وجهة نظر

لهذه الأسباب تتجاهل الإدارات رسائل المواطنين؟

ألاحظ دائما عدداً من المغاربة يشتكون من عدم ردِّ الإدارات كتابيا على رسائلهم لطلب معلومات أو تفسيرات لشكاياتهم، سواء كانت الإدارة عمومية أو ضمن القطاع الخاص أو حتى الشبه العمومي. أمام هذه الإشكالية الغريبة أتساءل ما هي دلالات وأسباب هذا الصمت الإداري وكيف يعيش المواطن هذا الصمت عن جواب رسائله؟

1- الصمت “إقصاء الآخر”
الصمت هو نوع من الحوار السلبي ورفض للحوار والتبادل مع الآخر، كما هو رفض للانفتاح والاستقبال. الصمت هو باب مغلق أشبه بجدار التقسيم مثل “حائط برلين”. إن الصمت هو “فقاعة” لإقصاء الآخر.

2- الصمت “إنكار”
الصمت هو إنكار وجود الآخر كمواطن وكإنسان كما أنه تجاهل الإدارة لمهمتها في خدمة المواطن.

3- الصمت “عنف”
الصمت هو عنف بارد و محفز لخلق آلام معنوية عند المواطن الذي ينتظر الجواب أثناء “الحوار”

4- الصمت “المْخْزْنْ”
ثقافة “المخزن” تجرنا إلى التحليل التعاملي “الأب- الابن” حيث الموظف الإداري يحل محل القوة ومحل الأب، بينما المواطن المراسل يجد نفسه في موضع الابن الضعيف. ولهذا يرى الموظف الإداري إذا ردَّ على رسالة المواطن فسينزل من عَليائه إلى مرتبة “الابن الضعيف” ولهذا يفضل الصمت وإنكار وجود الآخر.

5- الصمت “غياب الاحترام”
في ثقافتنا المغربية نجهل مفهوم الاحترام في بعده الإنساني ونحترم من هو أعلى مرتبة اجتماعيا. فمثلا، المواطن المُراسل هو أقل مرتبة من الموظف الإداري ولهذا نراه يبدأ رسالته بِعبارة “يشرفني أن أرسل لسيادتكم….”. أما الموظف الإداري لا يرى نفسه مضطراً للإجابة على رسالة شخص أقل منه مرتبة لأنه يراه أشبه بـ المتسول.

6- الصمت “انعدام النظام والانضباط”
من الممكن أن يزعم الموظف الرد كتابيا على رسالة المواطن. ولكن للموظف أولويات أخرى وينتظر معالجة كل ما هو مستعجل لكي يقوم بالرد على المواطن. ولكن بما أن مفهوم الانضباط غائب عن ثقافتنا المغربية، إضافة إلى غياب ثقافة النظام والتفاني في العمل، نجد الموظف قد نسي مهمة الرد على المواطن .

7- الصمت “جواب على الاعتداء”
يرى الموظف الإداري في رسالة المواطن اعتداءً على شخصه و مقامه وأنه مجرد متطفل يسعى لإزعاجه فقط. ولهذا يرد على هذا الاعتداء الوهمي بالصمت والإنكار.

8- شعور وأحاسيس المواطن المُراسل
ليس هناك طريق لجرح الإنسان في كرامته أكثر من تجاهل وجوده وعدم النظر في عينيه مباشرة وكأنه أقل من التراب. لقد ترسخت ثقافة “الحكرة” في حياة المغربي ورفض أو عدم الرد على رسائله يُرسخ باستمرار لديه الإحساس بِـ “الحكرة” لينتهي به الأمر للاعتقاد بأنه لا شيء.

إن الصمت و تجاهل رسائل المواطن هو إنكار لوجوده وحقوقه وعملية عنف مدمرة تمزق أوصال الجسد المجتمعي في كرامته مثل القنبلة النووية تماماً فهي سلاح دمار شامل. والمجتمع الممزق في داخله سواء بين أفراده و مؤسساته لن يحقق أبداً الازدهار والرخاء والعدالة والإنصاف.

*الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *