سياسة

لجنة التقصي بالمستشارين تصدر تقريرا “فارغا” حول نفايات الحيطي

خالف التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق بمجلس المستشارين حول ترخيص الحكومة باستيراد النفايات الخطرة من إيطاليا على عهد الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي، توقعات المتتبعين بشأن خلاصته والنتائج التي توصل إليها، حيث لم يحمّل التقرير المسؤولية لأي طرف معين، كما لم يستطع الاستماع إلى عدة أطراف معنية بالموضوع، ناهيك عن فشل لجنة التحقيق في إجبار وزارة الداخلية على التجاوب معها.

وكان ملف استيراد النفايات الخطرة من إيطاليا قد تفجر خلال شهر يوليوز من سنة 2016، بعدما تم الكشف من طرف وسائل إعلام ايطالية عن إدخال أطنان من النفايات السامة من إيطاليا نحو المغرب، وهو الموضوع الذي أثار ضجة إعلامية بالمغرب وكان أيضا موضوع احتجاجات في الشارع من لدن عدد من النشطاء المهتمين بالمجال البيئي، الشيء الذي دفع بحوالي 43 مستشارا برلمانيا إلى التوقيع على عريضة من أجل التقصّي في الموضوع.

وكشف تقرير لجنة التقصي الذي حصلت عليه جريدة “العمق”، أن الشحنة المستوردة من إيطاليا موضوع التحقيق لا تزال بمكانها بمعمل بسكورة دون أن يتم التعامل معها منذ دخولها إلى المغرب قبل عامين، مشيرا أن المسؤولون بالوحدة الصناعية التي تتواجد بها الشحنة لحد الساعة أكدوا أنها تتعلق بوقود بديل يُستعمل في إنتاج الإسمنت، ولا تشكل أي خطر لا على البيئة ولا على الساكنة، وأنها تحرق وفق شروط تحترم المعايير الدولية.

والملاحظ في التقرير أنه رغم كونه تلقى معلومات من طرف أحد المستجوبين في الملف أن وزارة التجارة والصناعة التي يرأسها حفيظ العلمي تتحمل المسؤولية المباشرة في استيراد مادة متلاشيات الحديد (la ferraille) قصد تدويرها في معامل صوناسيد، دون تنسيق أو مراقبة مع وزارة البيئة بحكم إمكانية حمل هذه المادة لمكونات مشعة وسامة، إلا أن لجنة التقصي لم تستمع إلى الوزارة المذكورة ولم يرد في التقرير أي مسؤولية لوزارة العلمي في الموضوع.

كما كشف التقرير أن وزارة الداخلية رفضت التجاوب مع لجنة التقصي ولم تتوصل اللجنة بجواب من وزارة الداخلية على المراسلة المتعلقة بتزويدها بالتقرير الذي أعدته خلال التحقيق الذي باشرته بخصوص شحنة النفايات الإيطالية، مُضيفا أن أي جهة مسؤولة ذات الصلة بالملف لا توفر على نسخة من التقرير المنجز من طرف وزارة الداخلية في إطار التحقيق الذي قامت به حول عينة من الشحنة المستوردة من إيطاليا.

وأوضحت اللجنة في تقريرها أن واجهت خلال عملها إشكالية تتعلق بترجمة بعض الوثائق، خاصة تلك المكتوبة باللغتين الإنجليزية والإيطالية وعدم استجابة الجهات الحكومية المعنية لطلب اللجنة بالقيام بترجمتها، تحت ذريعة عدم توفرها على وسائل الترجمة، الشيء الذي تطلب مجهودا إضافيا من أعضاء اللجنة وفريق العمل الإداري المواكب لعملها في ترجمة هذه الوثائق.

وفجر التقرير فضيحة من العيار الثقيل، عندما كشف التقرير أن كتابة الدولة المكلفة بالبيئة تستند في تدبيرها للموضع بمضمون المادة 43 من القانون المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، الذي يشترط في الفقرة الأولى أن استيراد النفايات غير الخطرة بهدف تدويرها أو تثمينها يفرض أن تكون مدرجة في لائحة تحدد بمرسوم، وهذا المرسوم الذي يحدد المواد المسموح باستيرادها لم ينشر في الجريدة الرسمية إلى اليوم على رغم من أنه عرض في مجلس حكومي.

وأكد التقرير أن الشروع في استيراد العجلات المطاطية المقطعة (Pneus déchiquetés) من طرف الشركات الاسمنتية، انطلق منذ سنة 2003، في حين بدأ المغرب باستيراد نفايات RDF كطاقة بديلة سنة 2012، رغم غياب نص تنظيمي يؤطر هذه العملية، مسجلا في الآن ذاته أن المغرب ينتج 6 مليون طن من النفايات الصلبة سنويا، منها 340 ألف طن من النفايات الخطرة، ومن ضمنها 40 ألف طن من زيوت الرادياتير المسماة PCB.

وأبرز التقرير أن أحد الشهود الذين استمعت لهم الملف، تساءل عن مآل تلك النفايات ومكان حرقها، مستخلصا أن 340 ألف طن من النفايات الخطرة لا يصدر منها المغرب سنويا إلا 17 ألف طن عن طريق الشركات المتعددة الجنسية والمؤطرة بقوانين تحترمها هذه الشركات، في حين يجهل مصير الباقي داخل بلادنا على مستوى مكان الحرق أو مع أي مكونات أخرى يتم حرقها، مضيفا أن الحكومة أوقفت استيراد النفايات السامة بقرار شفوي فقط.

وجاء في التقرير أيضا أن ممثل مهنيي الاسمنت أفاد أمام لجنة التقصي أن المعامل الإسمنتية غير مؤهلة %100 مقارنة مع دول أوروبا، بل هي ملزمة للقيام بتجهيزات معينة للوصول إلى المعايير الأوروبية، وبأن معظم النفايات غير الخطرة المستوردة توجه إلى الحرق في مصانع الإسمنت وفقا للاتفاقية المبرمة بين جمعية مهنيي الاسمنت والقطاع الحكومي المكلف بالبيئة والتي وقعت سنة 2003.

وخلصت اللجنة من خلال تقريرها إلى ضعف البنيات والتجهيزات الأساسية المتخصصة في معالجة النفايات الخطرة مقارنة مع حجم ما ينتج منها في المناطق الحرة بالمغرب، بالإضافة إلى وجود خصاص في الموارد البشرية بالقطاع الوصي على البيئة والاقتصار على بعض المضامين المسطرية لاتفاقية بازل والانسجام مع مقتضياتها، وكذا محدودية قدرة الوزارة الوصية على القطاع البيئي في المراقبة التقنية للنفايات التي تنتجها الوحدات الصناعية في عمليات الحرق.

وسجل التقرير وجود ارتباك وتدبدب الحكومة في التعاطي مع الشحنة المستوردة من إيطاليا المتعلقة بالنفايات المشتقة كوقود بديل (RDF) حيث أنها أوقفت استيراد جميع أنواع النفايات في مرحلة أولى وأكدت على أن RDF نفايات غير خطرة وتستعمل كوقود بديل مما أثر سلبا على تعاطي الرأي العام الوطني، مبرزا أن توقيف عملية الاستيراد للنفايات المستعملة داخل الوحدات الصناعية خلّف أضرارا اقتصادية مما جعل الحكومة تتراجع عن منع استيراد النفايات وبقي مشمولا بنفايات RDF فقط.

وأكد التقرير في خلاصته أن الحكومة ارتكزت على استيراد النفايات الخطرة وغير الخطرة على مشروع مرسوم 2.14.505، المصادق عليه في المجلس الحكومي، وغير المنشور في الجريدة الرسمية مما يعد خرقا قانونيا واضحا، مسجلا في السياق ذاته وجود نقص مهول في الوسائل اللوجستيكية والموارد البشرية للشرطة البيئية مقارنة بالمهام الموكولة إليها، حيث يوجد فقط 70 عنصرا على المستوى الوطني مكلفين بمهام تتبع ومراقبة مجال تدبير النفايات المنتجة بالوحدات الصناعية.

وخلص التقرير إلى أنه تم الترخيص باستيراد الشحنة الإيطالية التي أثارت الضجة، ولم يتم الترخيص إلى حدود اليوم بحرقها، مما جعل الشحنة معلقة بمنطقة التخزين غير المؤهلة لحماية الفرشة المائية والهواء، داعيا إلى ضرورة التسريع بتأهيل الوحدات الصناعية المغربية، وملائمة المعايير الوطنية فيما يخص انبعاث الغازات مع المعايير الدولية، مطالبة الحكومة بضرورة التنسيق في كل عمليات تصدير واستيراد نفايات غير الخطرة مع القطاع الوصي على البيئة.

ومن بين التوصيات التي أصدرتها اللجنة، دعوتها الحكومة بضرورة اتخاد قرار عاجل وواضح بخصوص الشحنة الإيطالية المحجوزة بمنطقة التخزين ببوسكورة، ودعم المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، بموارد بشرية كفأة وذات الاختصاص في المجال البيئي، ومده بإمكانيات لوجيستيكية للقيام بمهامه، وتمكين الشرطة البيئية من الوسائل البشرية، والإمكانيات اللوجيستيكية، ومن الحماية اللازمة التي تساهم في قيامها بمهامها بالنجاعة المطلوبة.

كما دعت إلى ضرورة تنظيم القطاع غير المهيكل في مجال تثمين النفايات (فرز وتثمين النفايات المنزلية، العجلات، الزيوت المحروقة، البطاريات، إلخ…)، من خلال إصدار إطار قانوني ينظم هذه الفئة الاجتماعية العريضة التي يشكل التثمين موردا أساسيا من موارد رزقها، وتمكين الجماعات الترابية من الإمكانيات الضرورية لمعالجة وتثمين وتدوير نفاياتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 6 سنوات

    نقو البلاد من نفايات مخصهم غير ادخل نفايات إستيراد تللهم إن هادا منكر استغفرالله العضيم