وجهة نظر

تركيا الحكاية .. عندما تنتخب

إنطلقت وسط أزقة إسطنبول، مررت بالجامع الكبير الفاتح ، ونظرت إلى خليط الناس الذين تكونت منهم هذه المدينة ، إلى أبيضهم وأسودهم ، إلى ماينحدر من الترك والعرب والكرد والفرس والعجم ، إلى التجار والصناع والعمال ، ثم نظرت إلى ملامح كل من مررت به ذلك اليوم أتسأل كيف سينقسم كل هؤلاء الناس وهم يعيشون هكذا؟.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل شهر إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في 24 من حزيران ،ففي الحين الذي رشح فيه حزب الحركة القومية أردوغان للرئاسة بالتزامن مع المؤسسات المعنية التحضير لهذا الإستحقاق الذي يصادف اليوم ، قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي :”إن إجراء الإنتخابات المبكرة من شأنه إغلاق الباب على من يتأمرون على بلدنا”.

ولقد شهد حقل العلاقات الدولية منذ تولي أردوغان للرئاسة العديد من الحوارات التنظيرية التي يروج لها الغرب ضد حكم الحزب الحاكم الحالي بتركيا والتي كان من شأنها إحداث بعض التغيرات المتتابعة في العلاقات الدولية مع تركيا الجديدة .

حيث كان طبيعي أن تلقي بعض التطورات والتعديلات التي قام بها حزب العدالة والتنمية في تركيا والتي كانت أغلبها إقتصادية بظلالها على حقل السياسة الخارجية الذي مثل في الأونة الأخيرة أحد أهم حقول التجاذبات والسجلات السياسية الدولية بالوقت الراهن.

فنتيجة لتطبيق عملية التحرر منذ حقبة ثمانينات القرن الماضي ،شهد الإقتصاد التركي فترة إرتفاع في النمو. فقد حققت التجارة الخارجية ، على مستوى الصادرات والواردات على حد سواء نموا مطردا مع ملاحظة تغيرات ملموسة في هيكل الصادرات وتعتبر تركيا التي أصبحت منذ 1995 أحد أهم أعظاء منظمة التجارة العالمية(WTO) أو إنضمامها للإتحاد الجمركي عبر إتفاقية الإتحاد الأروبي.

تركيا الحكاية ليست بسياستها التي تستقطب هذا العداء الغربي للحزب الحاكم الحالي بل بتركيا الجديدة التي أسست قبل أكثر من عشر سنوات ، فمن المركز 110 إلى المركز 16 بمعدل عشر سنوات قفزت الدولة الحديثة التركية ليتعدى الناتج القومي لها حوالي تريليون ومائة مليار دولار وهو مايساوي إقتصاديات أكبر دول الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى ذلك عملت تركيا على الإهتمام بالتعليم والصحة والتي فاقت ميزانيتهم ميزانية الدفاع ، حيث ساوت بين راتب المعلم والطبيب على حد سواء وإستطاعت أن تبني أكثر من 125 جامعة جديدة ، وأكثر من 189 مدرسة و510 مستشفى وعدد كبير من المستوصفات.

فكما يحدث عادة في البحث عن أسباب النجاح ، بدأ هذا المشروع في تركيا لإستقصاء ظاهرة واحدة وإنتهى لإستقصاء شيء مختلف إلى حد ما ، فأن تستكشف كيف يتأنى لهذه الدولة أن لا تؤثر على فهمنا للعيش المشترك والإقتصاظ القوي في صنع السياسة الخارجية ، فعلى الفور ندرك أن فهم الكيفية التي تؤثر بها السياسات الداخلية على السياسات الخارجية تقتضي أن يكون لدينا أولا قاعدة تنطلق منها.

فأردوغان إذ نجح في إرساء القواعد التي تتيح له بناء نظرية عامة لسياسته الخارجية عبر تطبيقه للعيش المشترك الداخلي والإقتصادي بهذه القيمة الفعلية والتي يقدم بها إسهاما فعليا في توفير الرخاء للشعب التركي ، فعندما نتحدث عن النظام الرئاسي الجديد الذي يرسم خطته لعهدة قادمة بعد إنتخابات اليوم والذي يتجلى في جعل إسطنبول “المركز المالي الأول بالعالم” ، فإنه بهذا يقدم نموذج لنمط مثالي لما ينبغي أن تكون عليه السياسة القوية للدولة التركية الجديدة.

لم تكتب هذه الأشياء خلال اكثر من العشر سنوات لكونها عادية بل لأنها إستثنائية وتشكل أمثلة جيدة للعناصر التي تكون ملف السياسة الخارجية التركية في مواجهة الغرب، فلقد كانت سياسة التحالف والقرارات التركية شأن المعونة الخارجية وشؤون سياسة التجارة والخطوات المتخذة لجعل قانون الحظر القائم عليها منذ زمن بعيد نافذا.

لتعكس هذه الأفعال مايمكن أن تتوقع ما تتخذه دولة عظمى في إطار سعيها لتحقيق مصالحها خلال أي فترة معينة ، ولهذا كانت فترة أردوغان حكاية الدولة العظيمة تركيا، فكيف سينقسم كل هذا الشعب وهو أساس الحكاية؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *