مجتمع

الحبيب ومعاذ الشاوي .. قصة وفاة غامضة بأرفود

مع حُلول الذكرى الثانية للعثور على جثتي شخصين (أب وطفله) داخل قناة للري بأرفود، تتجدد دعوة عائلة الهالكين، إلى “تكثيف الجهود للقبض على المجرمين ووقف نزيف شلال الدم” حسب بيان، تتوفر “العمق” على نسخة منه، مؤكدة “قناعتها الراسخة بكون ابنها الحبيب الشاوي وطفله معاذ، قد تم قتلهما مع سبق إصرار وترصد وبشكل همجي، تدل عليه الحجية والقرائن المادية والمعطيات والملابسات المحيطة بالواقعة”، يورد البيان.

وعودة إلى الحادث، فقد تم العثور على جثتيهما قبل سنتين، من قبل فلاحين بالمنطقة بعد بحث تجندت له ساكنة دوار أولاد الزهرة بجماعة عرب الصباح (أرفود)، صبيحة يوم جمعة، لتتضارب الروايات حول حقيقة وفاتهما، وصل الأمر حد المطالبة بإعادة عملية تشريح الجثتين، وهو التشريح الذي أكد نتيجة الأول، فخلص إلى أن السبب “يحتمل أن يكون هو “الغرق”.

النتيجة لم تُرضِ عائلة الهالكين ولا محيطهما،خصوصا ما رافق الحادث من قرائن، تقول العائلة أنها “غير طبيعية” وتشير إلى أن الأمر يتعلق بـ”جريمة مُنظمة”، وهو المعطى الذي دفع وزارة الداخلية إلى إصدار بلاغ، تقول فيه أن “جهات سياسية ولأسباب انتخابوية صرفة، شككت في نتائج التشريح، وتدخلت من أجل عدم استلام الجثتين من طرف عائلة الهالكين قصد دفنهما، كما تدخلت من أجل تشريح ثان مضاد” واصفة حادث وفاتهما بـ”العرضي”، الأمر الذي نفته العائلة في بيان سابق.

وتُشير تطورات القضية، إلى تحريك مسطرة التحقيق في القضية، بدعوى تتعلق بـ”جريمة القتل العمد ضد مجهول، وإلى وفاة شاهدين أساسيين في القضية (أحدهما كنا بصدد ترتيب لقاء معه)، في تاريخين متفرقين، تُشكك العائلة في ظروفها، وظهور معطيات أخرى تُعارض ما جاء في تقريري التشريح الطبي، حسب العائلة.

قصر أولاد الزهرة .. صراعات قديمة تَتَجدد

تعزي العائلة سبب “مقتل” ابنها الحبيب وطفله معاذ، إلى مشاكل الأول مع مجموعة من المستثمرين في الأراضي الفلاحية، الذين عمدوا منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى توسيع ضيعاتهم الفلاحية على حساب الأراضي السلالية، والتي كانت موضوع قضية مرفوعة لدى المحكمة الابتدائية مع ثمانينيات القرن الماضي، حيث انتهت بالحكم بالإفراغ ابتدائيا واستئنافيا، وهو الحكم الذي أكده المجلس الأعلى للقضاء، تحتفظ العمق بنسخة منه، ولم يعرف طريقه نحو التنفيذ إلى الآن، حسب مصادرنا.

ومنذ سنة1993، تضيف المصادر ذاتها، خسر الفلاحون الأصليون بعضا من حقوقهم في حصص ماء السقي، الأمر الذي اضطرهم إلى توقيع وثيقة “جديدة”مع الأطراف التي حكمت المحكمة ضدها بالإفراغ، تحدد طريقة تنظيم عملية السقي تقضي بتنظيم عملية السقي وتحدد طرقها.

الحبيب الشاوي، إلى جانب اهتمامه بالعمل السياسي والمدني، ومزاولته للنشاط الفلاحي تقلد منصب نائب رئيس جمعية تشرف على” تنظيم السقي وتدافع عن حقوق الفلاحين”، وهي الجمعية التي تقول عائلة الهالكين، أنها تأسست بمباركة السلطة المحلية وتزكية ممثلي الجماعة السلالية، وتضم “الفلاحين الأصليين”.

تزايدت مشاكل الفلاحيين، بسبب عدم توفر الخريطة السقوية، ومعها حُرم الجميع من السقي ثلاث طلقات متتالية لسد الحسن الداخل، وأمام إصرار “المخالفين” من أجل الاستفادة من الماء، قامت الجمعية المعنية بإغلاق الباب أمامهم، وبعدة مراسلات للسلطات المحلية، انتهت بوضع شكاية على مكتب النيابة العامة ضد أحد المستثمرين، يوما واحدا قبل العثور على جثته رفقة طفله بقناة للري.

“دققنا ناقوس الخطر قبل شهرين من وقوع الحادث، وحملنا صرخة أب الضحية في شريط وثائقي أنجزناه حول وضعية الماء بتافيلالت الكبرى” يقول غالي عبد العالي، رئيس جمعية العقد العالمي للماء-فرع الرشيدية، مضيفا، “كان حديث الحاج محمد الشاوي واضحا وملخصا للصراع الذي ظهر في قصر أولاد الزهراء بشكل جلي، وهو حاضر في دواوير أخرى بالجهة، لكن بدرجات أقل”.

ودعا غالي، الجهات المعنية إلى اعتماد مقاربة اجتماعية في التعاطي مع الملفات المتعلقة بالأرض والماء، والى التسريع في البث فيها، مع تمكين الفلاحين الصغار من حقوقهم في الاستفادة من الماء بشكل متساوٍ ويغطي حاجياتهم الأساسية المتمثلة في تحقيق الاكتفاء الذاتي. يختتم المتحدث.

واطلعت العمق على شريط فيديو يظهر تصريح محمد الشاوي أب الهالك الحبيب الشاوي وأحد ممثلي الجماعة السلالية، قائلا “خَلاوْ لنا جغمة ديال الماء، كل يوم نضاربو عليها”، تم نشره على موقع اليوتيوب في 19 أبريل من سنة 2016.

الحبيب الشاوي ومعاذ الشاوي: فصول “جريمة” غامضة

تقول العائلة، في كل صباح، ينطلق الحبيب الشاوي رفقة ابنه معاذ عند الساعة السادسة والنصف نحو الضيعة حيث يعمل، وقبلها يمر على المنفذ الذي يزود غابة قصر أولاد الزهراء بماء السقي حيث المكان يتناوب عليه الحراس ليراقب صبيب الماء، باعتبار مسؤوليته داخل الجمعية المشرفة على السقي، حيثُ سيُعثر على جثتي الهالكين بعد الثامنة والنصف صباحا من يوم الجمعة 29 يوليوز 2016، في منطقتين متفرقتين.

ووُجدت جثة الحبيب الشاوي الأب، بغابة مزكيدة جماعة الريصاني على مسافة اثني عشر كيلومترا من مكان تواجد الدراجة والمتاع، فيما عثر على جثة الطفل على مسافة كيلومترين من المكان المذكور، منعها حاجز أعده أطفال المنطقة لتجميع الماء الكافي للسباحة، رفقة جثتي كلب ودجاجة. وعُثر على هاتف الأب بالمكان ذاته الذي وُجدت به جثة الطفل، بعد يومين من الواقعة. حسب مصدر “العمق”.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/SYUWq.jpg
تُظهر صور تداولها ناشطون يوم الحادث، حالة صبيب قناة الري الذي كان ضعيفا، ويُرجح أنه نَقل الجثتين (الأولى أربعين كيلوغراما والثانية أزيد من سبعين كيلوغراما) من مكان لآخر قاطعا مسافة طويلة، في ظرف زمني لا يتجاوز الثلاث ساعات على أبعد التقدير.

وحسب مصادرنا، فإن الذين وجدوا الجثتين، لاحظوا وجود ملابس الطفل معاذ بالمحاذاة مع قناة الري، والدراجة النارية موقوفة بتروٍ وهدوء (200 متر عن مكان الحراسة)، ولاحظت العائلة قدوم أحد الذين في خلاف مع الهالك، الى مكان توقف جثة الطفل، مباشرة من بيته، كما تمت إزالة الحاجز قبل وصول السلطة المحلية، رغم تحذيرات الحضور.

الأمر ذاته سيتكرر مع جثة الأب، حيث قالت العائلة، أن أحد ساكنة الدوار، أقر بمعرفة مكانها أمام الحضور، وهو التصريح، الذي تبعه التوجه إليها والعثور عليهادون مرشد رغم متاهة الطريق. يورد المصدر ذاته.

بعد ساعات، وبطلب من العائلة قررت النيابة العامة وضع الجثتين على طاولة التشريح الطبي لكشف ملابسات الوفاة، لتنتهي في اليوم ذاته، إلى ترجيح “الغرق” كسبب للوفاة، داخل قناة للري، وهي النتيجة التي لم ترق لعائلة الفقيد ومعارفه الذين كان ينشط معهم مدنيا وسياسيا، وتتأجل مراسيم الدفن، حيث طالبت العائلة بتشريح مضاد، أنجزه أطباء من مدن مختلفة، لِتُصدم العائلة مرة أخرى بأن خلصت العملية بتأكيد النتيجة الأولى، رغم ما اعتبرته العائلة “وجود قرائن على الجثتين تؤكد أن الأمر يتعلق بعملية “قتل مزدوجة”.

نتائج “غير واقعية” للتشريح المضاد

من بين ما ورد في تقرير التشريح الطبي النهائي، حسب مصادرنا الخاصة، وجود آثار للتدخين برئة الهالك الحبيب الشاوي، فيما تنفي العائلة أن يكون ابنها قد شرب السجائر بشكل قاطع، المعطى الذي عززته مصادر متطابقة عاشرت المتوفى في فترات معينة.

واطلعت “العمق” على صور حصلت عليها، بعد العثور على الجثتين، وعرضتها على مصادر متخصصة، لتخلص ملاحظاتها الأولية على جثة الحبيب الشاوي، إلى وجود آثار تعلوها الزرقة على الرسغ الأيسر وتتخذ شكلا مستطيلا. كما تُظهر الصور ذاتها، تعرض فروة الرأس إلى جرح غائر (لا يصل إلى الجمجمة) محفوف الجوانب بشكل حاد، إلى جانب وجود دماء منتشرة على وجه الهالك وكتفيه.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/kBhIF.jpg
عند العثور على الجثتين، حسب ما صرح به أحد الحضور، لـ”العمق”، قال” أنهما لم تُخرجا من بطنيهما ماءً، وكان النزيف مستمرا”، كما أضافت المصادر نفسها، أن “التقرير لم يحمل أية إشارة إلى مقارنة مكونات مياه الساقية مع المياه التي وُجدت بالرئتين”.

مصادر محلية من أرفود، تحدثت للعمق، وقالت “إن ارتفاع مستوى الماء بالقناة التي وجدت بها الجثتين، لا يتجاوز 70 سنتمترا، وبها حواجز متعددة لا تسمح بمرور جثث الحيوانات والأشياء الثقيلة، وهي القناة ذاتها التي وجدت جثة الطفل معاذ بها عند حاجز على بعد كيلومترين عن مكان ملابسه، بينما وجدت جثة الأب الحبيب على بعد 12 كيلومتراً متخطية كل الحواجز”.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/SYUWq.jpg
عائلة الشاوي، تقول إنها اهتدت الى مجموعة من القرائن المرتبطة بالحادث والتي تغدي-حسبها فرضية قتل ابنها وطفله، واتضحت لها خيوطا جديدة تزكي طرحها، إلا أنها رفضت الكشف عنها، مراعاة لسير عمل قاضي التحقيق.

شهود انتهى وجودهم لأسباب “غير طبيعية”

ربمالم يكتب للقضية أن تُكشف بعض فصولها على لسان شهودٍ، لهم قرابة بالهالكين أو علاقة بحادث العثور على جثتيهما، فخلال سنة واحدة خسرت القضية شاهدين أساسيين في القضية، بسبب وفاة شُخِصت أنها “عرضية” ولم تقع متابعة من طرف عائلتيهما ضد أي كان، فيما تقول عائلة الشاوي، أنها دعت، منذ بداية التحقيق، إلى حماية الشهود، اعتبارا منها بأن الحادث كان “جريمة مُنظمة” وأن هؤلاء لديهم أشياء مهمة تقود إلى الحقيقة، تورد العائلة.

تبدأ الحكاية بتوصل الشاهد المتوفى عبد الرحمان المعمري، باستدعاء من قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرشيدية، بتاريخ الأول من فبراير الماضي، لأجل حضور جلسة 15 من الشهر نفسه، ليتم العثور على جثته، في اليوم الموالي، معلقة بحبل على نافذة اسطبل وسط ضيعة يشتغل بها، حيث قضى أزيد من 50 سنة.

وتُشير مصادر مطلعة، قريبة من الهالك، أن ساعاته الأخيرة قضاها باقتناء الكسكس واحضاره لباقي المستخدمين بالضيعة قصد تحضيره، ليتم العثور عليه حوالي منتصف النهار معلقا داخل مكان عمله.

وتتعلق الحالة الثانية، بمثول الشاهد الثاني في القضية، أحمد الغريبي حارس قناة الري، أمام أنظار قاضي التحقيق، يوم 05 يونيو الماضي، وهو الشاهد الذي تمت مواجهته بشهود آخرين، والذي سيفارق الحياة أربعة أيام بعد مثوله في جلسة سرية، حيث وجد بمنزله لمفرده يعاني ألما على مستوى البطن، لينقل إلى المستشفى ويفارق الحياة قبل معاينة الطبيب، ويتم دفنه قبل حضور ابنه الوحيد وأخيه ساعة فقط بعد وفاته.

العائلة: سيناريو “الجريمة” المفترض

خلال حديثنا مع عائلة الشاوي، ذكر شقيقه أحمد، أن المتوفى التقى بأحد المارة في مقطع وادي زيز، الذي يبعد بكيلومتر ونصف عن مقر السكن حوالي الساعة السابعة صباحا إلا ربع، بالإضافة إلى أن حارس إحدى الشركات أكد لهم أنه على الساعة السابعة والربع لم يرَ الدراجة التي أقلت الحبيب الشاوي وابنه معاذ، في المكان الذي وُجدت فيه بعد العثور على جثتيهما.

وتتهم العائلة، مجموعة من الأشخاص حضروا عملية البحث عن الجثتين، باختطاف الحبيب الشاوي وابنه واقتيادهما إلى مكان مجهول حيث نفذت “الجريمة”، مشددة على أن “معالم الجريمة واضحة، حيث تلقى الأب ضربات بآلة حادة على الرأس وضربات قوية من وراء كتفيه وعلى ركبتيه”، وهو ما أشار اليه التقرير الطبي، كما أنها تعضد روايتها بالقول إنه “تم التخلص من الطفل أيضا، لأنه كان شاهدا على الجريمة”.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/6Clwc.jpg
وتضيف العائلة أن “المجرمين عمدوا إلى وضع ملابس الطفل معاذ بجانب الساقية، بعدما نفذوا جريمتهم، وروجوا رواية مفادها أن الطفل معاذ بعدما رأى كلبه يغرق بالساقية نزع ملابسه وارتمى لينقذ كلبه، الذي تؤكد العائلة أنه لم يكن يملك واحداً، فغرق ولما رأى الأب ابنه داخل الماء ارتمى عليه فغرق الجميع”.

وتفترض المصادر ذاتها، أن تكون المجموعة قد نقلت جثة الطفل معاذ مسافة كيلومترين وألقت بها بجانب حاجز صنعه أطفال البلدة ليجمع لهما لماء الكافي للسباحة”، بينما نقلت جثة الأب مسافة 12 كلم، للإيهام الناس بأنسب بالجروح الغائرة على الرأسه والساقية التي سحبت الجثة، كل هذه المسافة”، تقول العائلة.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/SYUWq.jpg
وتتوزع روايات سبب الوفاة بين “احتمالية الغرق” كما جاء بهما تقريري التشريح الطبي الأول والثاني، وبين “القتل العمد” كما تحاول العائلة إعادة تجميع مختلف الدلائل والقرائن وإقناع الرأي العام، بكون الحادث كان من أجل قضية دفاع عن حق الفلاحين في الاستفادة من الماء والأرض، إلا أن التحقيقات التي يباشرها قاضي التحقيق مع مختلف الشهود قد تُنهي الجدل القائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *