وجهة نظر

“الكوليرا” .. ما بين تطلعات الشعوب والواقع المغاربي المتأزم

مقال رأي:

شفى الله المصابين بالداء الوبائي الذي أصاب الجزائر مهددا كلا من تونس والمغرب، وكان في عون الشعوب المغاربية التي لم تجد آذانا صاغية لأحلامها وتطلعاتها في تحقيق الوحدة المغاربية، ولا حتى لآلامها وآهاتها ومعاناتها في ظل واقع التفرقة والتمزق والصراعات البينية الذي لم تكن الحدود المغلقة والتصريحات التحريضية والتصعيد العسكري الدائم سوى بعض تجلياته.

حوالي ستة عقود من الزمن مرت على خروج المستعمر الأوروبي من المنطقة و استقلال بلدانها، نجحت فيها دول المنطقة في ترسيخ مشروع الدولة القطرية، وجربت فيها الانظمة السياسية المحلية العديد من أنماط الحكم، كما روجت فيها لخطابات سياسية وإيديولوجية متنوعة، وخاضت عبرها العديد من الصراعات البينية والحروب فيما بينها، معتمدة على تحريك الحس الشوفيني الضيق، واللعب على وتر الانتماء القطري وحتى توظيف الايديولجيات.

نصف قرن عاشت خلاله شعوب المنطقة على أحلام ووعود بتحقيق التنمية والتقدم والازدهار ، وتابعت خلاله مختلف أنواع المشاريع السياسية والانجازات الاقتصادية التنموية، لكنها كانت في كل مرة تُصدم بواقع التخلف التعيس، الذي تعبر عنه العديد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية، التي توحدت من خلالها الدول المغاربية رغم واقع التمزق والتفرقة، كالفقر والهشاشة المجتمعية والبطالة وذيوع الفساد في أجهزة الدولة، واقع مر تؤكده التصنيفات والمؤشرات الدولية الخاصة بالتنمية والديمقراطية وحقوق الانسان التي لطالما احتلت فيها البلدان المغاربية مراتب متأخرة، شأنها شأن تقارير المؤسسات الدولية الوازنة التي تعكف على جلد الأنظمة المغاربية وكشف حقيقتها المخزية أمام شعوبها.

وفي ظل موجة الوعي الجماهيري والحراكات الاجتماعية التي باتت تعصف ببلدان المنطقة، ستستفيق الشعوب المغاربية على أخبار تفيد بظهور عشرات الاصابات بمرض الكوليرا في الجزائر، حيث ستبادر كل من تونس والمغرب لاتخاذ اجراءات احترازية ازاء الوباء، في ظل رواج أخبار غير مؤكدة عن ظهور إصابات متفرقة فيها، لتنكشف حقيقة هشاشة الوضع الصحي في البلدان المغاربية أمام مرض لطالما ربطه الاعلام بدول افريقيا جنوب الصحراء أو بعصور ما قبل الدولة الحديثة.

فالكوليرا الوباء المقترن بالحروب والمجاعات وانهيار الدول سيكون له رأي آخر، وحده سيتكفل مشكورا بالسعي الى توحيد البلدان المغاربية، عبر دق ناقوس الخطر وتذكير حكام بلدان المغرب العربي بالواقع المر والتعيس المشترك والمتمثل في تراجع البلدان المغاربية في مؤشرات التنمية وفشلها في تحقيق العيش الكريم لشعوبها، كما سيذكر المواطنين بخطورة التعايش مع مختلف مظاهر التخلف والفساد التي يعيشون على وقعها وبضرورة مواجهتها.

فهل سيفرض واقع مجابهة الكوليرا على حكام بلدان المنطقة تنسيق وتظافر الجهود فيما بينهم لمجابهتها، أم أن مطلب التصدي لوباء خطير من قبيل الكوليرا سيلقى مصير التجاهل والتنكر الذي لقيته أحلام الشعوب ومطالبها البسيطة في إحياء الاتحاد المغاربي وتحقيق التكامل الاقتصادي لدوله بما تمليه عناصر الهوية المشتركة من ثقافة ولغة ودين…، عدا عن التحديات الاقتصادية والسياسية والامنية التي تواجهها؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *