وجهة نظر

المروري يكتب: المسار السياسي لبنكيران .. محاولة في فهم التحول (1)

لقد كان من أكثر القرارات شجاعة وجرأة وخطورة تلك التي اتخذها الأستاذ عبد الإلاه ابن كيران بعدما قرر هو مع ثلة من إخوانه الانفصال عن الشبيبة الإسلامية، وهي المتمثّلة في مراجعة تصور الجماعة في موضوع الملكية المغربية وطريقة تعاملها مع القصر على مستوى المواقف السياسية والخطاب الواجب اعتماده ضمن هذه المراجعة.

حيث لم يكتف ابن كيران بالخروج من موقف الرفض والمعارضة للنظام الملكي، بل امتد إلى الاعتراف به كشرعية دينية وسياسية ودستورية وتاريخية. ودعا بكل قوة وشجاعة إلى الاعتراف به والتعامل معه والتقرب منه والعمل تحت رايته.

هذا التحول الجذري في الرؤية والموقف والسلوك جر عليه انتقادات واسعة ومعارك إعلامية وسياسية وصلت حد الاستهزاء به والسخرية منه وتخوينه. ليس فحسب من التيارات السياسية والإسلامية الأخرى، بل حتى من داخل الجماعة الإسلامية آنذاك.

وللإنصاف والحقيقة، قد واجه الرجل كل تلك الحملات الممنهجة والعشوائية والجماعية والفردية بكل شجاعة وثبات وإقدام، دون تراجع أو تردد أو تعب أو كلل، فالرجل يعرف ما يريد، ويعرف كيف يصل إلى ما يريد، ولا يهتم لا للزمن ولا للضغوط ولا أي شيء.

لقد استمر ابن كيران وفيا لمنهجه وخطابه ومواقفه رغم خروجه من رئاسة الجماعة التي دخلت حلتها الجديد في حركة الإصلاح والتجديد وكذا بعد الوحدة المباركة مع رابطة المستقبل الإسلامي تحت المسمى والتنظيم الحالي حركة التوحيد والإصلاح.

كل هذه التحولات والتقلبات والمتغيرات لم تغير في الرجل شيئا، رغم دخوله في معارك إعلامية وكلامية وسياسية وتنظيمية. كان أشدها هو اختلافه الكبير مع المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب حول الموقف من دستور 1996، حيث ارتأى ابن كيران التصويت له بـ “نعم”، مستعملا آلية الشورى التحتية مع الفيدراليات (هي المكاتب الإقليمية خلال مرحلة اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية)، هذه الفيدراليات التي عرفت اكتساح أعضاء حركة الإصلاح والتجديد بعد التحاقهم بحزب “الخطيب” (هكذا كان يسمى).

بينما الخطيب كان له رأي راديكالي من الدستور الذي – حسب رأيه – لا يستحق التصويت عليه، ودعا إلى مقاطعته من خلال بيانه الشهير المنشور بجريدة الصحوة التي كان يديرها الأستاذ المصطفى الرميد، ورئيس تحريرها المرحوم عبد الرزاق المروري.

كانت هذه أولى الاختلافات السياسية الجوهرية بعد الوحدة والتحاق جل أعضاء وقيادات حركة التوحيد والإصلاح بالحزب، وظهر تياران الأول تيار يمثله الخطيب والرميد والمروري وبلاجي والمشتالي وغيرهم وليس من ضمنهم الداودي، وآخر يمثله ابن كيران ويتيم والمرحوم بها ورباح، وطبعا ليس من بينهم الدكتور سعد الدين العثماني (وهذا أكيد ومؤكد).

لقد انعكس هذا الخلاف على الحزب سياسيا وتنظيميا، وأدى إلى ظهور بعض التقاطبات التي عانى منها الحزب لسنوات، وأخذ يتعافى منها تدريجيا حسب المناطق والأشخاص ومستوى النضج الأخلاقي والفكري والتنظيمي.
كل هذه المحطات والهزات لم تزد ابن كيران إلا عزما وإصرارا، رغم خفوت صوته خلال المرحلة من 1997 إلى غاية 16 ماي 2003، التي عرفت العود القوية له.

لقد أخلص ابن كيران لتصوره من الملكية وخطابه لها وفيها، ودعى إلى الاقتراب منها والوفاء لها ومساعدتها ودعمها (لما تمثل من رمزية دينية وتاريخية). ورمى بكل بيضه في سلة واحدة.

فعلا لقد نجح ابن كيران بامتياز في دمج الحركة الإسلامية في العمل السياسي القانوني والمؤسساتي، وجعل القصر يجرب التعامل مع الوافد السياسي الجديد بحذر وضبط.

وكلما نجح الاعتراف المتبادل كلما ازداد ابن كيران قوة وشجاعة وإيمانا بتصوره وخطته، ولا يجد فرصة أو مناسبة قوية إلا ويحاول إيجاد مخرج ومساعدة للملكية والتذكير بمكانتها ودورها في المشهد السياسي ، كان آخرها الموقف من حركة 20 فبراير التي توجس منها ولَم يعترف بها، بل ضغط بكل قوة “وخشونة ” من أجل إخراج الحزب وشبيبته وقياداته من تلك الحركة، فأسدى بذلك خدمة كبيرة للقصر.

هذا الموقف الأخير التقطه القصر بذكاء وسرعة كبيرة، ودعى إلى إصلاحات جوهرية، والاعتراف بكل الانتخابات التي بوأت الحزب المقدمة، وابن كيران رئاسة الحكومة وزعامة المشهد السياسي.

بعد دخول ابن كيران إلى دوالب الدولة ومؤسساتها واطلع على بعض أسرارها وميكانزمات اشتغالها، وتعرف على رجالاتها ولوبياتها القريبين والبعيدين ووو … هنا سيعرف المسار الفكري والسياسي والتنظيمي لابن كيران منعطفا آخر وتحولا جديدا.

يتبع …

* محامي وناشط حقوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Salem
    منذ 6 سنوات

    TOUT LES DEUX A LA POUBELLE