وجهة نظر

مغتصبون بلا حدود

أطلت علينا حادثة ضحية “الاحتجاز والاغتصاب الجماعي” للقاصر خديجة، وظهر معها -والحمد لله أنه ظهر- استياء شعبي كبير على هذا التصرف الشنيع الذي لا يمثل أخلاق المغاربة النبيلة، ولا يعد من ثقافتهم ولا من قيمهم الشامخة، لكنه حصل. وتذكرنا في نفس الشهر من السنة الماضية لما قام مجموعة من القاصرين بعملية تحرش شنيعة اتجاه فتاة قالوا عنها مختلة عقلية في حافلة للنقل العمومي بالدار البيضاء، وما بين هتين المدتين وقبلهم أحداث اغتصاب جنسي كثيرة تعد لكن لا تحصى، نعم هذه التصرفات تحصيل حاص لا يمكن إنكارها، كما لا يجب أن ننسى أن هذه تصرفات شاذة وليست قاعدة وجب البحث عن أساليب وتدابير من شأنها كبح وتلجيم هكذا سلوكيات كي لا تطغى على واقعنا.

هنا أريد الإشارة إلى مسألة باتت تكون هبوطا في ثقافتنا، لقد كنا في زمن ليس ببعيد نتدخل في شؤون العامةتوجيها وتقويما ونصحا، ليس من باب الفضول أو غيره، بل من باب الحفاظ على الجو العام وقيم العامة، واحترام الخصوصيةالتي تجمع شتات المجتمع، متآخين ومتآزرين فيما بيننا، ينصح الكبير منا الصغير ويقبل الصغير منا دعوة الكبير، لكننا اليوم وللأسف بات مفهوم الحرية والتفتح يأخذنا صوب الأنانية المحطمة للقواعد الاجتماعية، والبرغماتية المتوحشة التي سرقت منا حياءنا، وأصبحنا نجهل منهج التحرر العقلاني الآخذ بنا إلى التطور المجتمعي.

فكيف نفهم أخد شابين لبنت فوق دراجة نارية من أمام بيتها في واضح النهار وأمام العيان؟ وكيف نفسر الاعتداء على المسنين في اشتوكة وبقائه في المنزل حتى تناوله وجبة عشاءهم دون تدخل الجيران؟ واشرحوا لي لمدا لم يوقف السائق ومساعدين للحافلة لمساعدة المسكينة، ولمدا لميتدخل أي راكب لإيقاف ذاك الاعتداء الشنيع… لقد اختلت المقاييس واخطلت الأوراق وأخدنا قشور التقدم وتركنا جوهره، وأصبحنا نقول ما لا نفعل وما لا نقدر على فعله، هل وصل بنا عدم الاكتراث بالغير وبالوطن إلى حد السفالة؟.

لذاوجب على الكل، دولة ومؤسسات سياسيةاجتماعية وتعليمية، عمومية أو خاصة، أسر وأفراد، كل من موقعه أن يبحث عن الدور المنوط به للحد من هكذا تصرفات، لأن المشكل بات أن يكون مركبا وتتدخل فيه جملة من الأسباب وراءها كل من تخاذل في القيام بمهمته.

فل يبحث المسؤول عن التعليم هل يوجد في منهاجه ما يرفع أخلاق المجتمع ويقوِّم سلوك أبنائه الذين أصبحوا يقضون أكبر الأوقات في ساحات المدارس وخلف جدرانها عوض ساعات الفصل، ولينظر منظمي المهرجانات والساهرين عليها مستوى الذوق والأداء الفني المعروضين للجمهور، وما هي الإشارات التي يرسلها المغنون بلباسهم قبل كلماتهم فوق منصات تسرف عليها أموال طائلة تحت غطاء الفن والثقافة، وليقيم المسؤول عن التلفزة ما يبث عليها من برامج ليست منا لكنها إلينا، وأفلام تحمل ثقافة غيرنا تقلل من قيمنا وقيمةالفنانين المغارب وتنقص من عطاءهم.

وليسأل رجل الإعلام كسلطة تسأل وتحرج المسؤولين مدا يقدم لشباب وطنه؟ هل يخدمه ليترفع عن قشور الأمور وسفاسفها، هل يقدم له ما ينفعه حقيقة ويساعده في بناء ذاته وتكوين فكر الاحترام والحوار بدل الاختلاف والتطرف، وهل صدقا يحمل همًا نحو وطنه يهدف لخدمته لا لخدمة جيوبه فقط، فالدور عليك اليوم أكثر في القيام بالتوعية ورفع منسوب العلم والمعرفة، والاهتمام بالقضايا الحقيقة والبناءة لوطن تسود فيه قيم الحرية والاحترام وحقوق الانسان،فالوطن اليوم عامر بجيل الفراغ واللامعنى، تائه يحتاج لمن يوجهه صدقا وليس إديولوجيا.

المسؤولية يا صديقي المسؤول، كيف ما كان منصبك وأينما وصلت درجتك، هي مسؤولية وليست وظيفة لجمع الأموال والحصول على الامتيازات، فالمغتصَبون في بلادي ليسوا فقط الممارس عليهم الجنس قصرا، فهم أولئك الذين يؤخذ حقهم دون رضاهم في أي مجال كان، سياسي، اقتصادي، أو اجتماعي.. ففي أعالي الجبال وفي السهول، في شوارع المدن وأزقتها، لذلك احذر يا صديقي المسؤول كل الحذر أن تكون مريضا نفسيا وتغتصب حقوق غيرك، ولتعلم أن فيالمغرب مغتصَبون بلا حدود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *