وجهة نظر

هل المؤمنون هم “رسل صغيرة” أم هم “مؤمنون آليون”؟

مجرد سؤال! لماذا يعتبر المغاربة منطق المؤمن على صواب ومنطق الملحد على خطئ؟ لماذا نرى خلال الحوارات التي تجري بين المؤمنين والملحدين، مظاهر الجدال وارتفاع الأصوات والكل يتكلم في نفس الوقت ولا أحد يستمع للآخر؟ ولماذا تنتهي هذه المجادلات باللعن والتكفير؟

مجرد سؤال! لماذا يرفض المغربي حرية الفكر بما فيها الإلحاد ويحكم مسبقاً على كل من له فكر حداثي أو فلسفي أو علمي بالملحد؟ وهل الأدلة التي يقدمها كلا الطرفين، المؤمن والملحد، ملموسة علميا، أمْ سوى كلام وكلمات وصناعة لمنطق “عقلاني مُهَلْوَسْ”؟

أمام كل هذه السيناريوهات، أرى أهل الأديان كأنهم مجرد “مؤمنين آليين” مُبرمجين على إعادة برنامج خاص عُبِّؤوا به بالوراثة وليس باستطاعتهم التفكير خارج صندوق هذا البرنامج. وبعد تحليل هذه الظاهرة، أتشارك معكم بعضاً من أسباب هذه البرمجة.

1- غياب الفكر الفلسفي والنقدي

التربية الدينية الخاطئة ترى أن الفلسفة ونقد الفكر الديني أعداءً للكيان الديني. وبطبيعة الحال بدون فلسفة دينية سليمة أرى المؤمن مُضرّا لنفسه ولدينه ولمجتمعه ولعل ما نراه في الشوارع المغربية في وسط النهار وبالليل هو نتيجة ومرآة لهذه التربية الدينية الخاطئة.

2- غياب فكر المسؤولية الذاتية

مع الأسف التربية الدينية الخاطئة لا تُنبه المواطن أن كل حكم أو تدخل في فكر وضمير الآخرين هو جريمة ضد حقوق الإنسان وابتعاد عن القيم الدينية.

3- الخلط بين حكم الله وحكم المؤمن

نرى في الكتب الدينية آيات تخبرنا عن الله ومحاسبته للأفراد بحسب صدق إيمانهم وصلاح أفعالهم، وللأسف تُخول التربية الدينية الخاطئة للمؤمن الحق في إصدار نفس الأحكام على إخوته في الإنسانية والمواطنة. فهل أصبح كل مؤمن إلها يمتلك مفاتيح ولوج الجنة والنار؟

4- غياب ثقافة التسامح والتعايش والانفتاح

تُأكد التربية الدينية الخاطئة على أن هذا أو ذاك الدين هو الدين الصحيح المطلق وأن بقية البشر الذين ينتسبون لعقائد أخرى هم كفار. وهكذا ينتج عن هذه التربية الخاطئة الكراهية والبغضاء عبر الأجيال لكل من خالفهم في الفكر أو العقيدة سواء كان من المؤمنين أو من الملحدين.

5- فكر النهي عن المنكر

تُقدم التربية الدينية الخاطئة سلطة المسؤولية لكل مؤمن للنهي عن المنكر حيثما رآه وتجعل من كل مؤمن قاضي وجلاد.

6- الحقيقة المطلقة

تغرس التربية الدينية الخاطئة في عقول ضحاياها أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة بحكم انتسابهم لدين معين وكل من يحمل رؤية مختلفة لا مجال لمناقشته أو الاعتراف بحقه في الوجود.

7- الخلط بين مسؤولية الرسول ومسؤولية المؤمن

نرى في الكتب المقدسة مهام موكلة إلى الرسول وتأتي التربية الدينية الخاطئة لتجعل من هذه المهام الخاصة ضمن سلطة كل فرد مؤمن بحيث يختلط الحابل بالنابل و يصبح هؤلاء الأفراد يتصرفون وكأنهم “رسل صُغيّرة” لديهم سلطات إلهية.

8- التذكير والموعظة

تجعل التربية الدينية الخاطئة من الفرد واعظا واصياً على الآخرين وله الحق في التدخل في الحريات الفردية.

9- غياب ثقافة البحث الشخصي عن الحقيقة

الإيمان هو موروث في مجتمعنا والتربية الدينية الخاطئة لا تُعلم أن الإيمان الصادق يجب أن يكون ثمرة بحث شخصي محض وليس عن طريق التبعية والوراثة بل على العكس تصنع هذه التربية مجرد “مؤمنين آليين”.

*الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *