاهر ما يوحي بأن العالم الإسلامي يعيش الصحوة الإسلامية ؟

“…إن هذا الجانب الهام مما دعاه المراقبون والصحفيون ب”عودة الدين” أو(الصحوة الدينية)،يدل في الواقع على تفسخ الخطاب الروحي والاستخدام المبتذل أو الرديء للقرآن نفسه”. المفكر محمد أركون كتاب: “القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني” صفحة 17.

“… إن تنامي الحركات الإسلامية وكذا الحضور القوي للإسلاميين في جل الميادين، لم يمنع من تقلص وزن الوازع الديني في مجالات اجتماعية عريضة”. المفكر محمد الطوزي كتاب: ” الملكية والإسلام السياسي في المغرب” صفحة 14.

على عكس ما راح إليه الشيخ القرضاوي وكل من يشاطره الرأي في كون العالم الإسلامي يعيش “صحوة إسلامية” نسجل على مضض أن واقعنا يعج ويصرخ بكل ما يناقض وينقض هذا الكلام ونقول:

هناك فتنة عامة وشبه شاملة وطائفية متعددة بين الشيعة والسنة وفي نفس الطوائف والفرق والمذاهب، في العراق في سوريا في لبنان واليمن في أفغانستان وباكستان في الهند …

هذا التعدد والتنوع (الطوائف والفرق الإسلامية) حاليا لا يشكل عنصر إثراء وإغناء للدين الإسلامي والثقافة الإسلامية عامة، بقدر ما هو عنصر تدمير وتنحية وقتل، لأن منطق الفرقة الناجية والمنصورة بالله والآخرين إلى الجحيم هو الذي يحكمه، لا منطق الاختلاف رحمة ورأي صحيح يحتمل الخطأ…

سجلنا الظهور القوي والمكثف للحركات الإيديولوجية الإسلاموية :”الإسلام الدعوي”، “الإسلام السياسي”، “الإسلام التشريعي القانوني”، “الإسلام الطقوسي الشكلي”، “الإسلام الجهادي”: حركة الإخوان المسلمين المعولمة والوهابية الأممية، تصدير الثورة الإيرانية وشيعنة العالم الإسلامي، حركة أبو سياف والقاعدة وداعش وبوكو حرام وشباب الصومال…

تحت شعار “الإسلام هو الحل” لاحظنا لافتة ضخمة مكتوبة بالبنط العريض مرفوعة في كل مكان كعنوان للمرحلة واختصار للمشروع الحضاري للأمة -لا أدري إن عُرِف وفُهِمَ الإشكال أصلا – ؟.

لاحظنا هيمنة بعض الحركات الانتهازية على الدين وممارسة السياسة باسمه والاسترزاق به مع العمل على إفراغه من كل ما هو روحاني وأخلاقي. هذه الحركات همها الوحيد هو تعبئة الجماهير وتجييشها بل حتى تهييجها وتحويلها إلى خزانات لا تنضب لكل ما يخدم مصالحها أقلها استعمالها كقاعدة واسعة وعريضة لأي عمل انتخابي.

انتبهنا إلى تزايد الأتباع وانتشار الشعبوية والتقليد الحذافيري الصارم للأسلاف: (هيئة، هندام، لحى قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى مع حف الشوارب، دينار على الجبهة، لباس وحجاب النساء بأشكال متعددة (جلباب، نقاب، برقع …)، طريقة الأكل والجلوس والتزين …).

لمسنا النظرة العدمية والعداء لكل ما هو فن: مسرح، سنيما، رسم، نحت، موسيقى ورقص. وتحويل العديد من الأفراح والأعراس إلى ما يشبه المآتم والعزاء.
لاحظنا النظرة الاستعلائية والاحتقارية للثقافات الشعبية واللغات المسماة أعجمية وإن كانت هي لغة الأغلبية من الشعوب الإسلامية:(الأمازيغية، الكردية، الفارسية، التركمانستانية…) مع تقديس اللغة العربية واعتبارها لغة آدم والجنة.

سجلنا تزايد النظرة الدونية للمرأة واعتبارها عورة ومصدر إغراء ومجرد حريم للرجل وأن مكانها الطبيعي هو المطبخ والفراش ولابد من وأدها ولو رمزيا.
أدركنا انتشار ثقافة الطب الشعبي ومنطق الحبة السوداء دواء لكل داء:(السحر والشعوذة، الحجامة و الرقية الشرعية) التي أصبحت تذر الذهب على أصحبها.
سجلنا الإكثار من بناء المساجد مع الحرص على الزخرفة المكلفة في بلدان تئن تحت الفقر وجوع فئات واسعة من أبنائها، مع عدم الاكتراث للمدارس والمكتبات والمستشفيات والحدائق والملاعب. في كل البلدان الإسلامية هناك وزارة للشؤون الإسلامية وليس في أي منها وزارة خاصة بالبحث العلمي.

هناك سيادة عقلية الإقصاء والانفراد بالرأي ورفض الآخر وإن كان من نفس العقيدة مع هيمنة منطق الفرقة الناجية والآخرين المختلفين إلى جهنم واستهلاك الخطاب التكفيري الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب كل مخالف لرأي الجماعة المنصورة بالله.

نلاحظ انتشار فكر وخطاب معادات الغرب وكل ما له علاقة بفكره وتحميله جميع مسؤوليات تخلفنا وجهلنا وفشلنا والحروب فيما بيننا، مع استهلاك كل منتوجاته المادية: التكنولوجيا ووسائل التواصل والترفيه والسكن والأكل والشرب واللباس، فذلك حلال طيب علينا، فالله سبحانه سخر لنا الكفار لخدمتنا في هذه الأمور لا غير.
شاهدنا جمعيات خيرية تنبت في كل الدروب والأحياء ظاهرها دعوي إسلامي وباطنها سياسي تعمل على تقديم مساعدات ورغيف خبز مطلي بفكر وهابي أو إخواني أو حتى شيعي مقابل الولاء الطائفي والسياسي.

شاهدنا أفول بعض نجوم السماء وتوهج نجوم: يوسف القرضاوي، أبو قتادة الفلسطيني، أبو حمزة المصري، محمد حسان، العريفي، عمرو خالد…على شاشات قنوات: الجزيرة وإقرأ والهدى والرحمة والناس والمنار…الممولة من عرق الشعوب الإسلامية التي ترزح تحت الفقر والجهل والأمية وتتنفس وعودا وأوهاما من مشايخ التجهيل والتحريم.

لاحظنا استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة في الدعوة إلى الجهل وديمومة التخلف وتسخير لوجستيك ضخم من أجل تنشيط برامج تتحدث عن: تقنيات الوضوء والتيمم وبول البعير وعن هول وعذاب القبور وإرضاع الكبير أو حول لباس المرأة ولحية الذكر…
لاحظنا جامعات أفرغت من محتواها الفكري والعلمي وأصبحت في مؤخرة الترتيب العالمي، كما أصبحت تعج بلحى متعددة الأشكال وبأحجبة متنوعة مع سيادة ثقافة الشعارات المهيجة والوثوقية المطلقة وتغييب الفكر النقدي والنسبي.

شاهدنا ظهور حركة أسلمة المعرفة والعلوم ومبحث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة مع صفر اختراع علمي. كما لاحظنا هجرة جماعية لبعض الأطباء والمهندسين والتقنيين والخبراء إلى العمل الدعوي بل وتحول بعضهم إلى زعماء للجماعات الإرهابية ( بلادن والظواهري…).

لاحظنا كثرة كتب وكتابات يغلب عليها طابع التكرار والاجترار وعقم في الاجتهاد والإبداع مع غياب منتوجات فكرية عن اللاهوت الإسلامي وعلم العقائد وعلم أصول الفقه وإن وجدت فهي مطبوعة بالبساطة والسطحية والفقر في المنهج والتحليل والمراجع مع الاكتفاء بإعادة ما قاله السلف الصالح، كما نسجل غياب فقهاء وعلماء الدين كبار من طينة الشافعي وابن تيمية والغزالي وابن رشد وابن عربي…

شاهدنا التطبيل وإقامة الأفراح لكل فرد من الغرب المسيحي الكافر انضم للإسلام خصوصا إن كان ذو مكانة اعتبارية معينة (سياسي، فنان، نجم سينمائي، رياضي، مفكر…).
لمسنا في واقعنا والمعايش اليومي اتساع الهوة بين الخطاب الإسلامي المثالي والواقع المملوء بكل أشكال الانحرافات الأخلاقية: الغش، السرقة، الكذب، الرشوة، التحايل والتزوير … وغياب قيم: الإخلاص، الوفاء، الكرم، القناعة، التسامح، الاحترام، الكرامة وحفظ العهد …

سجلنا تراجع إسلام أجدادنا وأباءنا، واندثار إسلام البسطامي وابن الرومي وابن عربي وظهور جماعات للدعوة والتكفير والقتل: جماعة أبو سياف بالفلبين، القاعدة المعولمة، داعش تصدير الجهاد، بوكو حرام متخصصة في سبي البنات، الشباب المجاهدين بالصومال….

لاحظنا تآكل قيم ذات أبعاد تضامنية اجتماعية وظهور ذاتية مفرطة تقتات من كل ما هو تحايل وغش وتزوير حتى وإن كانت الأمور ذات صلة بما هو ديني: (بناء وتجهيز المساجد، الأضاحي ذات اللحوم الزرقاء يوم العيد كمثل يصرخ، وكالات أسفار التي تحايلت على آلاف الحجاج والمعتمرين مثل يتكرر كل سنة، المضاربات واحتكار السلع أيام المناسبات والأعياد الدينية، (احتكار وتخزين المواد، الزيادات في أسعار المواد وكدا في تذاكر السفر…).

لاحظنا أبناكا بعد أن بدلت جلودها كما لو كانت أفاعي، أصبحت بقدرة السوق أبناكا إسلامية أو تشاركية دون أن يتغير شيء من محتواها وقيمة أرباحها.
شاهدنا الحجاب بكل أشكاله يدخل حلبة الموضى ويقتحم معارض الأزياء العالمية.

بعض الأسئلة تفرض نفسها:

هل منسوب الجهل انخفض في المجتمعات الإسلامية ؟ هل اندثرت الأمية ؟ هل معدل الفقر تقلص؟ هل مستوى التعليم ارتفع؟ هل التطبيب انتشر في القرى والمدن؟ هل السكن اللائق أصبح في متناول العموم؟ هل النظام أصبح سيد الموقف؟ هل النظافة عمت قرانا ومدننا؟ هل خَفَّت الشعوذة وكسد عمل السحرة والدجالين والمتحايلين وأصحاب دكاكين الحجامة والرقية الشرعية التي تحولت الى تجارة مربحة تذر الملايين على أصحابها وأصبحت قنابل اجتماعية موقوتة؟ هل رفعنا أيادينا عن الشيطان والجن والعين الذين هم المتهمون الأوائل دائما وأبدا في كل فعل نقوم به دون أن نحمل أنفسنا قسطا من المسؤولية، دون أن ننتقد ذواتنا ونراجع أنفسنا بعيدا عن الآخر المجهول الذي أضفنا إليه مؤخرا الدول الغربية التي أصبحت هي المشجب الوحيد الذي نعلق عليه كل مصائبنا، تخلفنا جهلنا، حروبنا وفشلنا ؟.
وأخيرا، مع نقل السفارة الأمريكية بإسرائيل إلى القدس. هل احتج المسلمون بأمريكا أمام البيت الأبيض ؟ هل خرج المسلمون بألمانيا إلى شوارع برلين؟ هل تظاهر المسلمون بفرنسا في باريس ؟ هل اعتصم المسلمون بالحجاز في الرياض ؟ هل أضرب المسلمون بإندونيسيا في جاكرتا ؟…هل تزعم الوافدون الجدد على الإسلام أي حركة احتجاجية أو رفعوا أي عريضة استنكارية للرئيس الأمريكي ترامب ؟.

طيب هناك أصوات سترتفع لتقول أن هذه الأمور من مسؤولية السلطة ونحن لا سلطة لنا. لكن ماذا عن خمسين سنة من عمر “الصحوة الإسلامية” ؟ ماذا عن تجربة إيران والسودان والسعودية والباكستان ؟. ولنذهب إلى المجالات التي احتكرتها وتحتكرها الحركات الإسلامية بكل أطيافها و تلاوينها. نعم هناك ظاهرة امتلاء المساجد عن آخرها وافتراش المساحات العمومية وبعض الشوارع أيام الجمعة والتراويح، لكن مع كثرة الفوضى وقلة النظام والاحترام والسرقة حتى داخل بيوت الله والأزبال والضجيج بمحيطها. نعم نرى كثرة السجود وقلة الجود. نعم نرى اكتظاظ في الجوامع مع الفراغ والخواء في الروح. نعم مواسم الحج والعمرة مملوءة لكن مع ما تخلفه من ضحايا كل سنة. وماذا عن الشعوذة وزيارة القبور وما يقع فيها ؟ وماذا عن الرقية الشرعية والحجامة ؟ ماذا عن الرشوة ؟ ماذا عن احترام القانون؟ وماذا عن نظافة الأزقة والشوارع ؟ ماذا عن احترام الجار؟ ماذا عن الغش الذي طال كل شيء من السياسة إلى التجارة إلى الامتحانات المدرسية ؟ ماذا عن عدم الاتقان في العمل ؟ ماذا عن التحريف والتزوير وشهادة الزور؟ ماذا عن الكذب والنميمة والنفاق ؟ ماذا عن احترام قانون السير؟ ماذا عن التحرش الجنسي وعدم احترام الآخرين ؟ ماذا عن مظاهر البذخ واستعراض عضلات المال حتى في الجنائز والعزاء ؟ ماذا عن الفضائح السياسية والمالية والجنسية لبعض الشيوخ والفقهاء ؟ هل اندثرت هذه السلوكيات المشينة والمدمرة أو على الأقل تقلصت إلى الحد الأدنى أم على عكس ذلك استفحلت وزادت انتشارا وتوسعا ؟.

خلاصة مقتضبة ليس من باب المزايدات أو النظرة التشاؤمية المفرطة أو حتى طغيان لذاتية متموقعة، إن رسمنا صورة قاتمة عن الوضع السائد الذي تعيشه الشعوب الإسلامية وقلنا عكس أصحاب “الصحوة الإسلامية” لا صحوة ولا يقظة ولا إفاقة ولا قيام ولا انبعاث ولا نهضة إسلامية، بل عكس كل ذلك، هناك انحدار وانزلاق نحو الحضيض والمزيد من المستنقعات المملوءة بالضحالة والرداءة. هناك هجرة من الأخلاق إلى اللاأخلاق، هناك مغادرة القيم الى اللاقيم، هناك رحيل من المعنى إلى اللامعنى، هناك قيم وأصول تتآكل وتندثر وفي المقابل تنمو وتزدهر أخرى مُدَمِّرة. هناك فن وجمال ينسحب وقبح وخراب ينتشر ويعم كل الأمكنة.
لا أدري إن كانت الظواهر والمظاهر التي سردناها فيما مضى هي ما يسمى ب”الصحوة الإسلامية” أم هناك أمور خفية لا يعلمها إلا أصحاب هذه الأوهام، أو ربما تعاريف أخرى تليق لوضعنا الراهن ؟.

ذات يوم سُئِل شاب معروف بكثرة نومه: إذا صحيت من نومك ماذا تفعل ؟ أجابهم: أستريح.
هذه الأشكال والأفعال والحركات والمظاهر والظواهر لا تشكل في العمق إلا نوعا من رد الفعل السلبي على قيام الدولة الوطنية والتشريع الوضعي وهيمنة الرأسمالية المتوحشة التي اكتسحت كل الميادين وعلى العولمة التي كسرت جميع حدود المعارف واقتحمت جميع الحقول بما فيه الحقل الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *