وجهة نظر

التجنيد الإجباري، فرصة للتربية الروحانية المواطنية والتربية الجنسية والتكوين الزوجي

لقد سبق لي أن تحدثت عن أسباب فشل الزواج وعن الحياة الجنسية الغير الراضية وعن أسباب التحرش الجنسي والاغتصاب والعنف القائم ضد الإناث في المجتمع المغربي، واقترحت أن تدمج في المقررات المدرسية التربية الجنسية والتربية الروحية المواطنيّة إبتداءً من التعليم الابتدائي وأن تدمج كذلك في كل الجامعات والمدارس العليا مادة تربوية حول مؤسسة الزواج.

و بمناسبة إعادة نظام التجنيد الإجباري أرى أن هناك فرصة ثمينة لإدماج هذه المواد الثلاثة على مدى 17 شهراً لفائدة المجندين والمجندات.

فلماذا يجب إدماج هذه المواد خلال فترة التكوين العسكري الإجباري؟

1- التربية الروحانية المواطنيّة

لا أقصد هنا التربية الدينية ، لأنها مسألة فردية ولا يمكن لأحد التدخل فيها وخصوصا أنه سيكون بين هؤلاء الشباب المغاربة تنوعات عقائدية كثيرة فمنهم ملحدون و لا دينيون ويهود ومسلمون و بهائيون وشيعيون وأحمديون مثلا. إن مشروع التربية الروحانية المواطنيّة هو تدريس برنامج مكثف على التشبع بمفاهيم القيم الإنسانية العالمية التي تخدم المجتمع والوطن و بدون انتظار أي مقابل.

إن التربية الروحانية المواطنيّة تهدف إلى تنمية القدرات على خدمة المجتمع لتحقيق راحته ورفاهيته. ومن خلال العمل على تحقيق راحة المجتمع يحقق المواطن راحته الشخصية. و بعبارة أخرى، فإن التربية الروحانية المواطنيّة تُنمي الحس بالانتماء إلى المجتمع مثل كل عضو من أعضاء الجسم الواحد. فأنت مثلاً عندما تعالج أصبعك أو تأكل لصحة جسمك هل تنتظر تعويض مادي أم ان هدفك هو راحتك البدنية؟

من البديهي أن كل عضو من جسدك يخدم كل الأعضاء الباقية بدون مقابل وهدفه هو الحصول على التناغم والتوازن والمشاركة في تحقيق راحة الجسد.

2- التربية الجنسية

أسئلة بسيطة يطرحها كل فرد على نفسه: “بأي طرق علمية تمَّ تكويني على حياتي الجنسية؟”، “من هو الشخص الذي كَوَّنني على حياتي الجنسية؟”، “هل أنا راضي وسعيد بحياتي الجنسية؟”، “هل أنا مرتاح داخليا مع رغباتي الجنسية؟”. بطبيعة الحال الأجوبة واضحة، لقد تم التكوين بالتقليد فقط مما سُمع من مجموعة الأصدقاء ومن ثقافة الأفلام السنيمائية…!

الجنس مهم جدا ولولاه لاندثرت البشرية تماما. وللجنس السليم دور هام في توازن الفرد وسعادته وراحته وهدوئه الداخلي وتحريره من غرائزه الحيوانية ليصبح فردا مستعدا ومتفرغا للقيام بواجباته الاجتماعية والإنسانية والوطنية. كما أن سوء الحياة الجنسية يجعل من الفرد مضطرب المزاج والسلوك وفي حالة قلق مزمن ودائم النزاع في علاقته الاجتماعية مع غياب استعداده للقيام بواجباته الاجتماعية والمهنية والوطنية. خلال تجربتي المهنية أرى عدداً كبير من حالات الاكتئاب بسب حياة جنسية غير متزنة ومتناغمة حيث يجد المريض أو المريضة نفسه في مأزق ويرى الحل في الطلاق مثلا لأنه يرى في رفيق حياته سبب معاناته.

إن الجنس السليم بإمكانه أن يساهم في تناغم العلاقة بين الرجل والمرأة وتطوير علاقتهما العاطفية والودية ومساعدتهما على نجاح مؤسستهما الزوجية وتطوير قدراتهما الأبوية في تربية أطفالهما. كما أن الجنس بإمكانه أن يكون سبب النزاعات وسوء التفاهم وإساءة تربية الأطفال وحتى في ارتفاع حالات الطلاق.

فلماذا لا ندخل مادة التربية الجنسية في تأهيل هؤلاء الشباب خلال هذه الفترة التكوينية العسكرية الإجبارية؟

3- مؤسسة الزواج
لما علمت بأنباء إعادة التجنيد الإجباري رأيت أن جل الشباب المغربي من الشريحة العمرية ما بين (19-25 سنة) وبشكل ديمقراطي سوف يمرون بتجربة التكوين العسكري وتصورت لو كان بإمكانهم أن يدرسوا مادة مؤسسة الزواج وطرق الاستعداد لولوج هذه المؤسسة المقدسة سوف حينئذ يكون التكوين مشروعا عظيما.

مع الأسف لما أرى في مجتمعنا كيف تبدأ مشاريع الزواج وكيف تنتهي، أدرك مدى الإجرام الذي تتعرض له هذه المؤسسة الاجتماعية و الذي يهدم أساس المجتمع.

فكيف لنا أن نحقق الأهداف المنتظرة من التجنيد الإجباري إذا استمر الفشل في مؤسسة الزواج في تحقيق السعادة والمساواة بين الرجل والمرأة وفي تربية الأطفال، جيل المستقبل؟ وبدون أي تردد، تحقيق الأهداف النبيلة للمجتمع يتوقف قطعيا على نجاح مؤسسة الزواج ولنجاح هذه الأخيرة لا بد من التربية الجنسية والتربية الروحانية المواطنيّة.

*الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *