سياسة

5 أحداث خدشت صورة “العهد الجديد” منذ اعتلاء محمد السادس للعرش

منذ إعتلاء الملك محمد السادس عرش سلفه الراحل الحسن الثاني، تدفق إلى نفوس كثير من المغاربة أملٌ بأن يكون العاهل الجديد على موعد مع إصلاحات كبرى تُخرج المغرب من “السكتة القلبية”، على حد وصف الحسن الثاني، إلى فضاء أرحب ينتقل بالمغرب من دولة متخلفة إلى دولة تشق طريقها نحو مصاف الدول المتقدمة، خاصة وأن المملكة لا تعدم الإمكانيات التي تؤهلها لذلك.

غير أن “العهد الجديد” الذي بشر به الملك محمد شخصيا في خطاباته الأولى، والذي يُعلي من دولة الحق والقانون، اصطدم بأحداث أضعفت الأمل في الأنفس من التغيير المنشود، وتحول معها الحلم بوطن جديد إلى شك في أن يتخلص المغرب من أرثه التليد المثقل بمخلفات سنوات الجمر والرصاص، التي كانت فيها الغلبة لصوت القمع وتزوير الانتخابات والتحكم في اختيارات الناس.

“الانكسار” الديموقراطي

من بين المؤشرات السلبية التي تلقاها كثيرٌ من المغاربة في السنوات الأولى لـ “العهد الجديد”، هو تخلي القصر عن المنهجية الديمقراطية في اختيار الوزير الأول لقيادة الحكومة بعد انتخابات 2002 التشريعية، حيث تم اختيار التكنوقراطي إدريس جطو وزيرا أولا بدلا من عبد الرحمان اليوسفي الذي حل حزبه حينئذ أولا، والذي عينه الملك الراحل الحسن الثاني وزيرا أولا لحكومة التناوب التوافقي.

وبحسب متتبعين فإن قطع الطريق على اليوسفي من أجل تشكيل الحكومة، ليس جديدا في تعامل القصر مع من سبقوه أو من أتوا بعده، حيث أشار المحلل السياسي محمد شقير إلى أن “هذا المنطق تجسد منذ استقلال البلاد من خلال الانقلاب على مولاي عبد الله ابراهيم كرئيس للحكومة في ظرفية سياسية اتسمت بمحاولة اقتسام السلطة بين الملكية وحزب الاستقلال”.

وأضاف شقير في مقال تحليلي أن إبعاد عبد الرحمان اليوسفي جاء أيضا في ظرفية سياسية اتسمت بمحاولة التداول على السلطة، أو ما سمي بالتناوب، مضيفا أن هذا المسلسل انتهى بإعفاء عبد الإله بنكيران في ظرفية سياسية تميزت بحراك سياسي شعبي تزعمته حركة 20 فبراير في إطار تداعيات ربيع شمل كل المنطقة العربية.

وفي السياق ذاته، اعتبر الصحافي محمد الطائع في كتابه “عبد الرحمان اليوسفي والتناوب الديمقراطي المجهض”، أن التناوب «التوافقي» لم يكن سوى محطة في طريق تناوب «ديمقراطي»، يفترض أن يتم بلوغه في عشر سنوات، غير أن هذا المسار «أجهض»، سنة 2002، بسبب عمل الأطراف التي ليس في مصلحتها إكمال هذا المسار، على إفشاله.

الطائع نبّه في كتابه إلى أن المفارقة في إعفاء اليوسفي، تتجلى في مساهمة أصدقاء اليوسفي في إعداد شروط الفشل، معتبرا أن حزب الاتحاد الاشتراكي يتحمل جزءً أساسيا من مسؤولية ما حصل سنة 2002، حيث وجد اليوسفي نفسه في موقع ضعيف إزاء المؤسسة الملكية التي اختارت تعيين وزير أول غيره، رغم التوافق المفترض مع القصر بالالتزام بالانتقال نحو الديمقراطية.

وإذا كان الطايع قد عزا سبب عدم استمرار تجربة التناوب إلى مؤامرات “جماعة اليازغي” ضد اليوسفي وارتكاب الأخير لأخطاء في تدبير الخلافات داخل حزبه وفي تدبير منهجية التوافق مع القصر، فإن المحلل السياسي محمد شقير اعتبر ضمن مقاله أيضا أن ذلك يعود إلى نهج المؤسسة الملكية أسلوب استعادة مختلف صلاحياتها أمام أي فاعل سياسي منذ الاستقلال.

أحداث 16 ماي

في الوقت الذي شكلت فيه الأحداث الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء ليلة 16 ماي سنة 2003 صدمة كبيرة للرأي العام المغربي، الذي لم يعتد على مثل تلك الأحداث الأليمة، في الوقت ذاته أصيب الرأي العام بذهول كبير للطريقة التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع الحدث، حيث تحول المغرب إلى ما يشبه “محاكم تفتيش” جديدة، يتم بموجبها جر الناس إلى السجن لمجرد شبهة أو وشاية.

وبعد ذلك سارع المغرب بأيام، أي في 21 مايو من نفس السنة، إلى المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، الذي اعتبر كقانون طوارئ اعتقل على إثره المئات ممن ينسبون للسلفية الجهادية، وهي الاعتقالات التي أقر عاهل البلاد الملك محمد السادس بأنها قد عرفت تجاوزات، وذلك من خلال حوار شهير له مع صحيفة “إيل باييس” الإسبانية.

لقد أثارت “الحرب الاستباقية” التي اعتمدتها الدولة المغربية في تعاملها مع أحداث 16 ماي، حالة من الاستياء داخل الأوساط الحقوقية لضخامة تلك الاعتقالات، التي عُدّت بالآلاف، وهو ما يعتبره متتبعون وحقوقيون لحد الساعة بأنه كان “سقطة” كبيرة في تعامل الدولة مع ملف إرهابي بعقل أمني بدل التعامل معه بلغة القانون واحترام حقوق الإنسان.

ظهور البام

شكلت الطريقة التي ظهر بها حزب الأصالة والمعاصرة “ضررا بالغا” على صورة العهد الجديد، الذي تعهد من خلال ملك البلاد بتعزيز الديمقراطية وشفافية صناديق الاقتراع وضمان التعددية السياسية، حيث اعتبر متتبعون أن ظهور شخص مثل فؤاد عالي الهمة (المعروف بصداقته للملك محمد السادس) إلى الساحة ومحاولته تأسيس حزب سياسي مقرب من القصر ويحظى بدعمه هو “إساءة” للتعددية التي راكمها المغرب منذ الاستقلال.

وخلق تأسيس البام وفوزه بأغلبية مقاعد الانتخابات الجماعية لسنة 2009 بعد أشهر فقط من ظهوره جدلا كبيرا في الساحة السياسية المغربية، حيث اعتبر زعماء سياسيون أن الهدف من خلق الحزب هو الهيمنة على الساحة السياسية وخلخلة المشهد الحزبي في المغرب والتصدي لمد الإسلاميين، وحزب العدالة والتنمية المغربي تحديدا، فيما رأي فيه آخرون خطرا على التعددية السياسية بالمغرب ومحاولة للسيطرة على المشهد السياسي.

ولقي ظهور البام انتقادات واسعة من لدن أغلب الفاعلين السياسيين، وهو الأمر الذي تمت تزكيته شعبيا في الاحتجاجات الكبيرة التي عرفها المغرب سنة 2011 مع ظهور حركة 20 فبراير، حيث طالب المحتجون بمحاسبة رؤوس الحزب بعد اتهامهم بمحاولة استغلال رمزية القصر عند المغاربة من أجل السيطرة على المشهد السياسي والتحكم في الخريطة الانتخابية، وهو الشيء الذي تنبه له الملك، حيث قدم مؤسس الحزب استقالته منه، ليقوم الملك بعدها بتعيينه مستشارا له.

العفو عن غالفان

هزت قضية العفو الملكي عن المواطن الاسباني، مغتصب الأطفال دانييل غالفان، الرأي العام المغربي، في غشت من سنة 2013، حيث خلق الحدث موجة من الاحتجاجات المدنية، وهو ما دفع الملك لأول مرة في تاريخ المغرب إلى تقديم شبه اعتذار عما حدث واستقباله عائلات ضحية الغلماني الإسباني، ذي الأصول العراقية، المحكوم بثلاثين سنة سجنا نافذة عقابا على جرائم ارتكبها بمدينة القنيطرة، سنة 2008 في حق عدد من الأطفال، كما أمر الملك على اثرها باعفاء مسؤولين كانوا وراء توريط قضية القصر في قضية العفو.

لقد أدى ذيوع الخبر إلى تعبئة مهمة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي تبلورت بسرعة إلى مظاهرات ووقفات احتجاجية، عبر مجموعة من المدن المغربية، ووجهت بعضها بقمع أمني كثيف، خصوصا في تطوان والرباط، وإلى ارتباك داخل مؤسسات الدولة المغربية بسبب تراشق القصر والحكومة المسؤولية حول خطأ العفو. كما تميزت بسياسة تواصلية مكثفة وغير مسبوقة للقصر الملكي المغربي، عبر مجموعة من البلاغات المتسارعة.

أخذت القضية أبعادا دولية، خصوصا على مستوى العلاقات المغربية الإسبانية، بحكم أنها جاءت في إطار موجة عفو عن مجموعة من الإسبان المسجونين بالمغرب، وأبعادا مخابراتية بحكم الصفة السابقة لدانييل غالفان كعميل للمخابرات الإسبانية، فيما اعتبر كثيرون أن هذا الحدث سيبقى من بين الأحداث التي “أساءت” لمؤسسة القصر بالرغم من تأكيد الملك الشديد على أنه “لم يكن قط ليوافق على إنهاء إكمال دانيل لعقوبته بالنظر لفداحة الجرائم الرهيبة التي اتهم بها”.

أحداث الريف

من بين الأحداث التي سيظل كثيرٌ من المغاربة ينظرون إليها بقلق في “العهد الجديد” هو تعامل الدولة مع الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة بعد مقتل السماك محسن فكري واشتعال موجة من الاحتجاجات بالمدينة للمطالبة بالقصاص له وتحقيق التنمية في المنطقة، حيث اعتبر متتبعون أن السلطة تعاملت مع الأحداث بعددٍ من المقاربات التي لم تُظهر فاعلية في حلحلة الموقف، بل أسهم بعضها في تعقيد الوضع، بل وتفاقمه بعد أن أربكت المقاربة الأمنية الملف.

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي بلال التليدي أن حرا الريف شكَّل صدمة قوية للتجربة المغربية، وطرح أسئلة عنيدة على مناعة النموذج المغربي الذي كان يعد إلى عهد قريب استثناء في العالم العربي بسبب الوصفة الإصلاحية التي أنتجها في تفاعله مع رياح الربيع العربي والتوافق السياسي الذي حصل بين الدولة وبين قوى التغيير.

وأكد التليدي في مقال رأي له أن الرسالة الأساسية التي وجهها الحراك، هي أن النموذج المغربي لم يعد مُحَصَّنًا، وأن التراجع الديمقراطي الذي رمزت إليه فترة “البلوكاج” الحكومي، وعدم العدالة المجالية التي تحكم علاقة المركز بالأطراف، فضلًا عن التوزيع غير العادل لثمار النمو الاقتصادي، يمكن أن يعصف في أي وقت بكل الرصيد الذي بناه المغرب طيلة ست سنوات الأخيرة التي أعقبت دستور فاتح يوليو 2011.

وأبرز أن الحراك “أثار الملاحظة في تعاطي السلطات المغربية، أنه رغم وعيها بالهوية الاجتماعية للحراك ومطالبه التنموية، إلا أنها فقدت القدرة على إنتاج خط متماسك في التعامل معه، بسبب ترسخ الشعور بفقدان الثقة في مبادراتها، ومخزون الغضب الاجتماعي من سلوكها السياسي؛ إذ ظل قادة الحراك يرفضون التعامل مع الهيئات المنتخبة ومع ممثلي وزارة الداخلية ومسؤولي الحكومة ووزرائها، ويفضلون التخاطب المباشر مع الملك”.

واعتبر أن” ارتباك السلطات المغربية في التعاطي مع الحراك كشف وجود أزمة خيارات استراتيجية الدولة وقدرتها على التجاوب مع انفلات المجتمع من دائرة ضبطها السياسي. وقد وضعت بعض مواصفات الحراك، وبشكل خاص تزايد ظاهرة التخاطب المباشر مع الملك، وانهيار الوساطة الحزبية في المنطقة، التي مثَّلها حزب الأصالة والمعاصرة الذي اكتسح بمساعدة من السلطات منطقة الحسيمة ودوائرها المجاورة، الصيغة المغربية في ممارسة السياسة على المحك، لاسيما بعد بروز مؤشرات انتشار السلطوية وامتدادها، مما أدخل السلطة في ورطة حقيقية، دفعها إلى التفكير في خيارات لتصدير الأزمة بعد عجز ومحدودية خياراتها السابقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *