مجتمع

مطالب بتدخل فوري لرئيس الحكومة لسحب مقرر “البريوات”

دخلت الجمعيات المدافعة عن اللغة العربية، على خط الجدل الذي أثارته وزارة التربية الوطنية بإدخالها مفردات من “الدارجة” في المقررات الدراسية للموسم الجديد، مطالبة بتدخل عاجل وفوري لرئيس الحكومة، من أجل سحب الكتب المعنية وإيقاف اعتماد هذه المقررات.

وضما كل من الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية والجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية، صوتيهما إلى 4 أحزب في الأغلبية والمعارضة، برفض ما بات يُعرف إعلاميا بـ”مقررات البريوات”، واعتبار تسريب عبارات دارجة إلى كتب التلاميذ بالسلك الابتدائي “خرق خطير للمنظومة التربوية وضرب لمضامين وروح الدستور وهوية الشعب”.

وأثار استعمال مفردات بالدارجة في كتب مدرسية مصادق عليها من طرف الوزارة، ضجة واسعة على المستوى السياسي والإعلامي، وسط سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أقرت وزارة التربية الوطنية باستعمال “عبارات دارجة” في مقرر دراسي بالسلك الابتدائي للموسم الدراسي الجديد، معتبرة أن اعتماد “أسماء علم لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية في مقرر دراسي يعود لمبررات بيداغوجية صرفة”.

“زعزعة البلبلة”

الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، قال إن هذه هي أول مرة في تاريخ تأليف الكتاب المدرسي الرسمي، يتم فيها إدراج ألفاظ من الدارجة المغربية في المقررات الدراسية،  معتبرا أن “هذا السلوك الذي أقدمت عليه مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية، يتنافى كليا مع المقتضيات الدستورية، لاسيما الفصل الخامس الذي نص على أن اللغة العربية، تعتبر اللغة الرسمية بالمغرب، إلى جانب الأمازيغية”.

وأشار الائتلاف في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه،  أن هذه الخطوة تتعارض بشكل واضح مع مضامين الرؤية الاستراتيجية (2015/2030)، ومشروع القانون الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي، واصفا المسوغات التي ساقتها الوزارة لتعليل هذا “التسريب الغريب”، والمتمثلة فيما أسمتها “مبررات بيداغوجية صرفة”، بأنها مبررات “واهية ولا تصمد أمام الحقيقة العلمية لتعلم اللغة وتعليمها، باعتبارها نظاما ونسقا لا يمكن العبث به بما يؤدي إلى زرع البلبلة والاضطراب في أذهان المتعلمين”.

الهيئة طالبت رئيس الحكومة، باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، والوزارة الوصية على القطاع، بالتدخل العاجل لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، لإيقاف اعتماد هذه المقررات والدعوة لمراجعتها، ومراجعة دفاتر التحملات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية بمراعاة المقتضيات السالف ذكرها.

حماية العربية

وطالب الائتلاف إلى الاحتكام إلى المساطر المنظمة لإعداد الكتب المدرسية وإسنادها للكفاءات الوطنية من ذوي التخصص من خلال الاحتكام للضوابط البيداغوجية والمرجعيات ذات الصلة، ومراجعة كتب الابتدائي من كل ما يخل بهذه المرجعيات، وتغيير الكتب التي لا تتوفر فيها الشروط البيداغوجية الملائمة للأهداف المحددة.

كما دعا السلطة التشريعية للإسراع في سن قوانين حماية اللغة العربية “درءا لكل الممارسات التي ترهن مستقبل المغاربة لقراءات مزاجية لمسؤولين يفتقدون أدنى شروط الفهم العلمي والمعرفي للمسألة اللغوية”، معلنا رفضه “مسار التلهيج لبعض الجهات المعزولة في الدولة الذي يعتبر ردة وانتكاسة أمام الجهود التي تقوم بها مختلف الفعاليات الوطنية والديمقراطية من أجل النهوض بالوضع اللغوي للمغاربة”.

واعتبر البلاغ أن “الإشكالية اللغوية في التعليم المغربي ينبغي أن تكون في إطار حل شامل وسياسة لغوية واضحة المعالم على أساس المرجعية الدستورية التي أجمع عليها المغاربة في كل القطاعات ووفق جدولة للوظائف”، داعيا كل الفعاليات المدنية والسياسية والنقابية إلى “التصدي لهذا التوجه والاستعداد لكل الأشكال النضالية لإيقاف هذا المنحى التراجعي الخطير والمضر بالمدرسة المغربية وبمستقبل الأجيال وإشعاع المغرب الحضاري”.

“العبث”

بدورها، عبرت الجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية عن استنكارها لما أسمته “تجاوزات أخلت بالهوية اللغوية والشخصية الوطنية”، وذلك بإقحام كلمات وعبارات عامية في مقررات اللغة العربية، معتبرة أن هذه الخطوة “لن تساهم إلا في انفصام شخصية المتعلم المغربي المعتز بثوابته، ومنها اللغة العربية، اللغة الرسمية دستورياً عبر دستوري 1962 و1996، وما أكده أيضا دستور فاتح يوليوز 2011 في الفصل الخامس منه بتنصيصه على أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها”.

ونددت الهيئة ذاتها في بلاغ لها، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، بما آلت إليه المقررات والبرامج الدراسية من “محاولة لطمس الهوية المغربية الأصيلة”، مستنكرة “الاستدراج نحو تدريج اللسان العربي حفاظاً على الْمَلَكَة اللسانية الجماعية بالمغرب الأقصى”، معتبرة أن هناك “أيادٍ خفية تتدخل لهدم تراث تاريخي منسجم مع المكونات والثوابت”.

وطالبت الجمعية المسؤولين بالتدخل الفوري لـ”سحب الكتب الجديدة المخلة بثوابت الأمة، إيقافاً لمهزلة التلاعب بمستوى ومصير الأجيال الصاعدة، ضامنة مستقبل الأمة، ومعقد أملها في إنجاح مسلسل النماء”، داعية الآباء والأمهات وأولياء الأمور إلى “مواجهة هذا العبث بمواقف حازمة عبر المساطر القانونية من أجل تدارك هذا الانزياح، وتصحيح المسار”.

رفض حزبي

وكانت أحزاب من الأغلبية والمعارضة، قد توحدت في معارضتها لقرار وزارة التربية الوطنية إدراج عبارات من الدارجة المغربية في المقررات الدراسية للموسم الدراسي الجديد، مقررة استدعاء الوزير أمزازي إلى البرلمان من أجل مساءلته حول هذا المستجد، فيما ذهب حزب العدالة والتنمية إلى حد مطالبة رئيس الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لمعرفة المسؤولين عن ما وقع.

وأجمعت الفرق البرلمانية لكل من أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، على أن ما وقع يعاكس مضمون الدستور ويشكل “اختراقا غير مقبول” للمنظومة التربوية بالبلد، مطالبين بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، من أجل مناقشة الموضوع بحضور وزير التربية الوطنية، مع كشف الجهة التي أعدت هذه المقررات والمنطلقات العلمية المبنية عليها.

وتداول نشطاء التواصل الاجتماعي صورة لصفحة من كتاب مدرسي للسلك الابتدائي خلال الموسم الدراسي الجديد، يضم مفردات من قبيل: “البريوات، البغرير، الغريبية، شربيل”، وهو ما جعل مجموعة من النشطاء يطلقون حملة احتجاجية ضد الخطوة، معتبرين أن الحكومة “أظهرت نيتها بوضوح هذا الموسم لمزيد من تهميش اللغات الرسمية للبلد”، فيما طالب آخرون بالتحقيق في الموضوع وتدخل رئيس الحكومة من أجل تدارك الأمر بسرعة.

“مبررات بيداغوجية”

وزارة التربية الوطنية كانت قد أكدت لجريدة “العمق”، أن الصورة التي تظهر كتابا لمادة اللغة العربية يتضمن مصطلحات بالدارجة، هو كتاب مصادق عليه فعلا من طرف الوزارة، مشيرا إلى أن إدراج مفردات بالدارجة تم بناءً على مبررات بيداغوجية، موضحا أن الصورة الثانية التي تظهر ترجمة جمل فرنسية إلى الدارجة، كتاب غير مصادق عليه من طرف الوزارة.

واعتبر مصدر رفيع المستوى بالوزارة لجريدة “العمق”، أن الهدف الأساسي من إدراج مصطلحات مثل “البريوات والبغرير والغريبية”، هو استعمال مفردات موجودة في الرصيد اللغوي للطفل وتستعمل في الحياة اليومية، مشيرا إلى أن هذه الأسماء ليس لها مرادف في اللغة العربية الفصحى، وبالتالي لا يوجد بديل عن وضعها باللهجة الدارجة، وفق تعبيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *