وجهة نظر

أين الثروة؟

موقع ميدل إيست آي البريطاني ينشر خبر اقتناء الدولة لطائرة مُخصصة لتنقلات ولي العهد بمبلغ 67 مليون دولار. ميزات الطائرة التي سجلها الموقع، و تناقلتها عدة مواقع مغربية، الفخامة و طول المسافة المقطوعة دون وقود، و الأهم، توفرها على نظام حماية من الصواريخ.

لن أكون أفضل من خبرائنا الفطاحل الأشاوس، لكنهم يعلمون علم اليقين أن دول الجنوب مهما دفعت مقابل اقتناء تكنولوجيا متطورة، فهي تبقى مُستهلكة و لا تملك ناصية التحكم بتلك التقنية، التي تبقى بيد المُصنع.

صواريخ “باطريوت” مثلا مُثبتة فوق الأراضي التركية، لكن الفنيين يأتون من أمريكا و ألمانيا لتشغيلها، و هو ما دفع حكومة أردوغان لعقد صفقة إس 400 مع روسيا، مع ميزة امتلاك بعض من تقنية التشغيل، و إنتاج بعض قطع الغيار.

نظريا، يمكن للشركة الإسرائيلية التي جهزت سيارات رئيس وزراء لبنان السابق “رفيق الحريري” بأنظمة التشويش أن تُعطلها، و تسمح بتشغيل نصف طن من المتفجرات عن بعد، و هو ما أفضى لموت الحريري سنة 2005 مع ثلة من مرافقيه. “توربينات” السد العالي بمصر أمريكية الصنع، و قد سبق لبرنامج “الطبعة الأولي” الذي يبث على قناة دريم 2 المصرية، أن ناقش إمكانية أن تكون هذه التوربينات تحت سيطرة الشركة المُصنعة. و تسلم الزبادي!

أخيرا، و ليس آخرا، فشركة “بي إم دبيليو” تمنح خاصية التحكم عن بعد في سياراتها حالة السرقة. فباتصال مع الشركة الأم يمكنها تحديد موقع السيارة، إيقافها و غلقها بكبسة زر.

من عالم التكنولوجيا نرجع لعالم المال و الأعمال، و الطائرة التي قَلَّبت المواجع على المغاربة و ذكرت بسؤالهم الوجودي: أين الثروة؟ المغاربة أصبحوا شديد الحساسية من موضوع المال، نتيجة ما يعيشونه مع حُكامهم و محكومتهم من انفصام في الشخصية.

الحكومة التي تجبر آلاف أبناء الفقراء على قبول التعاقد لكسب لقمة الخبز، في مجالات حساسة هي التطبيب و التعليم، و هو ما يدخل في نظري في باب الاتجار في البشر حسب بروتوكول بالليرمو، هي ذات الحكومة التي تُغلق فمهما على 900 مليار ظهرت في حساب أحد وزرائها، و على شبهة إعفاء وزيرها الأشقر من دفع 50 مليار ضرائب، إضافة لإهداء 17 مليار درهم لحيتان المحروقات، أُحرقت بها جيوب الشعب طيلة أربع سنوات.

بسبب فصام الحكومة، زادت الفجوة بين قعر المغرب و قاعه، ما حدا بأعلى سلطة بالبلاد للمطالبة بنموذج تنموي جديد يُدر على أبناء الشعب بعضا من كريمة الكعكة، التي يسيطر على 80% منها أربعون عائلة.

مظاهر تركيز ثروة أظهر جانبا منها تقرير لجمعية “طفرة” للباحتان “محمد أوبنعل” و “عبد اللطيف زروال”، و نشره موقع هيس بريس بعنوان: الهولدينغ الملكي برج متين يراقب الاقتصاد الوطني.

التقرير الذي لا أتفق مع عنوانه، باعتبار أن المراقبة توكل لطرف محايد لا ناقة له و لا جمل، يُظهر أن القرار المالي و الاقتصادي، و المعلوماتي يتركز بيد ثلاثة فاعلين، بينهم مصالح متشابكة و عضوية متبادلة في مجالس الإدارة: الهولدينغ الملكي “المدى”، صندوق الإيداع و التدبير و الصندوق المهني المغربي للتقاعد.

التقرير قال أن 7 من 15 عضوا بمجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد، ينتمون لشركة المدى. الشركة تتشارك مع 7 شركات أخرى 20% من مجموع مقاعد مجالس الإدارة ال561 مقعدا لشركات مدرجة في البورصة.

البحث الأصلي حمل عنوان: من يسير اقتصاد المغرب؟ شدد أن الرأسمال الأجنبي يستثمر داخل الوطن في القطاعات الإنتاجية و الصناعية الصلبة و المتينة و المضمونة على المدى البعيد، رغم مردوديتها المالية الضعيفة نسيبا، عكس رأس مال الدولة و القطاع الخاص المغربي الذين يستثمرون في المجالات سريعة الربح، المعرضة للخطر نتيجة بنيتها الهشة، كقطاع المال و التجزئة و العقارات.

المسئول عن الأزمة ليسوا أبناء الشعب ضحايا التعليم الرديء و عدم تكافئ الفرص، و لا حتى موظفو الدولة “الكسالى”، المسئول بدرجة أولى عن خنق الاقتصاد هي توجهات الكبار في التركيز على القطاعات المدرة للعملة السهلة، و الصعبة، بغض النظر عن هشاشة و ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني.

التركيز الاقتصادي ظاهرة عالمية تعرفها حتى أقوى اقتصاديات العالم، لكن التركيز في ألمانيا أو أمريكا ليس التركيز في المغرب.

في ألمانيا، يعطي القانون العمال حق تملك أسهم في الشركات التي يشتغلون فيها، فترى مثلا قدرة عمال بي إم دبيليوا امتلاك 50 في المائة من رأسمال الشركة على شكل ما يعرف “الكوجيستيون”، و هو ما لا يتوفر أكيد لعمال شركات كبرى مغربية، حيث راتب العمال أقل من السميك (ربما 2400 درهم)، مع خصم مبلغ 100 درهم لكل يوم غياب.

في أمريكا، 1% من السكان يسيطرون على 20% من الدخل، و 10% الأكثر ثراء يملكون 76% من الثروات. لكن ذات أمريكا بلغ معدل الثروة التي تملها أسرة بيضاء سنة 2013، 141900 ألف دولار. الولايات المتحدة تعطي الكل حق الثراء، و حظوظا متساوية نسيبا، رغم التفاوت مع السود أو الآسيويين، إلا أن أكبر أربع مليارديرات كانوا أولاد الشعب بمفهومنا، و بدؤوا ربما من تحت الصفر.

مالك آمزون جيف بيزوز، أعنى شخص في التاريخ الحديث ب 124 مليار دولار كثروة، كان موظف بنك بسيط بدأ شركته من الكراج سنة 95، و لم يمنحه المخزن ترخيص إنتاج و بيع البيرة في مزارع مكناس بعد انسحاب المعمرين.

صديقنا مالك فاسبوك، شاب ذكي بدأ مشروعه من كليته، بعد أن “استلهم” الفكرة لصديقين اقترحا عليه النموذج لأنه متفوق في المعلوميات. لم يستفد مارك زوكربرغ من حق توزيع الغاز حصرا منذ خمسينات القرن الماضي.

مؤسس آبل، ستيف جوبز، ملياردير ابن بالتبني لعائلة أمريكية و أصول أبيه سوري. لم تمنعه صفة الابن المتبنى من حصد المال بجهده و عرقه و الوصول للقمة.

غوغل من تأسيس شابين عبقريين، عبر شراكة الرأسمال المخاطر، و ليس دمج السلطة مع المال و التحكم في الماء و الهواء و البحار و الجو…

للقصة بقية، فثروة المغاربة دخلت كهفا شبيها بكهف صبية تايلاند، يلزمنا كثير جهد و وقت، و خبراء، لنبشها. تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *