سياسة

أموال قطر المتدفقة على آسا… ما الهدف من وراء إنشاء المراعي؟

أحمد الهيبة صمداني – آسا الزاك

يواصل الكسابة الرحل احتجاجاتهم بإقليم آسا الزاك، منذ إعلان وزارة الفلاحة إقامة محميات رعوية بمساحات شاسعة بالإقليم، بغية إراحتها لمدة 24 شهرا، كي يستفيد منها الرعاة مقابل خدمات تقدمها الوزارة الوصية بتداخل مع الجهات المعنية بالإقليم حسب القانون المنظم لها 113.13. غير أن هذه المبادرة لاقت معارضة كبيرة من قبل قبائل المنطقة اللاتي ألقت اللوم على المتداخلين فيها، كونهم عانوا، حسب تعبيرهم، من عدم إشراك كافة ممثليهم “الحقيقيين”، رافضين بذلك أن يتم حرمانهم من الرعي في مناطقهم التي “أدوا في سبيل تحريرها الغالي والنفيس بذريعة تحسين المراعي”.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها، حاولت جريدة “العمق” أن تُـلَملِمَ من خلال هذا الملف، آراء كافة المتداخلين فيه، لإماطة اللثام عن اللُّبس الواقع بين كل الأطراف، ولتقريب الرأي العام من الحقيقة، إذ حاورنا خلاله مجموعة من الشخصيات المؤثرة في هذا الملف بالإقليم (مدير إقليمي للفلاحة، كسابة، رئيس جماعة المحبس، رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان..).

أغراض عامة وخاصة وراء إنشاء المحميات
وفي سياق الاحتجاج، أكد سعيد حيبوظة، أحد الكسابة المحتجين على الوضع لجريدة “العمق”، أن هذه المراعي ظهرت أول مرة في الراشدية، وكان الناس يؤدون فيه غرامات مالية عند دخول ماشيتهم إلى المحميات الرعوية، معتبرين هذه المراعي، بالنسبة لهم كرُحـَّـل، “لا تصلح لنا تماما كونها ستـُـخلـِّـف لنا غرامات مالية دائمة كلما دخلت ماشيتنا إليها”.

وأكد على أن الجهات التي أحدثت المراعي لها “أغراض عامة وأخرى خاصة”، وهم يحاولون، حسب حيبوظة، تحقيق الخاصة منها، من خلال هذه المساحات التي يريدون إراحتها لمدة 24 شهرا، بإحداث تعاونيات تنتهي بعد المدة بتحفيظ الأراضي الخاصة بالمراعي بأسمائهم، وهذا ما نرفضه داخل القبيلة، كون هذه الأرض أرض جموع خاصة بالقبيلة كاملة، وليس لأحد أن يتصرف فيها من تلقاء نفسه دون قانون أو دون مشورة القبيلة. موضحا أن “هذا ما قامت به الدولة بإحداثها لهذه المراعي، إذ أقدمت، حسبه، بتسييج الأرض وإدخال تعديلات عليها دون مشورة ولو شخص واحد من القبيلة أو من ممثلي الكسابة”.

ماشية قبائل آسا لا يمكن أن تتحملها غير أرضهم

ونفى المتحدث أن يكون كافة الكسابة قد صوتوا على المنتخبين في الغرف الفلاحية كما صرحت بذلك المديرية الإقليمية للفلاحة “للعمق”، إذ شدد على أن هؤلاء المنتخبين في الغرف الفلاحية “لا يمثلون الكسابة جملة وتفصيلا”.

وزاد أن عدد رؤوس الماشية التي تتوفر عليها قبائل الكسابة بإقليم آسا الزاك، يتجاوز 75 ألفا، ولا يمكن أن تتحملها غير أرضهم. لأننا، يزيد حيبوظة، “ندخل في صدامات مع مالكي الأراضي الرعوية خارج الإقليم”. مشيرا إلى أن “هذه الأرض كان يستغلها أجدادنا منذ القدم ولم تكن مُسيَّجة أو فيها هذه المراعي المحروسة بغرض الإراحة، ما جعل ماشيتنا تعيش الشتات خارج أراضي إقليم آسا الزاك”.

واستطرد المتكلم أن ما اقترحته الدولة في عهد عامل الإقليم السابق، أن تعطي الكسابة العلف من محصول المراعي، “كنا قد شرطنا عليهم أن يراقبوا ما إن كانت الكمية التي يخصصونها كافية لعدد رؤوس الماشية ولو لعشاء ليلة واحدة فنحن نرضى بهذا الحل، إلا أن الحال عكس ذلك”.

محميات الرعي قد تسبب انشقاقات قبلية

وأنكر المتحدث ما صرحت به مديرية الإقليمية للفلاحة، من أن “الكسابة الرحل وعائلاتهم قد استفادوا من أية إعانات مدنية، كسيارات الإسعاف أو غيرها”. مردفا أن “مثل هذه الدعايات التي تروَّج بين الفينة والأخرى، يرمي أصحابها للاستيلاء على الأراضي والانتفاع من عائداتها فقط”.

وطالب الكسابة على لسان حيبوظة، بأن “لا تـُـفوت أراضيهم لأيّ من هذه المراعي أو المحميات، لتبقى علاقات حسن الجوار مستمرة بينهم وبين باقي قبائل المنطقة، لأن إحداث مثل هذه الأمور قد يسبب انشقاقات في القبيلة”.

الدعم لا يجب أن يكون حبرا على ورق

من جهته، أكد محمود أبيدار، رئيس جماعة المحبس، أنه لما جاء وزير الفلاحة للإقليم بحضور الوالي نهاية سنة 2015، وعدوا بدعم “لا يُستهان به من طرف دولة قطر” تخصص للأقاليم الجنوبية. مشيرا إلى أنه أول من تساءل عن طبيعة هذا الدعم، بحضور المديرين الجهوي والإقليمي للفلاحة.

وزاد ” أكدت عليه حينها، أن هذا الدعم لا يجب أن يكون حبرا على ورق”.”وهنا وقع اللبس للكسابة إذ خلطوا”، حسب أبيدار، بين تحسين المراعي، المتمثل في دعم التعاونيات والكسابة بجميع مقومات الكسب والرعي (من قمح، شعير وصهاريج المياه، ومساعدات العائلات الرحل على تدريس أبنائهم من خلال توفير وسائل النقل لهم للأقسام التي تستحدث في الجبال..)، وبين المحميات التي تكون مسيَّجة وبها أنواع من الحيوانات، ولا يمكن لأحد أن يدخلها ما لم تكن له حاجة أو أمر من الجهات المشرفة عليها.

وكشف محمود أبيدار حصريا لجريدة “العمق المغربي”، أن الإقليم يتوفر على مشاريع لتحسين المراعي فقط، وفق مساحات معروفة، ومحددة في 20 كيلومتر على 10 كيلومتر في رَكْ البْيَاضْ وأخرى مثيلتها في الحْمَادا، كي يستفيد الكسَّابة من الدعم كما هو الحال لطاطا والسمارة وباقي الأقاليم الجنوبية التي عمتها هذه المراعي.

وأبرز أن إقليم آسا الزاك يتوفر على محمية واحدة خاصة بصيد الحبار متواجدة في الحْمَادا، ممتدة على مساحة 7 كلمتر على 4 كلومتر، فوتتها الدولة للقطريين بعدما “توصلنا بإرسالية من سفير قطر بالمغرب سنة 2015، أقاموا فيها مشروعا لهم، وأحدثوا منافع اقتصادية من خلال تشغيل 120 شابا من أبناء المنطقة بأجر يتراوح بين 5 و6 آلاف درهم شهريا”. يضيف المتكلم.

مصالح انتخابية “وراء البلبلة”

وردا على سؤال نوعية المستفيدين من دعم المراعي، والقائمين على التعاونيات وما إن كانوا من أصحاب النفوذ، قال رئيس جماعة المحبس أن من يثير هذه “البلبلة” هم بعض الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات، ويحاولون استغلال “بساطة الكسابة”، حسبه.
أهداف برنامج إراحة المراعي

وفي تصريح مماثل، وضح دادي الأنصاري، المدير الإقليمي للفلاحة بآسا الزاك، أن برنامج إراحة المراعي الذي يهدف إلى تنمية المراعي ومحاربة تدهورها، ولإحياء النباتات وعودتها إلى طبيعتها في التربة، كما “نحرص في مجموعة من المدارات الرعوية على إعادة بعض النباتات المختفية فيها بفعل الحرارة المرتفعة، فنوقف الكسابة عن الرعي فيها لمدة معينة حتى تستعيد الأرض ونباتاتها عافيتها”.

شكايات بعض الكسابة “كيدية”

وأفصح دادي لجريدة “العمق”، قائلا “قمنا بعدة تدخلات في برنامج إراحة المراعي على مساحة 42500 هكتار في المنطقة، على أن نضيف مراعي أخرى، يتم حراستها بهدف الإراحة ما بين 2018 و2019، مع ضرورة “تشكيل تعاونية ذات طابع رعوي من طرف الكسابة تمثلهم أمام الوزارة”. معتبرا أن الشكايات التي أثارها بعض الكسابة “كيدية”.
الفرق بين المحمية والمراعي.

وركز المتحدث على أن ما يميز المحمية الرعوية هو أنها تكون غير مسيَّجة، ويتم معلمتها بحدود صخرية مصبوغة بألوان معروفة لدى الجميع، ولافتات تحمل معلوماتها، تنبيها لكسابة المنطقة بأن “المساحة المُمَعْلمة في حالة إراحة رعوية”. مشيرا إلى أن الكسابة يستفيدون من العلف والآبار المتواجدة بالمرعى الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة، وتستثمر فيها مقابل توفير خدمات للكسابة وأبنائهم، كوضع سيارات إسعاف مجهزة رهن إشارتهم.
للحد من “الرعي الجائر”

وأوضح الأنصاري، أن هذا البرنامج جاءت به الوزارة بُغية الحد من أحداث نزاعات الرُّحّل مع أصحاب المراعي خارج الإقليم، مؤكدا أن إقليم آسا الزاك يتوفر على مليونان و700 ألف هكتار مربع، أغلبيتها قاحلة، وقليل منها يُستغَلُّ في الززاعة، إذ إن 99 % لا تخصص للمراعي وذلك بحكم طبيعة مناخ المنطقة.

جدل “التعاونيات التي أسندت لها المراعي لا تمثل كل الكسابة”

وشدد دادي في ثنايا حديثه، على أن “جدل” تمثيل الكسابة في التعاونيات “محسوم مسبقا”، منذ انتخاب الكسابة لرؤساء الغرف الفلاحية ولرؤساء الجماعات الترابية في الانتخابات، مشيرا أن “هؤلاء المنتخبين هم من نقوم بالتنسيق معهم لاستحالة التنسيق مع أزيد من 1000 كساب دفعة واحدة، فنكتفي بالتمثيلية فقط”.

وأوضح أنه لا يمكن للمديرية أن تتحرى هل هذه التعاونيات تضم كل الكسابة، باعتبار ما استجد في القانون التأسيسي للتعاونيات يمنع ممثلي وزارة الفلاحة من حق حضور جمعها التأسيسي كما هو الحال في السابق. إذ لا يتسنى لها، حسب قوله، أن تضبط إن كانت هناك تجاوزات عدم إشراك كافة الكسابة.

وبين أن ملف التعاونية يصل المديرية كاملا مؤشرا عليه من الجهات المعنية، على أنها هي الممثلة لمدار رعوي معين في إحدى الجماعات الترابية التابعة للإقليم. وأن هذا لا يمنع أن يتم توسيع مكتب التعاونيات بإشراف المديرية الإقليمية للفلاحة، بعد توصلها بشكايات الكسابة، كي يصبحوا كلهم منخرطين في التعاونية. “فنخصص لكل مدار رعوي تعاونية مكلفة به”، إذ وصل عددها لـ6 تعاونيات 4 منها تشتغل بشكل فعلي.

إقرأ أيضا: تفويت أراضي للقطريين يغضب قبائل آسا ويخرجها للاحتجاج (فيديو)

قانونية المحميات الرعوية

من ناحية قانونية، علق الباحث في العلوم القانونية والمحام بهيئة أكادير والعيون، سالم بيكاس، في تصريح لجريدة “العمق”، أنه قبل إحالة مشروع القانون على المؤسسة التشريعية، قامت وزارة الفلاحة والصيد البحري خلال الموسم 2014/2015، في إطار ما سمته بمواكبة مشروع القانون ببلورة مشروع استثماري مندمج بمبالغ مالية ضخمة، ممولة بهبة من دولة قطر وتـَـهُم جهتي كلميم واد نون وسوس ماسة وإقليم السمارة، بهدف استصلاح الموارد المستدامة الرعوية، وتجهيز نقط الماء والمسالك الطرقية ودعم الولوج إلى الخدمات المدرسية والصحية لأبناء الرحل والعالم القروي، و دعم القدرات التقنية للكسابة والرحل وكذا تثمين مختلف السلاسل والأنشطة المرتبطة بالرعي .

يأتي هذا، حسب بيكاس، قبل صدور القانون 113.13 في فبراير 2016 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6466 بتاريخ 19 ماي 2016. وهو ما يجعلنا، حسب قوله، أمام “مفارقة قانونية فريدة من نوعها”، تتمثل في تنزيل مقتضيات مشروع القانون المذكور، قبل أن يصدر ويدخل حيز التنفيذ ولازالت المؤسسة التشريعية لم تصادق عليه.

نصوص قانونية جامدة
وتوقع المتحدث أنه حتى بعد صدور القانون 113.13 بشكل رسمي فإن معظم إجراءات تنزيله على أرض الواقع مرتبطة بنصوص تنظيمية لم تصدر بعد. الشيء الذي يجعل من نصوص هذا القانون “جامدة لا يمكن أجرأتها أو تنزيلها، إلا بعد إصدار تلك المراسيم التنظيمية”، حسب تعبيره.

وتساءل الباحث في العلوم القانونية، عن طبيعة الوعاء العقاري الذي أقيمت عليه هذه المحميات في علاقته بهذا القانون، والهيئات المحدثة بموجبه، خصوصا وأن هذه الأراضي عبارة عن “أراضي جموع لقبائل ايتوسى؟!”، علاوة عن “كيفية إنشاء هذه “المحميات الرعوية” بإقليم آسا الزاك، قبل صدور القانون والنص التنظيمي الذي يحدد كيفيات إحداث المحميات الرعوية وتدبيرها، وكذا إعادة فتحها للرعي طبقا للمادة 7 من هذا القانون؟!”.
وجب احترام إرادة مشروع القانون 113.13

وأكد المتحدث أن السلطة التنفيذية، يجب أن تحترم إرادة المشرع، من خلال التقيد الحرفي لمقتضيات القانون 113.13 وتنزيله تنزيلا سليما، بإشراك جميع الفاعلين، تحقيقا للأهداف التشريعية المتوخاة ودرءا لأي ضرر محتمل كما تنص على ذلك المادة 7 من هذا القانون في نصها على أنه “يجب ألا ينتج عن إحداث المحميات الرعوية إلحاق ضرر بالقطعان الموجودة في المجالات الرعوية والمراعي الغابوية المذكورة”.

واستطرد بيكاس أن “إرادة واضعي هذا القانون تستهدف أكثر حماية أماكن الاستقبال، أي استقبال الأنشطة الرعوية، وحماية ممتلكات السكان والأشجار الغابوية من الرعي “الجائر”، خاصة شجرة الأركان بمناطق سوس، وليس حماية الأنشطة الرعوية في حد ذاتها، خاصة بعد حراك مجموعة من فعاليات المجتمع المدني وساكنة جهة سوس بخصوص ما يسمى “الرعي الجائر” وحركة الرحل والترحال”.

توافـُـق القبائل والدولة هو الحل
رئيس الرابطة الإقليمية للدفاع حقوق الإنسان بآسا الزاك، خطري شكراد، يؤكد أن قبائل ايتوسى التي احتجت على هذه المحميات الرعوية، عمَّرت في الأقاليم الجنوبية منذ قرون، ومنذ 2014 وهي تعارض “استغلال بعض “الأطراف المشبوهة لأراضيها، بشكل غير قانوني ومشبوه، ودون توافق مع أصحاب الأرض، ولا حتى اعتماد مقاربة تشاركية مع لفائف القبيلة “.

وأكد أن هذه الأرض “ليست ملكا سوى لأهلها الذين يستغلونها منذ قرون”، داعيا “الجهات الرسمية للجلوس إلى طاولة الحوار مع المكونات القبلية للتوافق حول كل مستجد يتعلق باستغلال هذه الأرض”.

كما أكد رئيس الرابطة الحقوقية، على أن استغلال عدد من الهكتارات كمحميات رعوية لتجويد المراعي، حرَم الكسابة من الرعي بآلاف الهكتارات بإقليم آسا الزاك، مضيفا أن “تفويت مشاريع هذه المحميات لجمعيات رؤساؤها أعضاء منتخبون أو أبناء منتخبين بالجماعات القروية التي تم فيها التفويت يطرح أكثر من علامة استفهام”.

وحسب الحقوقي خطري شكراد، فإن “خلفية هذه المشاريع لا تخدم أصحاب الأراضي ولا الرعاة وإنما تخدم الثراء غير المشروع لهؤلاء المنتفعين بحجة حماية المراعي”.

وأضاف أن طريقة الاستغلال هاته تضر بحق الإنسان بهذه المناطق في العيش الكريم، كما تسببت في مضايقة عدد كبير من الكسابة في مصدر عيشهم بسبب مصادرة أراضيهم، محذرا من استمرار مصادرة أراضي القبيلة الذي سيظل يتسبب في توترات، الدولة في غنى عنها “، علما أن هذه الأرض قدمت القبائل في سبيل تحريرها أزيد من 7800 شهيد لإخراج المستعمر منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *