سياسة

المغرب/إسبانيا.. علاقات على المحك عقب عودة الاشتراكيين للحكم (تحليل)

يرى خبراء أن التغييرات الطارئة على الحكومة الإسبانية بإقالة البرلمان رئيسها المحافظ ماريانو راخوي، وتعيين الاشتراكي بيدرو سانشيز، ستضع العلاقات الإسبانية المغربية على المحك.

ومطلع يونيو  الجاري، صوت البرلمان الإسباني لحجب الثقة عن راخوي على خلفية فضيحة فساد، فيما منح ثقته لـ “سانشيز”، وذلك بعد 6 سنوات من تخلي الاشتراكي خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو عن السلطة عام 2011.

تغيير داخلي جوهري سيمتد، بلا شك، لما هو خارجي، وخصوصا إلى الجارة الجنوبية المغرب، باعتبارها شريكا أمنيا وسياسيا واقتصاديا استراتيجيا.

ويتوقع محللون أن تكون لهذا التغيير تداعيات على سياسات البلاد الخارجية، خصوصا في نهج التعامل مع الرباط بشأن عدد من الملفات الحساسة، مثل مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للإدارة الإسبانية، واللتين تعتبرهما الرباط محتلتين.

كذلك، تتصدر قضية الصحراء، أو النزاع بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، صدارة القضايا الجوهرية التي قد تطولها حمم عودة الاشتراكيين إلى الحكم في إسبانيا، خصوصا وأن هذا الملف لطالما كان موضع خلاف بين الرباط ومدريد بسبب حياد الأخيرة بشأنه، وهو ما يزعج المملكة بشدة.

** حكومة راخوي والمغرب.. براغماتية

بالنسبة إلى حكومة راخوي المقالة، فقد أظهرت براغماتية كبيرة في التعامل مع المملكة.

وطوال السنوات الماضية، لم تشهد العلاقة بين البلدين سحبا للسفراء أو أزمات طويلة الأمد، مثلما كان عليه الحال في عهد رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسي ماريا أثنار (1996 ـ 2004).

كما لم تشهد استدعاء السفير المغربي في مدريد، كما حصل في الولاية الثانية للاشتراكي خوسيه لويس ثباتيرو، على خلفية زيارة العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس إلى سبتة ومليلية عام 2007.

** البيت الداخلي

الأرقام تظهر أن إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ عام 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية بالمغرب.

ورغم أن التعاون الأمني بين البلدين بلغ مستويات غير مسبوقة، إلا أن عددا من المواضيع الأخرى ما زالت تشكل محرارا يقيس درجة الحرارة بين البلدين، خصوصا ملف سبتة ومليلة وقضية الصحراء.

فعلى الصعيد الأمني، استطاع البلدان بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، حيث فككت العديد من الخلايا الإرهابية بطريقة مشتركة.

وانتقل التعاون من مستوى تبادل المعلومات إلى تنظيم ندوات علمية حول المخاطر الأمنية، وطرق التنسيق لمواجهتها.

وفي تعقيب حول الموضوع، قال نبيل درويش الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية، إن “طبيعة التشكيلة الحكومية الحالية تبين أن هدفها حل المشاكل الداخلية لإسبانيا التي تعتبر اليوم مكسورة الجناح”.

واعتبر درويش في حديث للأناضول، أن الحكومة الإسبانية تضم جوزيب بوريل (وزيرا للخارجية) وهو من كتالونيا، غير أنه من المعارضين لانفصال الإقليم عن مدريد.

كما تضم أيضا السياسية الكتالونية ميريتشل باتت، وزيرة للإدارة العمومية، والتي من المنتظر أن تشرف على الحوار بين مدريد والإقليم.

واعتبر درويش أن الحكومة الإسبانية تتفهم حجم وطبيعة العلاقات مع المغرب، مستبعدا اندلاع توتر بين البلدين، لأن اهتمام الحكومة الجديدة سينصب على المشاكل الداخلية وترميمها.

** جوار حذر

لكن، ورغم الملفات الملتهبة التي ستشغل اهتمام الحكومة الإسبانية، إلا أن درويش أشار إلى أن ذلك لن يغيب الملفات الخارجية المهمة مع المغرب.

وتابع أن “موقف الحكومة الإسبانية الجديدة من قضية الصحراء، سيكون له دور كبير في تحديد طبيعة العلاقة بين البلدين”.

وخلص الخبير المغربي إلى أن الجوار بين البلدين سيظل دائما حذرا، بحكم استمرار وجود ملفات خلافية في مقدمتها قضية سبتة ومليلية، والمواقف العدائية من قضية الصحراء التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى.

وهي الملفات التي يتم تركها جانبا في الوقت الحاضر، لكنها دائما كانت المصدر الرئيسي للأزمات الدورية التي طبعت العلاقات في السنوات الـ 15 الأخيرة.

خلافات مستمرة تبدو شبيهة بقنابل موقوتة يمكن أن يفجرها الرأي العام الإسباني، على وجه الخصوص، في أي لحظة، وفق درويش الذي قال إن الرأي العام الإسباني مهيأ لأي فكرة تعادي المغرب، فيما “يغيب هذا الحماس كلما تعلق الأمر بدعم مصالح المغرب أو الدفاع عنه”.

أما عاطف بوكمزة، الباحث المغربي في العلوم السياسية، فقال للأناضول إن “الموقف الإسباني من قضية الصحراء سيتسم بالحذر في مرحلة الاشتراكيين”.

وأضاف بوكمزة أن “علاقات البلدين عرفت في الأشهر الأخيرة الكثير من التراجع، خصوصا المواقف الإسبانية من قضية الصحراء، حيث اختارت مدريد الحياد”.

وأوضح أن إسبانيا “تحاول التأكيد دائما على حق تقرير المصير، وهو موقف غير ثابت يقلق كثيرا الجانب المغربي، ويجعل العلاقة بين الدولتين مشحونة بالقلق والحذر”.

وتابع: “مع وصول الحكومة الاشتراكية الجديدة بقيادة سانشيز، سترتفع حدة الحذر من الجانب المغربي، والقلق من الخطوات المقبلة، خصوصا أن مواقف الحزب الاشتراكي مؤخرا من مجموعة من القضايا التي تهم الرباط، تبعث على القلق، وتعطي مؤشرات بخصوص احتمال وجود توتر في العلاقات بين الجانبين”.

** اتفاقية الصيد البحري.. موطن خلاف آخر

وبخصوص الجدل المتفجر حول اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، قال بوكمزة إن “الاشتراكيين حاولوا دائما التركيز على ضرورة احترام الاتحاد الأوروبي للقرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية”.

وينص قرار محكمة العدل الأوروبية، على عدم تضمين مياه الصحراء للاتفاقية المقبلة مع المغرب، وهو الأمر الذي رفضته الرباط”.

وصرح المغرب في وقت سابق، بأنه سيمتنع عن توقيع الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الاتفاق الحالي في 14 يوليو المقبل، في حال استثناء الصحراء من الاتفاقية الجديدة.

وفي أبريل الماضي، انطلقت مفاوضات تجديد اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي بالرباط.

ويأتي انطلاق هذه المفاوضات رغم صدور حكم من محكمة العدل الأوروبية في فبراير الماضي، ينص على أن “اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ساري المفعول ما لم يُطبق على إقليم الصحراء ومياهه الإقليمية”.

وفي 25 فبراير 2016، أوقف المغرب الاتصالات مع الاتحاد ردا على حكم أولي لمحكمة العدل الأوروبية في ديسمبر 2015، يقضي بإلغاء اتفاقية تبادل المنتجات الزراعية والصيد البحري بين الجانبين، لتضمنها منتجات إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المملكة و”البوليساريو”.

ثم قررت الرباط في الشهر التالي استئناف الاتصالات مع بروكسل، بعدما تلقت المملكة تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها.

وتسمح هذه الاتفاقية للسفن الأوروبية بدخول منطقة الصيد الأطلسية للمغرب، مقابل 30 مليون يورو سنويا يدفعها الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى 10 ملايين يورو مساهمة من أصحاب السفن.

وتهم الاتفاقية نحو 120 سفينة صيد (80 بالمائة منها إسبانية) ‏تمثل 11 دولة أوروبية، وهي: إسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وهولندا، وآيرلندا، وبولونيا، وبريطانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *