وجهة نظر

رحيق الكلام: “حقائب الحب” (1)

إلى التي تقدرني عاقلا ومجنونا ….

بدون حقائب يجلس القرفصاء في الباب الخلفي للمحطة، شعر بنفسه متحررا خفيفا، وحدها الجريدة يحملها في يديه، أن تتحرر من ثقل الأشياء، أن تتحرر من ثقل الماضي، الحقائب أنواع وأشكال، حقيبة الوزير وحقيبة المهاجر وحقيبة اللاعب ….

ضجيج يعم المحطة، شجار بين “كورتي” وأحد المسافرين تأخر لدقائق في المرحاض الوحيد بالمحطة ولما عاد سمع تلك العبارة “من لم يحضر في وقت السفر لاتقبل منه الشكاية”، سب وقذف ولكمات متبادلة، سقط المسافر مغميا عليه تحلق حوله الجميع، البوليسي الوحيد في المحطة غارق في نومه، موظف النقل يضرب بقوة على باب المكتب الذي يغط فيه البوليسي في نوم عميق “وفين المسخوط راه روح طاحت وانت ناعس”.

بعد برهة حضرت سيارة الإسعاف، الشخص طريح الأرض عسكري يشتغل بالرباط في مهمة الى البيضاء، “في الإنعاش بين الحياة والموت”…. هكذا تصرخ سيدة عادت للتو من المستشفى، افترش الجريدة بلا حقائب يتأمل فضاء المحطة، حمقى، متشردون، أطفال بلا أحذية يبحثون في قمامة تكسدت لأيام تفوح منها رائحة نتنة، البوليسي يتمايل وهو يرد بصوت جهوري “هاذ القوم متخلونا نعسو لا ليل ولانهار”.

حضرت الحافلة، الساعة الثانية ليلا مساعد السائق تفضل سيدي أين حقيبتك؟ ليست لي حقائب، يرد بنبرة حزينة “والله معبرتي غير أنت تمشي مرتاح” وفي دواخله يتحسر على ضياع دريهمات اعتدت منحه إياها فور كل سفر أطلق قهقهات بين الصفوف وهو يصرخ “شكون للي مازال بلا ورقة”، عدت للجريدة، في الصفحة الأولى مقال لصحفي شاب يعدد محاسن المقاطعة التي جعلته يكتب كل يوم مقالا عن الحكومة وصراعاتها، مصائب قوم عند قوم فوائد، الحافلة تطوي المسافات، السفر بلا حقائب تحرر من كل شئ يقف أمامك، تحررنا من ثقل الأشياء، ثقل الذاكرة يعرقل كل تقدم للأمام، القطيعة مع الماضي هي إنطلاقة للمستقبل، الحقائب أنواع وأشكال، خلت صوتا يكسر صمت الحافلة والناس نيام: هل للحب حقائب؟ …

يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *