وجهة نظر

بعض من التاريخ

في مطلع القرن 17م عرف شمال انجلترا تحولات عميقة ابرزها اعتلاء البورجوازية لقمة الهرم الاجتماعي بعد ان اصبح النسب الارستقراطي باليا ولا يساوي شيء واصبح الاعتبار الاجتماعي على اساس الثروة , وتنامت البرجوازية العقارية الانجليزية لتستولي على اسواق البناء في اوربا , بالموازاة مع ذلك حاول العرش البريطاني تطويع الحياة السياسية عن طريق محاكاة النظام الفرنسي المستبد وهو الامر الذي كان يصطدم بصلاحيات البرلمان والذي كان يتكون من البورجوازية الصاعدة والتي قدست الثروة .

في سنة 1603م انتقل عرش المملكة البريطانية لعائلة ستيوارت في شخص الملك ” جيمس الاول ” والذي كان في الاساس ملكا لاسكتلندا وهو الامر الذي احبط البورجوازية باعتبار ان جيمس من اسكتلندا الملحقة , عرف جيمس هذا بضعف شخصيته وركاكة لغته فلا يلقى خطابا وبتزمته في الدين فلا يغادر معبدا , اقر الملك الجديد قانون الحق الالهى اي ان سلطات الملك هي تفويض من الله وبموجب هذا التفويض اعلن الحرب على اسبانيا الكاثوليكية فكانت معركة ” الارمادا ” الشهيرة والتي انتصر فيها البريطانيين وفرحت لها البورجوازية البريطانية لانها ستوسع افاق التجارة في البحر والمحيط , وخوفا من تزايد نفوذها وقع جيمس هدنة مع اسبانيا من وضع مهزوم وامر بحل البرلمان ومجلس اللوردات ومجلس العموم واصدر مرسوما يحتكر فيه السياسة القومية السياسة الخارجية والجيش والدين ليبدأ الصراع بين البرلمان والملكية.

في سنة 1625م توفي جيمس واعتلى شارل العرش وسط خلافات عميقة بين البورجوازية والملكية , فقدم البرلمان للملك الجديد قانون ” ملتمس الحقوق” طالبين رفع الظلم واطلاق الحريات واسقاط الضرائب , لكن شارل ورث عن ابيه الاستبداد والعناد والتزمت وحتى الغباء السياسي فرفض المطالب و اعاد اعلان الحرب على اسبانيا وقدم مساعدات مالية لثوار فرنسا فلا الحرب كسبها ولا الثوار انقلبوا , ليواجه بعد ذلك فراغ الخزينة وافلاس الدولة , لم يكن لشارل بد من اللجوء الى البورجوازية الغاضبة والتي قايضت الملك باعادة تكوين البرلمان مقابل الضرائب , رفض شارل واصدر قانون ” إقراض الاله ” لاحراج البورجوازية مع الشعب المتدين ومع الكنيسة المتحكمة في جزء من القرار, في 1629م اذعن شارل وعقد البرلمان لكن لمدة يوم واحد فقط ليأمر الملك بحله من جديد واستمر غياب البرلمان 11 سنة حكم فيها الملك بالحديد والنار .

في 1638م وقعت ثورة في اسكتلندا بعد ان رفض الشعب كتاب الصلاة الانجليكاني الذي فرضه كبير الاساقفة والملك شارل والذي تضمن خروجا عن العقيدة وثم تاسيس التحالف القومي المناهض للملكية , حاول شارل ردع الثورة بالعسكر لكنه واجه عقبة التمويل فاضطر الى عقد البرلمان باغلبية بورجوازية والتي قايضته على القيام باصلاحات مقابل تمويل حملته ضد اسكتلندا , وافق الملك شفاهة لكنه انقلب على رأيه بعد 3 اسابيع فأمر بحل البرلمان , قرار الحل واجهته البورجوازية بالتمرد المدني واستمر انعقاد البرلمان بشكل دائم في قصر روبنسون وسمي بالبرلمان الطويل و اصبح الملك تحت حكم البرلمان فاضطر الى اصدار عفوعام على السياسيين القابعين في السجون والغاء ضرائب السفن والبناء والغاء المحكمة الالهية والعسكرية كما تم اعدام وسجن بعض الوزراء والرهبان , في 1641م حاول الملك تدبير مؤامرة ضد البرلمان واسقاطه لكن البورجوازية تداركت امرها لتدخل بريطانيا لمرحلة الحرب الاهلية بين البورجوازية والملكية , وبعد عدة معارك ضارية ومخلدة في شمال البحر البارد استسلم شارل لجيوش البورجوازية والتي كانت تحت قيادة الجنرال كرومويل والذي امر بقتله واعلنت بريطانيا بلدا جمهوريا واطلق عليها رابطة الشعوب البريطانية , اقر الجنرال كرومويل بداية عدة اصلاحات وبعد ان ضمن حب الشعب امر بحل البرلمان سنة 1653م بدعوى ان البورجوازية تبتز قرارات الدولة السيادية.

بعد موت الجنرال كرومويل خلفه ابنه برانت والذي لم يستطع التحكم في سلوك الجيش البريطاني على منوال ابيه ليضطر بعد عام ونيف من الحكم التنازل للجنرال القوي مانك والذي كان يميل الى ارجاع الملكية فارسل الى ابن شارل الاول الذي كان يعيش في هولندا فطلب منه العودة لاستلام عرش ابائه الاولون , كان شارل الثاني ميالا للاستبداد والحكم المطلق وذو نفس كاثوليكي لكنه استفاد من اخطاء سابقيه وهادن البرلمان وساير اعرافه الى حدود 1670م حيث حاول تثبيت المذهب الكاثوليكي في بريطانيا مما جر عليه سخط العامة والخاصة , وانقسم البرلمان لفريقين مؤيد لعزل شارل ” الهويج ” واخر” التوري ” رفض اعادة سيناريو الاضطراب من جديد وهذا التقسيم

سيشكل لبنة لنظام ” الحزبين ” في بريطانيا, فبقي الوضع ساكنا الى غاية وفاة الملك شارل الثاني .
في سنة 1685م توفي الملك شارل ليخلفه اخوه الملك جيمس الثاني والذي تحدى الكل واصدر وثيقة التسامح الديني في حق الاقلية الكاثوليكية مما اثار سخط الشعب والكنيسة وكل الفرق السياسية ليتم خلعه وتنصيب ابنته ماري والتي لم تكن الا زوجة الملك الهولندي وليام اورانج والتي ساندت كل المطالب الشعبية وتفاوضت مع البرلمان ووضعت خارطة الامان , وفي عام 1688م نزل وليام الى بريطانيا وقضى على بقايا الملكية السابقة واعلن ان بريطانيا ذات نظام برلماني الملك فيها يسود ولا يحكم .

بعض من التاريخ لن يضر احدا ان يقرأه ويدرسه خصوصا من الساسة والسياسين , فقد اثبت التجربة ان الملكيات تربح الى جانب الشعب اكثر مما تغتنمه بجانب الارستقراطية والاستبداد , اليوم تشكل بريطانيا اعرق تجربة لنظام ديمقراطي اصول القرار فيه للشعب , اليوم هيبة ملكة بريطانيا ليست لذاتها بل لما صنعته جدتها ماري وزوجها وليام اورانج .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *