وجهة نظر

ماذا يقصد المغاربة بـ”امرأة عريانة، الله يخزيها”؟

دائما ما أسمع عبارة تتضمن السّب واللعن مثل “واحْدْ الخانْزَة عْرْيانَة، اللعنة عليها إلى يوم القيامة”، قاصدةً نساء “عاريات”. وبطبيعة الحال أسمع هذه العبارة من رجال في حضور نساء بدون أي احترام لهن وحتى أمام الأطفال بدون احترام براءتهم! كما سبق لي ورأيت نساءً يقذفن بنفس اللعن على اعتبارهن “نساء عاريات”. كنت أظن أن هذه اللعنة تقصد بالضبط نساءً بدون أي لباس خارجي أو داخلي أمام الجمهور، ولكن المقصود هو المرأة التي ترتدي لباسا عاديا مثلما يلبس الرجل وأن عليها أن ترتدي لباسا برموز مختلفة عن لباس الرجل وبأشكال خاصة.

فكيف لنا أن نفهم هذا التهجم على المرأة وكأنها دُمية يريد كل طرف أن يُلبسها بهذا الشكل أو بذاك؟

1- التقاليد المجتمعية “واشْ الراجل المغربي مًشي حتى هُوَ عْرْيانْ؟”

التقاليد هي عملية عضوية تتطور مع الزمن بشكل هادئ لأن للتقاليد رموزا تاريخية وثقافية وعرقية. والجميل في التقاليد هو أن ليس هناك من يفرض طريقة اللباس على الآخر فنجد المرأة تتشبث بالزي التقليدي وحتى لو طلب منها الرجل تغيير ذلك، تراها ترفض. نفس الشيء نراه في التقاليد الذكورية مثل الجلباب قبل الخمسينات و”الرّزّة، الطَّكِيَّة” حيث كان الرجل من المستحيل أن يزيل “رَزَّتُه” أو قبعته التقليدية وكان أيضا من المستحيل أن يرتدي سروال “دْجينْ” وقميص “دومي مونْشْ” ويخرج الى الشارع، بل كان من المستحيل أن يظهر بهذا اللباس أمام أبنائه لأن بالنسبة له سيظهر “عْرْيانْ”. فلماذا نتقبل فقط تطور اللباس الذكوري بدون ربطه بالدين مثلما يحدث عند المرأة؟ “كُلّْشي لابْسْ وْلا كُلّْشي عْرْيانْ!”

2- العقيدة الدينية ووساطة رجال الدين بين الفرد وربه

لكل عقيدة أحكامها بالنسبة للباس ولكن الدين يتجه إلى الفرد وكل فرد له الحرية أن يحترم هذه الأحكام التي تهم الشخص أم لا. ولكن الخطأ الأعظم هو أن رجال الدين والحكام (في بعض الدول) قد عمموا وأجبروا العموم عليها وخاصة المرأة بالنسبة للباس، وبهذا الشكل أصبحوا وساطة بين الفرد وربه.

3- استيلاء الذَّكر على الدين وتأويل كتاباته لصالحه

منذ القدم نرى أن الذكور هم الذين يُسيِّرون ويُديرون الدين مع إقصاء المرأة دون الاستشارة معها في الأمور التي تهمها شخصيا مثل اللباس. ولهذا نشاهد في كل الديانات أشكالا وأشكالا من اللباس الذي يجب على المرأة أن ترتديه بل نجد في نفس الدين، كل مذهب وطائفة تؤول بفكرها الذكوري وتشترط على المرأة لباسا مختلفا عن المذهب الآخر.

وأتساءل لماذا لم تشترط كل هذه الديانات على الرجل لباسا معينا وإذا خالفه يصبح رجلا متبرجا؟

في هذا الحال أرى أن الديانات جاءت للنساء فقط، فلماذا ليست النساء هن اللائي يُسيرن ويُدرن الديانات بأكملها؟

4- عدم احترام المرأة والإله

أرى في كل الديانات وعلى الأقل في حقبة ما من تاريخها قد عبث رجال الدين بالمرأة باعتبارها كائنا ناقصا وصدرت في حقها أحكام قاسية مثل عدم المساواة وإجبارها على خدمة الرجل في الفراش وفي المطبخ وفي المنزل وضُربت كل حقوقها عرض الحائط وأحلت ضربها وتربيتها وتطليقها. وأتساءل هل فعلا مصدر هذه الأحكام ضد المرأة هو الدين، علما أن أتباع كل الديانات لهم نفس الأقوال: الرحمة والعدل والكرامة والاحترام والمودة والشفقة والمحبة؟ ستقولون إنني لم أفهم شيئا مما يقصده الدين، وأقول لكم “كونوا ما تقولون!”

ان كانت هذه الديانات تُعلم العالم أن هناك إلهاً عادلاً يُحب خلقه (المرأة والرجل) وأرى رغم هذا لعْن امرأةٍ ترتدي لباسا عاديا بِ “سيري قَبَّحَ الله سَعْيك”، فسيكون استخلاصي هو أن هذه اللعنة تعبر عن عدم احترام الخالق الذي يؤمن به اللاعن.

5- غياب مفهوم الاحترام في التربية الدينية والتربية المغربية

يغيب في مجتمعنا مفهوم الاحترام والكل يتدخل في أمور الكل. الاحترام هو أساس التعاليم الدينية والمدرسية والمجتمعية والإنسانية. ومبدأ الاحترام هو جوهر الإيمان بالقيم العالمية والإيمان بحقوق الإنسان وبالوفاء وبالعدل وبتيارات فلسفية مثلا. فأصل كل إيمان هو أن على الفرد أن يحترم الآخر بدون إصدار أي حكم، لأن بدون الاحترام يستحيل أن نبني علاقات سليمة في جو من التعايش ولو حتى داخل نفس المعتقد، وبدون هذه العلاقات السليمة من المستحيل أن نتحد ونشتغل جميعا على بناء المجتمع وتحقيق ازدهاره ورخائه.

* الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *