منتدى العمق

أصل مشاكل المغرب هي الأحزاب

إن المشاكل التي يعرفها المغرب حاليا ليست وليدة اليوم ولكن لها سوابق تاريخية وأنا لا أتحدث هنا عن جميع الملفات المطروحة وإنما آخذ منه ملف الأحزاب السياسية فكما هو معرف أن الأحزاب كانت في فترة السبعينيات أحزاب معارضة وهي التي شكلت واقعا مرا بينها وبين السلطات التي كانت تدعي على أنها تحمي الوحدة الوطنية مع العلم أنها كانت تعتقل كل من هو مناضل من أجل هذا الوطن ،وحين نرجع إلى فترة السبعينيات والثمانينات سنجد على أن أسوء مرحلة هي تلك التي مرت على طلبة المغرب وعلى المعارضين السياسيين ،حيث كانت هناك اعتقالات وتلفيق التهم من أجل إرضاء القصر والظهور بوجه جيد أمامه وتظهر إنها تحمي القصر من أعدائه وإنما هي تجني ثمارا مع العلم أن الطلبة والمعارضون لم يكونوا يطالبون بإسقاط نظام الحكم وإنما كانوا يريدون فقط الحرية الفكرية والعيش والكرامة والمساواة بين الطبقات الاجتماعية .وهذا راجع إلى عدم الكفاءة السياسية للمسؤلين آنذاك ،الذين يدعون أنهم يحمون الوطن والمواطنين رغم أننا كلنا وطنيون وكلنا نحب هذا الوطن ،لا زلنا نطالب بالكفاءة لمن يجلسون على مقاعد المسؤولية حتى لا نرجع إلى هذا الماضي وأنا هنا أعاتب الأحزاب السياسية التي هي الآن منذ عهد حكومة التناوب التي دعا صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله أن يكون هناك تناوب على الحكم بين الأحزاب السياسية ،هاته الفلسفة الحكيمة التي وضعها صاحب الجلالة المشمول برحمة الله كانت ردا ذكيا على الأحزاب السياسية فكانت من نصيب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ،فماذا فعلت تلك الحكومة الاشتراكية في عهدها للوطن وللمواطنين ،ماذا قدمت ؟ لم تقدم شيء لهذا الطن بل قدمت لنفسها فأغنت من أغنت ونهبت ما نهبت من أموال الفقراء،فالفقير منهم أصبح غنيا والغني زاد ثراءا والإتحاد الاشتراكي أصبح حزبا بورجوازيا ،كل قيادي منهم الآن يسكن بأرقى الأحياء بالمغرب وربما حتى بخارج المغرب.

إذن في فترة السبعينيات كان الطلبة والمعارضون يعتقلون من اجل مطالبتهم بأن يكون المغرب في أحسن حال لكنه أصبح في أسوء حال،فقد كنا جميعا طلبة وسياسيون ونقابيون نطالب بالعيش في كرامة في وطن يضمن المساواة للجميع ،لكن عكس ذلك حينما وصل المعارضون للحكومة دمروا كل شيء وأعادونا سنوات للوراء وهذا ما وقع الآن مع حكومة الإسلاميين الذين كانوا يتمتعون بثقة عالية منحها لهم الشعب ،حيث كانت حكومة بنكيران حسب استطلاع للراي تحظى بثقة 80في المائة من المغاربة ومن ضمن هاته النسبة من لم يمنح صوته للإسلاميين وقد منحت هاته الثقة نظرا لخطاب هاته الحكومة بمحاربة الفساد حيث آمن المغاربة بنجاح بنكيران في القضاء على الفساد بالمغرب ولكنها لم تنجح للأسف لهذا السبب فقدت ثقة الشعب .

وحتى لا ننسى الماضي أسيق لكم بعض الإحداث التي وقعت في الفترة الممتدة بين السبعينيات والثمانينات التي عشنا أخطائها وآلامها وظلمها فكما سلف الذكر بأن النظام السياسي المغربي هوا النظام العربي الوحيد الذي حرم نظام الحزب الواحد بنص صريح. واعتمد على نظام تعدد الأحزاب . إلا أن الحقيقة غير ذالك من الناحية الواقعية. ذلك أن الحاصل في الواقع الحياة السياسية المغربية أن القصر هو محرك الحياة السياسية ومنظمها . ولا يستطيع احد إن يقوم بمبادرة ما دون أن يأخذ ردود فعل القصر بعين الاعتبار.ومن هذا المنطلق فقد أخرجنا النظام السياسي المغربي من دائرة النظام الديمقراطي المقيد وأدخلناه في دائرة النظم السياسية العربية ذات النزعة الواحدية في بنائها السياسي وقد انعكس ذلك الواقع السياسي المغربي على حقوق وحريات المواطن ، فأبرز العديد من الممارسات السياسية السلبية تجاه تلك الحقوق وهذه الحريات وقد رصدت منظمة العفو الدولية تلك الآثار السلبية لأزمة الحرية السياسية في المغرب، فأوضحت أهم الأخطاء التي ارتكبت في حق المطالبين بحقوقهم في وطنهم :

أولا

1- إلحاق عقوبتي السجن الإعدام في حق المعارضين السياسيين.
أثبت تقرير منظمة العفو الدولية أن النظام السياسي المغربي يمارس الحرية السياسية ويفسرها في دائرة مغلقة، وان القوى الشعبية المنظمة التي تحاول الخروج عن تلك الدائرة ليس أمامها إلا السجن أو القبر وكمثال على ذلك في سنة 1983 تم اعتقال 71 شخصا من ذوي الاتجاه الإسلامي وقد كانت التهمة الموجهة إلى أفراد هاته المجموعة هي القيام بتوزيع منشورات اعتبرتها السلطات الحاكمة في ذلك الوقت أنها ذات طبيعة هدامة وقد أثبت الفريق الطبي التابع للمنظمة إن أفراد هاته المجموعة تعرضوا لمعاملات غير إنسانية على إثر اعتقالهم . ثم جرت محاكمة أفراد هاته المجموعة بالدار البيضاء وصدر الحكم بإعدام 13 متهما. ومن بينهم 7 متهمين صدر الحكم ضدهم غيابيا.كما صدر الحكم بالسجن مدى الحياة على 34 متهما .ومن ضمن هذا العدد صدر الحكم غيابيا بنفس العقوبة على 13 متهما .

2- في يناير من سنة 1984 تم اعتقال مجموعة أخرى من التنظيمات الشعبية المعارضة وجه إليها النظام الحاكم التهم الآتية
– التخطيط لإسقاط العرش الملكي
– التخطيط لإقامة دولة إسلامية
– تعريض الأمن وسلامة الدولة للخطر

وعقب هذه المحاكمة صدرت ضد أفراد هذه المجموعة مجموعة أحكام قاسية تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد.
وفي يوم 31 من شهر ماي 1984 حكم على 31 مغربيا معظمهم من طلبة الجامعة والمدارس الثانوية أمام محكمة الجنايات الاستثنائية.

وكان أفراد هذه المجموعة قد اعتقلوا في شهر يناير وفبراير من نفس السنة بتهمة إحداث أعمال الشغب. وقد تم احتجازهم لمدة شهرين في السجن الإنفرادي . وقد حكمت محكمة الجنايات الاستثنائية على 20 من أفراد المجموعة بالسجن لمدد تتراوح ما بين ثماني سنوات وخمسة عشر سنة بعد أن تطور الإتهام من مجرد إحداث الشغب إلى تهمة التآمر على قلب الحكم .كما حكمت ذات المحكمة على 11 شخصا آخرين بمدد تتراوح مابين 3 و5 سنوات وذالك بتهمة التحريض .

ثانيا
إساءة معاملة السجناء السياسيين وتعذيبهم.

أثبت تقرير منظمة العفو الدولية في تلك الفترة ،أن المعتقلين السياسيين يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم من قبل جهاز الأمن المغربي. كما أثبت ذات التقرير انه على الرغم من أن القانون المغربي يحدد فترة الاعتقال في 48 ساعة فقط تكون قابلة لأن تمتد ل24 ساعة .إلا إن هذه الفترة تمتد أحيانا إلى عدة أشهر كما أنها امتدت في أحيان أخرى إلى سنوات عدة . وفي أثناء هاته الفترة يحرم المعتقل السياسي من حق الاتصال بمحام للدفاع عنه كما يحرم من الاتصال بأسرته. وقد أثبت الكشف الطبي الذي أجراه أطباء منظمة العفو الدولية أن أجهزة الأمن المغربية تستعمل في التعذيب الوسائل التالية
– الضرب
– الصدمات الكهربائية
– الحرق بواسطة السجائر
– تعليق المعتقل في هيئات غير طبيعية لفترة طويلة وضربه على قدميه
– إبقاء السجين السياسي معصوم العينين ومقيد القدمين لفترة طويلة

ويشير تقرير منظمة العفو الدولية إلى أن التعذيب قد ترك آثار واضحة على أجساد من وقع عليهم . ومع هذا فإن بعض المحاكم المغربية قد رفضت طلب بعض المعتقلين السياسيين المتعلق بإجراء الفحص الطبي الهام بغية إثبات وقائع التعذيب التي تعرضوا لها ،ففي فبراير ومارس من عام 1981 تم اعتقال بعض الأفراد من أفراد الإتحاد الوطني للقوات الشعبية تعرضوا للتعذيب فلما كشف المعذبون على علامات دالة على حقيقة ما تعرضوا له وطلبوا إثباتهم لم تستجب المحكمة لطلبهم .

ثالثا
اختفاءات سياسية
بالإضافة إلى الآثار السلبية السابقة التي تولدت من رحم أزمة السياسية بالمغرب فقد أثبتت منظمة العفو الدولية بأن النظام السياسي المغربي قد عمد إلى أسلوب غريب في التعامل مع العناصر المؤثرة في القوى السياسية المغربية وهو الاعتقال ثم الاختفاء ، فقد اعتقلت السلطات المغربية 60 شخصا معارضا ،ثم أخفتهم بعد ذلك فلم يبق لأحد أثر وأكد تقرير منظمة العفو الدولية أن هذا الأسلوب قد اتبع مع المئات الأخرى من المعتقلين السياسيين .كما أشارت المنظمة إلى المصير الغامض الذي ألحق بمئات السجناء من العسكريين الذي سجنوا بتهمة اشتراكهم في محاولة الاغتيال التي دبرت ووجهت ضد العرش الملكي المغربي في عام 1972، وقد أثبت المنظمة أن 15 سجينا من ذلك المجموع توفوا بالسجن بسبب سوء المعاملة والضرب المبرح والحبس الإنفرادي حيث كان المعتقلين يوضعون في أماكن ضيقة لا يدخلها الضوء ولا يحصلون على الطعام الكافي كما أنهم كانوا ومازالوا محرومين من الرعاية الصحية المناسبة. ورغم أن السلطات المغربية حينها كانت ترفض كشف النقاب عن مكان من تبقى على قيد الحياة من معتقلين إلا أن منظمة العفو الدولية تؤكد على أنهم يوجدون في الغالب في مركز سري قريب من تازمامارت .

تلك هي أهم مظاهر أزمة السياسة في المغرب وأهم ملامح انعاكاستها السلبية على الفكر السياسي وعلى حقوق وحريات المواطن المغربي.

والحقيقة أن الوضع السياسي في المغرب لم يأتي من فراغ بل له علله وأسبابه وهذا الموضوع لا زال مطروحا للنقاش إلى يوما هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *