وجهة نظر

حزين، وأشعر بالاختناق، يا بلادي!

وأنا أقرأُ مقالةَ الأستاذة زكية حادوش (تعيش وتأخذ غيرها، يا وطني!)، صرتُ كمَنْ يسبحُ في جُرحٍ سحيق، في جُرحٍ يُغطي قرناً كاملاً من الزمن، أعادَ ذاكرتي إلى الوراء، وإلى الفترةِ الاستعمارية بالضبط!

لكني تساءلتُ أيضاً، تساءلتُ بحرقةٍ حارقةٍ جداً؛ ماذا أنجزنا نحنُ أجيال ما بعد الاستقلال؟ بل ماذا أنجزَآباؤنا والجيلُ الذي عاش الفترتين مُخضرماً؟

قبيلَ التصويت، وفي لحظاتِ تقديمِ ملفٍ باسمِ المغرب لاحتضانِ مونديال 2026، اِنتابتني مشاعرٌ حزينة، تجاوزتْ في حالتي كل الحدود، مصحوبةً بالغضبِ والاختناق وبنوبةٍ من التقززِ، غير مألوفة!

كان المتحدثُ باسمِ الملف المغربي واحداً من أثرياءِ المغرب، ومن “وجهاء السياسة الجُدُد” أيضاً! كان يرطنُ الفرنسيةَ رطانةًملحوظة، حتى كاد يبدو مزهواً بنفسه زهواً كبيراً! قالتْ اِبنتي: “يبدو هذا الوزير الثري واثقاً من نفسه! هل هو فرنسي؟”

قلتُ: هذه الآفةُ المنحدرةُ من الاستعمارِ وتنشئتِه البعدية، تحولتْ عندنا إلى مُوضةٍ لا تقدرُ بثمن، عند المُتنفذِين في مفاصلِ القرارِ بهذه البلادِ الآمنة، وإلى صيغةٍ مُحَينَةٍ باستمرارٍ، من الحجرِ والحماية؟

وحين فتحتُ صفحتي وبريدي على “فايس”، قرأتُ تعليقاتٍ كثيرةً حول الموضوع. كانتْ خليطاً من مشاعرِ السخطِ على “ترامب” والسخريةِ مِنْ نتيجةِ التصويت، ومِمنْ قدمَ ملفنا للتصويت، بلسانِ المستعمرِ ورعايتِه المنهوكة!

آه! هكذا، تنهدتُ من أعماقي، وأنا أطلِعُ على رسالةٍ قصيرةٍ من صديقٍ روسي افتراضي. لقد تساءلَ مُستفسراً ومُدَوناً: لماذا لم يقدمْ المغرب ملف احتضانه لمونديال 2026؟ هل انسحبتُم فجأةً؟ هل مارسَ عليكم “ترامب” ضغوطاً رهيبة، فتنازلتُم في آخر لحظةٍ لفرنسا؟

وبتسرعٍ ملموسٍ وقلقٍ شديد، بعثتُ هذا الرد، متفاعلاً ومنفعلاً: “لا تسخرْ كثيراً صديقي، قدمنا ملفنا للتصويت، ولم يكنْ تَحققُ المعجزة ِمُمكناً”! وفي نحوِ رمشةِ العينِ أو أكثر، وصلَ الرد على رَدي: “لقد تابعتُ حفلَ التقديمِ ولحظاتِ التصويت، لم أرَ ملفاً مغربياً، رأيتُ فقط ملف مستعمرةٍ فرنسيةٍ ينافسُ ملف ترامب ومن معه! فما لغتكم، يا محمد؟”

وكأنني مُهانٌ مكسورُ الكيان،لم أَرُدْ. ودعتُه على أساسِ تواصلٍ لاحق، ثم تساءلتُ أولَ الأمر؛ ربما لسانُ فرنسا قد صارَ إرثاً تليداً عزيزاً وضرورةً قصوى!، أَكانَ بعضُ النشطاءِ عندنا باسمِ الملف الأمازيغي سيسكتون لَوْ تَم هذا التقديمُ بلغةِ الضاد؟ وهل كان مَنْ يحكمُ فعلاً، سيسمحُ بغيرِ لسانٍ فُرْنِسَ على مَد “الاستقلال”، لهذا الغرضِ ولمثلِ هذه المناسبات؟

قلتُ: قد أظل أستغربُ في المغربِ ما بقيتُ حياً! لا يهم،”المُهم هو المشاركة”! إن الرب يحب كثيراً العبد الملحاح. كانتْ هذه هي المحولةُ الخامسة، وأمامنا السادسةُ والعمرُ كله. وفي المحولةِ المقبلةِ، في ملف 2030 مثلاً، وهو الموعدُ القريبُ الوشيك، أنا متأكدٌ حَد اليقين من الفوز. لكن بشرطٍ واحدٍ فقط، بشرطٍ لا مفر منه ولا بد منه؛ أنْ نُكثرَ من قطعِ علاقتنا الدبلوماسية وغيرها، مع الدولِ والبلدانِ التي مصالحنا الحقيقية معها… فهؤلاءِ أو أولئكَ هُمْ مَنْ صوتواْ لنا، إلا مَنِ امتنعَ مُتأكداً من حجمِ الخواء في ملفنا الأخير!

فيَا أيها المُفَرْنَسُون والمُستغربون بيننا، لساناً وهوىً. ويا مَنْ يُنَفذون هذه السياسة فينا، بقصدٍ وعن غيرِ قصدٍ، من الدولة والحاكمين إلى بعضِ النشطاءِ باسمِ الهوية أو باسمِ أوهامٍ وفُتاتٍ عابر. ويَا أيها الاستعمارُ المترجم:وَوَوَاحْدْ شْبْرْ دْ التسَاااااااعْ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *